تركيا تدير حوارات الآخرين وتدير ظهرها لشعوبها!

هوشنك أوسي *

«تركيا تعد لطاولة حوار أفغانية تنفيذاً لاقتراح مقربين من طالبان».

هكذا عنونت «الحياة» خبرها، يوم 26/12/2010.

ومما جاء فيه: «أبلغت مصادر ديبلوماسية تركية مطلعة «الحياة» أن أنقرة ستعمل قريباً على جمع كل الفصائل وممثلي القوميات الافغانية في اسطنبول من أجل بدء مفاوضات سلام بينها تمهد لانسحاب هادئ لقوات التحالف من أفغانستان.

وذكّرت المصادر ذاتها بنجاح دور تركيا سابقاً في مسعى مشابه في العراق عبر اقناعها العرب السنّة بالمشاركة في العملية السياسية والانتخابات، معلنة وجود أمل كبير بتكرار الأمر ذاته مع «طالبان» أو المقربين منها».

 

ماذا لو طالعت صحف «راديكال» أو «حرييت» أو «طرف» قرّاءها، صبيحة هذا اليوم، بخبر مفاده: «عرضت دولة عربيّة مهمة مبادرة إطلاق طاولة حوار تجمع الحكومة التركيّة بممثلين عن الكرد والأرمن والسريان والعرب…، بغية إيجاد حلّ عادل ومنصف لكافّة المشاكل والقضايا القوميّة والعرقيّة العالقة في تركيا، بما ينسجم وروح الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ الديموقراطيّة.

حلّ يكفل لهذه الشعوب نيل كافة حقوقها، تحت سقف دولة وطنيّة، مدنيّة، عصريّة، لا فرق فيها بين تركي وكردي وعربي وأرمني، إلاّ بمدى احترامه للقانون والتزامه بالواجبات والحقوق الوطنيّة.

وأن تكون تركيا لكل شعوبها، وليس للأتراك وحسب».

فماذا سيكون ردّ فعل الحكومة التركيّة؟.

الرفض طبعاً.

وإذا جاءت المبادرة نفسها من دولة أجنبيّة، سيكون رفض الحكومة التركيّة، مقروناً باتهامات، من قبيل: ثمّة مؤامرة صليبيّة على وحدة الأراضي التركيّة!

افتراض الرفض التركي، للمبادرة الافتراضيّة تلك، يتأتّى من المعاندة التي تبديها أنقرة حيال عدم الاعتراف بمذابح الأرمن، والمخاتلة التي تزاولها حيال التعاطي مع القضيّة الكرديّة.

إذ من جهة، تحاول فتح قنوات حوار مع أوجلان والعمال الكردستاني، ومن جهة أخرى، تحاول استجرار كل الدول الأقليميّة والأوروبيّة وأميركا واسرائيل إلى محاصرة ومحاربة الكردستاني، على كافّة الصعد!.

ما يعطي انطباعاً بأن الحكومة التركيّة غير جادّة، وغير صميميّة في نيّتها طيّ الملفّ الكردي سلميّاً.

زد على ذلك، الدور التركي في عدم حلحلة القضيّة القبرصيّة، وطيّ هذا الملفّ نهائيّاً، وانسحاب الجيش التركي من الجزيرة.

قضايا الأقليّات القوميّة في تركيا، بخاصّة منها الكرديّة والأرمنيّة، كانت وما زالت تستنزف تركيا ماديّاً ومعنويّاً، سياسيّاً وعسكريّاً، حضاريّاً وأخلاقيّاً.

وما زالت هذه القضايا تحرج تركيا أمام المجتمع الدولي والأوروبي.

وربما من الغريب ألاّ تبادر أي من الدول الإسلاميّة، وبخاصّة العربيّة، إلى حضّ تركيا على حلّ القضيّة الكرديّة بالطرق السلميّة، منذ 27 سنة على بدء الكفاح المسلّح الكردي ضدّ الدولة، على اعتبار أن الضحايا من الاتراك والأكراد مسلمون؟!

الرفض التركي لأيّة مبادرة افتراضيّة لحلّ القضيّة الكرديّة والقضايا القوميّة الأخرى، تكون آتية من العالم العربي أو الإسلامي، أو حتّى من الغرب، هذا الرفض، ليس منشأه أن تركيا تريد حلّ مشاكلها بنفسها، وترفض أيّ تدخّل خارجي فيها، بل لأن المضمون القومويّ التركيّ، ما زال حاضراً، وبقوّة، في الجسم السياسي التركي الحاكم.

وما زالت النزعة الاستعلائيّة، تستبطن الخطاب السياسي الداخلي للحكومة التركيّة.

وما زالت الأخيرة، مصرّة على فرض «دولتها الخفيّة» الإسلاميّة، محلّ «الدولة الخفيّة» العلمانيّة التي تحكم تركيا، منذ ولادة الجمهوريّة، على يد مصطفى كمال أتاتورك.

ولعلّ من أبرز الخصال التي تمتاز بها الحكومة التركيّة، الإسلاميّة، بزعامة أردوغان، أنها تجيد نصب طاولات الحوار العراقيّة – العراقيّة، والفلسطينيّة – الفلسطينيّة، والسوريّة – الإسرائيليّة، وقريباً، الأفغانيّة – الأفغانيّة، على أراضيها، وفي الوقت عينه، تجيد إرسال الطائرات الحربيّة لقصف معاقل المقاتلين الأكراد، وتجيد زجّ السياسيين الكرد المنتخبين في سجونها، وتمنعهم من حقّ الدفاع عن أنفسهم، أمام محاكمها، بلغتهم الأمّ! ثم يأتيك قائل يقول: تركيا، تغيّرت.

والفضل لأردوغان!

حاصل القول إنّ تركيا، بحكومتها الإسلاميّة ورئيس حكومتها أردوغان، تطرح نفسها كسيارة إطفاء وإسعاف دوليّة، قادرة على إخماد كل النيران، وحلّ كل مشاكل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بينما هي تطفو على بحار من العقد والمشاكل والقضايا القوميّة والدينيّة والسياسيّة العالقة.

تركيا، بهذا القدر من الازدواجيّة، وإيّاً كان منسوب «الهوبرة» و «الزيطة والزمبليطة» الذي تحظى به، عربيّاً وشرق أوسطيّاً، ما زال من المبكّر، والمبكّر جدّاً، الإقرار بنجاعة ورجاحة أنموذجها.

* كاتب كردي مقيم في بلجيكا

عن جريدة الحياة

الإثنين, 10 يناير 2011

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…

حوران حم واقع يصرخ بالفوضى في مشهد يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحركة الكوردية في سوريا، تتوالى المبادرات التي تُعلن عن تشكيل وفود تفاوضية موسعة، تضم عشرات الأحزاب والتنظيمات، تحت مسمى التمثيل القومي. غير أن هذا التضخم في عدد المكونات لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل يكشف عن حالة من التشتت والعجز عن إنتاج رؤية موحدة وفاعلة….

مصطفى منيغ/تطوان باقة ورد مهداة من بساتين تطوان ، إلى عراقية كردية ملهمة كل فنان ، مُلحِّناً ما يطرب على نهج زرياب قلب كل مخلص لتخليص ما يترقب تخليصه من تطاول أي شيطان ، على أرض الخير العميم وزرع نَضِر على الدوام وجنس لطيف من أشرف حسان ، بنظرة حلال تداوى أرواحا من داء وحدة كل عاشق للحياة العائلية المتماسكة…