زمن الطلاق

غسان شربل

هل صحيح اننا لا نستطيع احتمال الآخر المختلف المقيم بيننا او على مقربة منا؟ واننا لا نقر له بحق الاختلاف العرقي او الديني او حتى الثقافي؟ وإننا نرى في وجوده تهديداً لهويتنا ونقاء بلادنا وعدواً يجب الحذر منه والاستعداد لجبه مؤامراته؟ واننا نعتبر مطالبته باحترام إرثه وتطلعاته ولغته او لهجته نوعاً من العدوان علينا؟

هل صحيح اننا نصاب بالرعب من اي اختلاف؟ ولا نستطيع تصور ان يرتكب جارنا في المبنى او الحي او المدينة او الوطن احلاماً ليست مطابقة لاحلامنا؟ او ان يستلهم تاريخاً لا يعتبر صورة طبق الاصل عن تاريخنا؟ او ان يقرأ في كتاب غير الذي نقرأ فيه؟ او ان يرقص اولاده على الحان ليست الحاننا وتدوي في اعراسه مواويل ليست ممهورة بختم يتبملامحنا؟
هل صحيح اننا نعتبر ما نسميه سلاماً مع الآخر المختلف مجرد هدنة املتها الضرورات سنكون في حل منها متى سمحت لنا موازين القوى بإخضاعه ومسح ملامحه او شطبه من الخريطة او الوجود؟ هل نعتبر الآخر المختلف مجرد نبتة غريبة تسللت الى ديارنا حتى ولو كان عمر جذوره آلاف السنوات؟ واننا نعتبره في النهاية عميلاً لمن يغرفون من قاموس مشابه لقاموسه حتى ولو كانت بين الفريقين آلاف الأميال وبحار ومحيطات؟

هل صحيح اننا نعتبر التنوع مصيبة ومأساة وفخاً وعبوة وان التعايش يشبه عملياً تقليب قنبلة بين اليدين بانتظار موعد انفجارها؟ وان التنوع هو النافذة التي تتيح للرياح المسمومة ان تتسرب الى كتب المدرسة وعيون اطفالنا فتحرم قاموسنا متعة النوم الآمن والمديد وتدخله في امتحانات تكيف تنال من صدقيته وهيبته وتنال من طمأنينتنا الى وسادة يفترض الا تصاب بتشكيك او سؤال او علامة استفهام؟

وهل صحيح ان هذا الآخر المختلف المقيم بيننا يشبهنا في تكلس مفاصل عقله واستيلاء اللون الواحد على مخيلته؟ وانه مثلنا يرفض ان يبارح قناعاته النهائية؟ ويرفض هبوب النسائم على قاموسه ومفرداته؟ ويرفض المختلف عنه شريكاً في رقصة التساكن ضمن حدود الخريطة؟ وانه يريد لونه كاملاً وإن تعذر ذلك عليه يفضل دور الضحية، اي انه اسير خيار انتحاري هو كل شيء او لا شيء؟ وانه يعيش هو الآخر اسيراً في نفق لا يعد بغير الحروب الاهلية او الهجرة او الطلاق المرسوم بالمرارات والدم؟

استوقفني البارحة كلام للرئيس عمر حسن البشير.

قال: «اذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الاسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع».

وأكد ايضاً ان «اللغة الرسمية للدولة ستكون العربية».

فاجأني الكلام انا اللبناني الخائف على بلده من ازمة مكونات شبيهة بتلك التي عصفت بالعراق.

فاجأني وفجعني.

هل هذا كل ما يستطيع قوله رئيس بلد يواجه خطر خسارة وحدته في غضون اسابيع؟ ولماذا يرجح المسؤولون الشماليون ان يختار ابناء الجنوب الانفصال في استفتاء التاسع من الشهر المقبل؟ وهل صحيح ان غياب التنوع يستحق الاحتفال حتى ولو تمزقت الخريطة؟ ومن قال ان اغراء الطلاق سيقتصر على الجنوب؟ وهل لعبت سياسات «الانقاذ» دوراً في دفع الجنوبيين الى الاعتقاد ان الطلاق هو الخيار الافضل والوحيد؟

اننا في بدايات موسم الطلاق.

يجدر بالدول العربية ان تقرأ جيداً في دروس اقليم كردستان العراق وجنوب السودان.

العجز عن اللقاء بالآخر في رحاب دولة مؤسسات وحقوق وواجبات ينذر بمزيد من التمزقات او الاقاليم او حفلات الطلاق.

الحياة اللندنية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…