كردستان العراق: من الحرب الى الاستقرار

شيرزاد اليزيدي *

بعد مرور اكثر من عام على تشكيل حكومة اقليم كردستان العراق برئاسة الدكتور برهم صالح، بات في وسع المراقب القول انها ماضية في ترسيخ دعائم التجربة الديموقراطية في الاقليم وترشيدها عبر العمل على تطوير ايجابيات الحكومات السابقة، جنباً الى جنب مع معالجة الاخطاء والسلبيات المتراكمة، ولعل ابرزها التداخل بين الحزبي والحكومي.

فالحكومة وان كانت مؤلفة من احزاب فهي في النهاية لكل الناس باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية وغير السياسية.
ولا شك في ان الحكومة خطت خطوات جادة على هذا الصعيد كما تبدى في قرارها افساح مجال التعيينات والتوظيفات الحكومية وفق مبدأ تكافؤ الفرص، بعيداً من الاعتبارات الحزبية، الى جانب حزمة واسعة من الاجراءات والقرارات المشابهة كاقتطاع نسبة من مخصصات ورواتب كبار المسؤولين من وزراء واعضاء برلمانيين لمصلحة صناديق دعم ورعاية ذوي المؤنفلين (ضحايا الأنفال) وضحايا النظام البعثي وتفعيل دور الادعاء العام وديوان الرقابة المالية واستقلالية القضاء وانعاش المجتمع المدني، وغير ذلك من خطوات تصب كلها في صالح مأسسة التجربة الكردية في العراق ودمقرطتها اكثر فاكثر، ومن ثم الانتقال من مرحلة الثورة والنضال في الجبال الى مرحلة الحكم والادارة وبناء الانسان والمجتمع عامة وتطويرهما على اسس عصرية حضارية.


فإقليم كردستان يعيش هذه المرحلة الانتقالية التي هي مرحلة طبيعية قطعتها كافة الشعوب والمجتمعات التي تحررت من الظلم والاستبداد.


لكن هذا لا يصح تماماً في ديارنا العالمثالثية التي انتقل معظم بلدانها للأسف من استعمار كولونيالي الى تجارب فاشلة لاحقة في بناء الأوطان والأمم أثبتت مدى حضارية ذاك الاستعمار وتقدمه قياساً الى استبداد «وطني» متخلف ودموي حتى النخاع.

وها هنا تكمن اهمية الدور الذي تلعبه حكومة صالح التي يناط بها، والحال هذه، الوصول بالمجتمع الكردي الى حالة استقرار كياني سياسياً وأمنياً واقتصادياً بعد عقود وعقود من الحروب وحملات الابادة الجماعية والافقار والتجهيل، علّ ذلك يفرز مجتمعا دينامياً يتطلع بثقة نحو المستقبل.


والمفارقة هنا ان برهم صالح لا ينتمي الى جيل سياسيي الجبال الاكراد ان صح التعبير، حيث لم يلتحق بصفوف البيشمركة ابان الثورة الكردية بل سافر الى بريطانيا للدراسة.

فهو، بالتالي، من ابرز السياسيين التكنوقراط في كردستان الذين تكثر حاجة الاقليم الى كفاءاتهم في مرحلة الانتقال هذه من مجتمع الحرب والثورة الى مجتمع السلم والبناء.
على ان المهم ايضاً ان يترافق كل هذا التطور والجهد الاصلاحي الذي يشهده الاقليم مع تذليل كافة الملفات الخلافية العالقة مع بغداد ابتداء بالمادة 140 وليس انتهاء بعقود وحقول النفط والغاز وطبيعة الدور الكردي في حكم العراق.

ولعل ما يبعث على الامل في تحقيق ذلك التوافقات التي رافقت تذليل ازمة تشكيل الحكومة من اربيل، بعد شهور طويلة من المراوحة في المكان والانسداد السياسي الذي بات ينذر بانسدادات امنية خطيرة.
* كاتب كردي
جريدة الحياة

السبت, 04 ديسيمبر 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…