إعلان دمشق: التغيير في تونس/ إذا الشعب يوماً أراد الحياة . . .

بيان إلى الرأي العام:

في أقل من شهر ، استطاع الشعب التونسي البطل ، أن يضع نهاية لواحدة من أعتى الديكتاتوريات العربية .

عبر انتفاضة شعبية شاملة وسلمية ، فاتحاً المجال أمام تونس بأن تكون دولة ديمقراطية ، تحترم خيارات شعبها، وأن تكون في خدمته.

 

حكم زين العابدين بن علي تونس طيلة ثلاثة وعشرين عاماً بقبضة أمنية خانقة، عمم الفساد والمحسوبية وعطل تقدم البلاد ، قمع المعارضة وغيب الحريات وشرَّع السجون ، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية واقتصادية مستعصية ، لم يكن وجود مئات الألوف من العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات سوى أحد عناوينها.

لقد شكل النظام التونسي البائد تنويعة من تنويعات الديكتاتوريات العربية التي تتحكم في المنطقة ومقدراتها منذ نصف قرن ونيف ، تلك الأنظمة الاستبدادية – منها من رحل ومنها من ينتظر – وعلى اختلاف ” الشرعيات ” التي استندت إليها ، تشابهت في طرق إدارتها للدولة وإغلاقها المجال السياسي وتحكمها في مفاصل المجتمع واعتمادها على أجهزة الأمن .

أنظمة ولَّدت التطرف والعنف، وتتحمل كامل المسؤولية عن انهيار الوضع العربي وهزائمه، وإفشال دولها، وإفقار مجتمعاتها، ودفعها في هاوية التمزق والحروب الأهلية المعلنة أو الكامنة .

ما حصل في تونس يشكل بارقة أمل أمام هذه الشعوب ومخرجاً لها من مآزقها التاريخية ، والدرس التونسي جدير بأن تقف عنده المنطقة وإن بشكل أولي أنظمة وشعوباً ومعارضات ، كل من زاويته للتأمل واستخلاص العبر .

ولعل أول هذه الدروس هو أن انتفاضة الشعب التونسي أثبتت أن التغيير يمكن أن يكون داخلياً ويجب أن يكون كذلك ، اعتماداً على قوة الشعوب الذاتية ، وهي قوة كافية .

وقد آن لمعزوفة التضليل التي مورست في السنوات الماضية في أكثر من بلد عربي ، سواء من أولئك المراهنين على تغيير خارجي باعتباره خياراً إجبارياً، أو أولئك الذين تذرعوا بمقولة أن كل تغيير أو مطالبة به تخفي وراءها محركات خارجية .

هؤلاء وأولئك العاجزون أو غير المستعدين لدفع تكاليف الحرية ، قال لهم الشعب التونسي : إن إرادة الشعوب ، مهما قهرتها الأنظمة الاستبدادية فلا بد أن تقول كلمتها أخيراً .

وثاني دروسها : أن التغيير الديمقراطي المدني السلمي ممكن وكاف لكل تغيير، وأن ما تروجه الأنظمة الديكتاتورية عن استقرارها المزعوم، وأن بديلها هو الفوضى أو الأصولية قد سقط، وأسانيده العراقية ليست حتمية .

فالشعوب قادرة عند توافر الإرادة على ضبط مسارات التغيير وتأمين الانتظام الاجتماعي وقطع الطريق على قوى الفوضى إن وجدت .

ثالث الدروس : أن أحزاب السلطة ” المليونية ” في كل بلد عربي التي تضخمت في سياق منهج الضبط الذي تمارسه الأنظمة الاستبدادية لن تفيدها في شيء ، وسرعان ما تتلاشى عند أول امتحان جدي يواجه هذه الأنظمة .

رابعها : أن انتفاضة الشعب التونسي التي كانت عفوية وغابت عنها الأحزاب والمعارضات السياسية إلى حد كبير بحكم القمع الذي أنهكها ، أثبتت أن المعارضة الواسعة والقادرة في المواقف الحاسمة هي معارضة الشعوب ، وشعوبنا العربية معارضة بشكل جذري ، حتى وإن شوش على مواقفها أحياناً التباين بين طبيعة التركيبة الاجتماعية وبنية السلطة في كل بلد ، وستبقى معارضة الشعوب معقد الآمال لكل تغيير قادم .

أما الدرس الخامس: فهو موجه إلى المجتمع الدولي وخاصة الدول التي لها مصالح حيوية في منطقتنا ، وحمت أو سكتت عن استبداد الأنظمة وقهرها ونهبها لشعوبها بزعم ضعف أهلية المنطقة للحياة الديمقراطية أو تخوفاً من مآلات التغيير ووصول القوى الإسلامية إلى السلطة .

وانتفاضة الشعب التونسي أرادت القول إننا مثل كل شعوب الأرض من حقنا أن تكون لنا خياراتنا وآن لهذه الدول أن تحترم هذه الخيارات ، وأن تخرج من أوهام القراءات السطحية لواقعنا ومصالحها الضيقة .

إن إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، وهو أحد أبرز أطياف المعارضة السورية ، إذ يهنىء الشعب التونسي بانتصار انتفاضته المباركة واندحار ديكتاتورية بن علي ، يعيد التذكير أن اللحظة التاريخية التي ولدتها انتفاضة تونس هي مناسبة لكسر حاجز الخوف عند شعوبنا المثقلة بالاستبداد ، وهي أيضاً مناسبة كي تتأمل قوى المعارضات العربية الدرس التونسي ، وأن تتحلى بالصبر وروح التضحية، لأن الديكتاتوريات أصبحت استثناء ثقيلاً في هذا العالم ، ورحيلها بات مسألة وقت.

إن الشعب السوري بكل مكوناته وشرائحه الاجتماعية جدير بالحرية كما الشعب التونسي، وكلنا ثقة بأنه لا بد وأن يمضي في الطريق نحو الحرية والديمقراطية والكرامة.

عاش الشعب التونسي

عاشت سورية حرة وديمقراطية


دمشق في 17 / 1 / 2011



الأمانة العامة لإعلان دمشق

 

للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…