حق تقرير المصير حلم كردي

  عارف جابو

التشديد على هوية كركوك الكردية، وحق تقرير المصير للشعب الكردي هي أبرز ما جاء في خطاب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في افتتاح المؤتمر الثالث عشر لحزبه الديمقراطي الكردستاني.

جاء كلام بارزاني هذا بحضور كبار القادة السياسيين العراقيين الحكوميين والحزبيين، وممثلي العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة؛ الذين وجهت إليهم الدعوة لحضور افتتاح المؤتمر.

التأكيد على هوية كركوك الكردية وأنها جزء من كردستان ليس جديداً، وخاصة على بارزاني نفسه الذي أكد دائماً على موقفه في هذا السياق وللجميع في لقاءاته السياسية سواء داخل العراق أو خارجه.

ولكن التحدث عن حق تقرير المصير بهذا الوضوح وهذه المباشرة، أمر جديد وملفت.

بارزاني معروف بتوازنه ووضوحه، وبواقعيته وقراءته الدقيقة لموازين القوى.

وعلى ضوء ذلك يحدد أهدافه بواقعية وفق متطلبات المرحلة.

ولكنه إذا اتخذ موقفاً وحدد هدفاً فإنه لا يتراجع عنه بسهولة، وهذا ما يصعب مهمة المفاوضين المعارضين له.


وبارزاني الواقعي يبدو أنه قد حسم موضوع حق تقرير المصير مع قادة حزبه قبل بدء المؤتمر، وبالتالي فإن إقرار مندوبي المؤتمر لهذا المبدأ أمر محسوم، ليس لأن من يطرحه رئيس الحزب ورئيس اقليم كردستان، وإنما لأنه حلم كل كردي سواء في العراق أو خارجه (تركيا، سوريا، ايران) أن يأتي يوم ويقرر فيه مصيره بنفسه وتصبح له دولته كباقي شعوب العالم.
وطرح بازراني للموضوع يأتي في وقت تتخبط فيه الأطراف السياسية العراقية الأخرى في خلافاتها حول تقاسم السلطة وتوزيع المناصب، بل حتى أن بعض التحالفات السياسية يتهددها التفكك.

كما أنه يأتي في وقت يتمتع فيه إقليم كردستان وحكومة الاقليم وخاصة حزب بارزاني بأفضل العلاقات مع الجارة الشمالية تركيا، وتوسيع علاقات الاقليم الخارجية ولاسيما مع أوربا التي فتحت العديد من دولها قنصليات لها في مدينة اربيل عاصمة الاقليم.

لهذا فإن الطرح موفق وقد اختار بارزاني توقيته عن دراية وحنكة.

رسائل عديدة للداخل والخارج
وإذا كان موضوع حق تقرير المصير ليس جديداً على مؤتمرات الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما جاء في خطاب بارزاني، الذي لا شك أنه أراد بطرحه الآن وبهذا الوضوح التام الذي لا لبس فيه، أن يوجه رسائل لأكثر من جهة داخلية وخارجية.


فهو أراد أن يقول لمعارضيه في الاقليم بأنه القائد الذي يعرف كيف يخطب ود شعبه، خاصة وأن الجماهير الكردية كما باقي جماهير المنطقة تطرب وتفرح بسماع شعارات كبيرة تدغدغ مشاعرها وتعبر عن أحلامها، سواء أكانت هذه الشعارات واقعية أم لا.


والرسالة الثانية للأطراف العراقية، تلك التي تحاول الالتفاف على المطالب الكردية والتنصل من تعهداتها، ولهذا ذكّرها بارزاني بضرورة تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي أيضاً، وبأنه لا مساومة على هوية كركوك الكردية وأنها جزء من كردستان.

بذلك أراد بارزاني القول أن الطرف الكردي سيرفع سقف مطالبه وهو يهيء الشارع الكردي ليتحرك عند الضرورة، إذا حاول شركاؤه في بغداد التنصل من تعهداتهم.


ورسالة ثالثة أراد بارزاني توجيهها إلى دول الجوار التي تقتسم الأكراد وأرضهم، وليقول لهم بأنه لا يخضع للابتزاز والضغوط وأن الحلم الكردي لا يتوقف عند الفيدرالية.
ولكن يبقى الواقع شيئاً والحلم شيئاً آخر، والسياسة تبقى فن الممكن والواقع، وإن التعامل مع الحقائق على الآرض يختلف عن التعامل مع الشعارات الجميلة الجذابة.

وبارزاني يعرف ذلك جيداً وهو من الساسة الواقعيين، رغم أنه كان لسنوات طويلة مقاتلاً قائداً ميدانياً.

وبارتدائه البذلة الأنيقة وربطة العنق بدل اللباس التقليدي الذي عادة ما يرتديه في المناسبات الرسمية، أراد أن يشير إلى انتهاء عصر الجبل وأنه بات الآن قائداً سياسياً مدنياً، وأنه رجل سياسة ودولة.

حق تقرير المصير، شعار جميل ورفعه والتذكير به يبقي الحلم الكردي حياً، ويبدو أن بارزاني الواقعي يريد ذلك.

فهو يدرك أن الواقع والظروف الجيوبوليتيكية في المنطقة، بالإضافة إلى مصالح القوى الفاعلة على الساحة الدولية تقتضي الاستقرار وعدم المساس بخريطة المنطقة، ما يحول دون تحقيق الحلم الجميل.

والمصلحة الكردية بحد ذاتها تقتضي التأقلم مع الظروف المحيطة وعدم المغامرة والانجرار وراء الشعارات القومية الرنانة، التي لم تجلب لشعوب المنطقة غير الولايات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…