الجنوب قبل الشمال نحو تقرير مصيره

عبدالقادر بدرالدين

كنا نعتقد وما نزال, بأن مبدأ حق تقرير المصير عمل خارج ارادتنا, ولا يحق لنا التفكير مطلقا من دون موافقة الكبار, والكبار بدورهم ايضا يرون التعامل مع هذا الحق في غاية الخطورة, والبالغ فينا او العاقل, لم يستطع يوما من الايام ان يتصرف من دون موافقة الكبير, وان تصرف كان الخوف والشك ينتابه على ما تصرف به.

ذاكرتنا الجمعية على الاغلب, تعتقد ان الله وحده يقرر مصير البشرية, وهو القادر الوحيد في تحديد مصيرنا جميعا, اذآ, تقرير المصير يحدده الاكبر وثم الكبير من بعده, ويبقى الصغير مطيعا في انتظار حسنات الكبيرين الى ما شاءا.

 

يبدو لنا جميعا ان المفاهيم تتغير وتتبدل وفق زمانها ومكانها, وهذا ما ينطبق اليوم على مفهوم مبدأ حق تقرير المصير بالذات, وفي هذا الصدد لابد من القول ان هذا الفهم قد وصل الى درجة راقية من التطور في بعض الامكنة من هذا العالم, ولكنه لم ير النور حتى بشكله القديم بين شعوب القارتين على الاقل في (افريقيا-آسيا) حتى نهاية العقد الاول من القرن الحالي.
بيد ان مبدأ حق تقرير المصير قد يختلف تطبيقه بين حين وآخر, وذلك محكوما عليه حسب شروط وخصوصية الموقع ومحيطه, وايضا مدى قوة النبذ والجذب في هذا الموضوع تحديدا.

فيما يخص تجربة جنوب السودان, ارى وجود هاتين القوتين سوية في ثقافة الجنوبيين, وكأن الاستفتاء في اختيار احدهما ( والارجح هو الانفصال) لاتعني لديهم القطيعة او ادارة الظهر بالضرورة, وانما هو وسيلة ناجحة وكفيلة في تثبيت حقوقهم كسودانيين اولا, وثانيا, حيث لايخفى انظارهم عن باقي الاراضي السودانية المائية منها واليابسة.

ان الحركة الشعبية ترى في مبدأ حق تقرير المصير تأمين وبناء السيادة اولا, ويعتقدون ايضا ان مطاليبهم وحقوقهم واجندتهم السياسية لاتكتمل من دون تأمين السيادة -الانفصال- وستكون هذه الخطوة في غاية الاهمية لترسيخ وانجاح العملية السياسية في الجنوب وبناء دولتهم الموعودة.

اما في تجربة كوردستان العراق, الحال يختلف تماما, حيث استهلوا بالمفاهيم البسيطة في الحصول على حقوقهم بدءا بلامركزية الحكم الذاتي ومن ثم الفيدرالية الحالية وتجنبوا حتى التفكير في مسألة الانفصال, او اجراء عملية الاستفتاء بهذا القصد, بالعكس من ذلك قدموا الغالي والنفيس من اجل بقائهم ضمن الاطار العراقي الموحد, وفندوا كل الاحاديث التي تتكلم عن الانفصال والتقسيم والتفتيت, علما انهم يحكمون ويتحكمون بأقليمهم الكوردستاني, ولهم كافة مواصفات الدولة من مؤسسات وحكومة وبرلمان, رغم كل هذه المنجزات يطالبون بحق تقرير مصيرهم!!!!!!!.

 

اعتقد من الآن فصاعدا, وتحديدا بعد تجربة جنوب السودان, يتوجب علينا نحن شعوب القارتين-افريقيا و آسيا- ان نقر ونعترف بان الجنوبيين قبل الشماليين استطاعوا ان يضعوا قطار مبدأ حق تقرير المصير في سكته المطلوبة , وبدأ بالتحرك نحو المعنيين بالامر, واعطانا فهما جديدا لهذا المبدأ وهو: السيادة اولا واخيرا.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…