هل الكرد السوريون قدموا من المريخ حديثا

حسين عيسو

                “يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره , فهل يجوز ذلك للمؤرخ أيضا”
بداية أوجه التحية للشاعر والباحث المؤرخ “إسحاق قومي” للجهد الذي بذله للتأريخ لمدينة الحسكة , في كتابه “مئة عام على بناء مدينة الحسكة” , لكن المشكلة وكما يبدو أنه كتبها بأسلوب الشاعر وليس المؤرخ , والفرق بينهما كبير , كالفرق بين المتنبي وابن الأثير .
        – حين يكتب شاعرنا الكبير عن مدينته “مدينتنا” جميعا , ويحدد عناوين بيوتها بيتا بيتا – لا أقول كدليل لساعي البريد , كما ذكر أحد الأخوة المعلقين على الكتاب – إنما أقول للأستاذ إسحاق :
 أنت الآن تكتب كمؤرخ وتوثق لمرحلة معينة , فذكرت سكان الحسكة الأوائل , وهم آل عليوي ومحشوش وعمسي وبحي الدرويش وغيرهم كثر , وهنا لست في وارد البحث عمن كان الأول في سكنى الحسكة , لكن هنالك حقيقة ذكرتها أنت , وهي أن هؤلاء فروا الى هذه المنطقة لائذين بالعرب حيث الشهامة وإغاثة الملهوف
أليس معنى ذلك أن أهل الملاذ كانوا موجودين فيها قبل اللائذ , ثم هنالك بيوت نسيت أن تأتي على ذكرها وهي لم تكن صغيرة حتى تنساها , وأجد نفسي مضطرا لتذكيرك بها , مادمت تريد من ينبهك , اذا نسيت : مثلا بيت آل حاجو كان موجودا أيضا ومضافتهم كانت كبيرة , لا بد أنك مررت بها ذات يوم , أو رأيتها على الأقل , فلم تكن صغيرة لدرجة نسيانها ! .
         – لقد مررت مرور الكرام على مدن الجزيرة السورية , الا بعضها , وبما أنك ذكرت بعض الأمور بتفاصسل مملة , أرى أنك حين جئت على ذكر مدينة “القامشلي” وهي أيضا حديثة , نسيت المدينة الأم “بياندور” وأن الفرنسيين قاموا ببناء القامشلي , كرد فعل على المعركة التي دارت فيها , تلك القرية الصغيرة اليوم , والتي تقع بين القامشلي وتربة سبيي = قبور البيض =القحطانية , حاليا , كونها أول معركة دارت بين المحتل الفرنسي وسكان الجزيرة السورية وأول ضابط فرنسي كبير قتل خلال الاحتلال الفرنسي لسوريا , كان الكابتن “روغار” عام 1923م في بياندور , وبما أن كل شيء يتعلق بالكرد في سوريا تعرض للطمس والإغفال , منذ ستينات القرن الماضي وإلى اليوم , وبما أنها كانت من المعارك الهامة ضد المحتل الفرنسي , فكان الواجب على الأقل ذكر قبيلة الطي العربية , وحدها , وهي التي شاركت الى جانب عشيرتي الآشيتية والهفيركان الكرديتين دفاعا عن أرض الوطن يومها , ونتيجة ذلك عمدت السلطات الفرنسية الى هدم بياندور وبناء القامشلي ,
         – لن أقول أن عامودا كانت مدينة كردية بالمطلق , لكن إعتبارها مدينة سريانية , ليس دقيقا , فكان فيها كرد وسريان وهي في الأغاني التراثية الشعبية تسمى باسم آغوات الدقورية , وخاصة سعيد آغا الدقوري قائد ثورة أو طوشة عامودا 1937 والتي وإن انحرفت عن مسارها من قبل بعض الرعاع , إلا أنها كانت ثورة ضد المستعمر الفرنسي , وكانت نتيجتها أن قامت الطائرات الفرنسية بدك عامودا , وتهديم أغلب بيوتها إضافة الى قريتي ديكية , وتل حبش القريبتين من عامودا , ثم لاحقوا سعيد آغا الدقوري حتى الحدود العراقية حيث التجأ , وإذا كنت تريد – وكما درجت العادة – طمس كل ما يتعلق بالكرد في الجزيرة السورية , حتى ولو كان إسم وطني قارع الاستعمار الفرنسي حتى الاستقلال – فلماذا نسيت إسم الوطني الآخر في عامودا وهو سعيد إسحاق  وهو النائب لأكثر من مرة خلال الاحتلال ومرحلة الاستقلال , وهو أشهر من نار على علم , لا أقول أنك نسيته لأنه كان رفيق سعيد آغا في الوطنية , وإنما أتساءل : ألم يكن للكرد وجود فوق هذه الأرض ؟ , هل كانوا يأتون من كوكب المريخ ليحاربوا الفرنسيين ثم يعودون من جديد , لقد حاول العديد قبلك نفي هذا الوجود , حتى أن العديد من أبناء شهداء بياندور وعامودا سحبت الجنسية السورية منهم , كي لا يعتبر ذلك شاهدا على أن آباءهم استشهدوا دفاعا عن هذه الأرض التي هي أرضنا جميعا , لقد زور التاريخ كثيرا , لكنه لم يغير من الحقائق شيئا , ولذا أتمنى من باحث في مستواك أن تنتبه للدقة في كتابة التاريخ .


        – مادمت كتبت أو تكتب عن القصور والقصوارنة وبما أنك تطلب المساعدة في تقديم الوثائق , فأنصحك بالعودة الى كتاب “الدرباسية ماضيا وحاضرا” تأليف المرحوم “إبراهيم يامين” تقديم : غريغوريوس يوحنا إبراهيم _متروبوليت حلب , حيث يذكر فيه أن أعلب القصوارنة إلتجئوا إلى بلدة القرمانية بداية القرن العشرين , ويتذكر ما لاقوه من كرم الضيافة وحسن الوفادة , وحتى بناء المساكن لهم ولعائلاتهم ومنحهم المحلات التجارية , بأوامر من مالكها يومذاك “الحاج درويش حجي موسى” وكانت القرمانية بلدة قبل أن يكون للدرباسية وجود, لن أدخل في تفاصيل ذلك مادام الكتاب متوفرا ومؤلفه أحد القصوارنة المعروفين , رحمه الله .
        أخيرا , تستطيع العودة الى وثائق الخارجية الفرنسية عن تلك الفترة وهي مفتوحة للعموم اليوم وبالتفصيل , إذا كنت تريد التأريخ لهذه المنطقة وتوثيق تلك الفترة , ومنطلقي هنا ليس إثبات حق فئة دون غيرها ولا مجاملة أحد على حساب الآخر , فهذه المنطقة سكنتها على مر التاريخ أقوام عديدة وكانت تفرغ أحيانا من السكان , والدليل على ذلك , تلك التلال التي هي أطلال حضارات اندثرت ثم حلت مكانها أخرى .
 في الشعر يقول الشاعر ما يشاء , مديحا أو هجاء , أما التأريخ فيختلف , إذ المفروض فيه أنه نقل الحقائق عن الأسلاف كي يستفيد من عبره من يأتون بعدهم , كما يقول “هيرودوت” .
الحسكة في : 14/12/2010
Hussein.isso@gmail.com

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…