الوحدة العربية بين الحلم والواقع

خالص مسور

كثيراً ما تغنى القوميون العرب بالوحدة أي توحيد البلاد العربية في وحدة اندماجية وفي دولة واحدة مزدهرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لها وزنها وحساباتها في المحافل الدولية، وتستطيع إحقاق الحق العربي وردع المعتدين والمتطاولين على الأرض العربية وحقوق الشعب العربي، وتتمكن من استرداد فلسطين ودحر المعتدين والغاصبين.

ألا أنني أعتقد ان الوحدة العربية في هذه الظروف أضحت في حكم المستحيل وحلم عسير المنال قد لايمكن تحقيقه في المديين القريب والمتوسط، وبدلاً من الوحدة الإندماجية يمكن تحقيق وحدة فيدرالية أو وحدة شبيهة بالوحدة الأوربية قائمة على عدة ركائز أهمها المناداة بالتضامن العربي سياسيا، والتكامل الإقتصادي العربي، وتوحيد العملة العربية، وإنشاء السوق العربية المشتركة أو تفعيلها، وتأجيل أو إلغاء المناداة بالوحدة السياسية الاندماجية فهي عسيرة المنال في هذه الظروف الداخلية والخارجية للدول العربية، لأن المناداة بالوحدة الاندماجية في هذا العصر يعتبر ضرب من العبث وحالة من الطوباوية والحلم وذلك لعدة أسباب سأبينها كما يلي:
1- ترسيخ فكرة القطرية – شئنا أم أبينا- لدى أبناء الدولة العربية الواحدة، والتفاوت في المستوى الإيديولوجي – السياسي التي نتجت عن التاريخ السياسي لكل دولة عربية على حدة، ثم احتكاكها المبكر مع الغرب والتأثر بأساليب ونوعية المستعمر والثقافة الاستعمارية.

ويتجلى هذا الامر في حالات من الدول العربية المحافظة والتي تتوفر فيها العمل ويمكنها استيعاب الآلاف من العمالة العربية الوافدة مثل السعودية، والكويت، والإمارات، والبحرين…الخ.

ولكنها استعانت هذه الدول بالخبرات الآسيوية أكثر مما استعانت بالخبرة العربية وهذا نابع من الخوف من الافكار العلمانية التي يحملها ابناء البلدان الأخرى كسورية ولبنان وفلسطين مثلاً.

وهو ما يؤدي إلى تغيير في الطابع السياسي لتلك الدول الأوتوقراطية القائمة على تمجيد الدين والعقيدة وقد ينذر باضطرابات سياسية وعقائدية على المدى البعيد.

   

2- التفاوت الاقتصادي: فهناك دول عربية أكثر تقدماً اقتصادياً والبرجوازية فيها نشطة قادرة على استغلال موارد الدول الفقيرة من الثروات المعدنية وكذلك العمال بأجور زهيدة، مما يثير تفاوتاً اجتماعيا على قدر كبير من الأهمية، وحساسيات في النفوس ونعرات قطرية تبدأ بالظهور كما هو الحال بين شطري اليمن المتوحدتين، فحينما توحدت اليمن عام 1990م تدفقت الرساميل البرجوازية من اليمن الشمالي الأكثر تقدماً وثراء من الناحية الاقتصادية إلى كل مفاصل ما كان يعرف سابقاً باليمن الجنوبي، وجرى فتح المتاجر والمعامل وشراء العقارات بأجور بخسة مما شكل ذلك ردة فعل عنيفة من اليمنيين الجنوبيين الذين بدأوا يندمون على الوحدة الاندماجية التي انضموا إليها برغبتهم وبدأت ما يسمى بالحراك الجنوبي الإنفصالي الذي يدعو إلى فك الارتباط مع اليمن الشمالي باحتكاراته واستغلاليته.

كما أن حادثة الانفصال بين مصر وسورية الموحدتين غير بعيدة عنا، وذلك حينما تمردت البرجوازية السورية متمثلة بآل الكزبري والموالين لهم ضد البرجوازية المصرية الفاسدة آنذاك.

      
3- خطورة تدفق جيش من العمالة الوافدة من الدول المصدرة للعمال مثل الأردن، والصومال، والسودان، ومصر، وفلسطين، واليمن، وهو مايشكل خطراً على العاطلين أصلاً عن العمل في الدول المستقبلة للعمال مما يؤدي إلى اضطرابات عمالية، وردة فعل عنيفة من قبل العاطلين عن العمل في الدولة المستضيفة للعمالة الوافدة.

فمثلاً لو تدفق الصوماليون مع دولة الوحدة إلى سورية للعمل، فسيعملون بأجور زهيدة في المؤسسات الاقتصادية وعندها سيستغني أرباب العمل عن اليد العاملة السورية وتزيد البطالة ويحدث اضطرابات ومشاكل عصية على الحل وسنشاهد سورية وقد أصبحت سودانية أو صومالية، وبالمقابل سيهاجر السوريون من أوطانهم إلى أقطار تتوفر فيها العمل كأوربا والغرب مثلاً، وهكذا سيتغير التركيب السكاني بين الدول العربية وستخلق حساسيات جديدة بين المهاجرين وسكان الدولة المعنية رغم أن الجميع عرب وليسوا من شعوب أخرى.


4- المصالح الفئوية الضيقة للطبقة الحاكمة في بعض الدول والأقطار العربية وعدم تنازلهم عن مكاسبهم في الحكم وتفضيلها على دولة الوحدة برئيس واحد وثلة من المسؤولين.

  

ولهذه الأسباب مجتمعة تطرح الوحدة الفيدرالية نفسها بقوة على الأجندة العربية السياسية، حتى لا يتم التفريط بالخصوصيات القطرية التي تأصلت منذ عشرات السنين وهذه حقيقة موضوعية ثابتة على أرض الواقع لا يمكن غض النظر عنها بسهولة، فحتى إن توحدت الدول العربية فحتماً سيتم تقسيم دولة الوحدة إلى ولايات حسب الاعتبارات التاريخية، والقطرية، والبيئية، والسكانية، والسيكولوجية المكتسبة، وستكون الولاية هي الدولة الحالية ذاتها تقريباً، على ألا يتم إغفال الحقوق السياسية للشعوب والأقليات المتآخية مع العرب في المنطقة عموماً، ولذا نرى أن المناداة بالوحدة الفيدرالية أو التضامن العربي أمر له الأولوية في هذه المرحلة من التاريخ العربي الصعب ولكن….متى؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب…

تزامناً مع حلول الذكرى الـ(٣٤)، للانتفاضة في كردستان العراق، صدر اليوم المصادف (٨/٣/٢٠٢٥)، كراس (في أدبيات حركة الكردايتي: مظلة الحركة التحررية لشعب كردستان)، وهو من تأليف الكاتب القدير الإعلامي البارز الأستاذ (ستران عبدالله)، الذي سعدت بترجمته من الكردية (السورانية)، ويتناول الكراس موضوع التشتت والشقاق بين صفوف الحركة الكردية، وضرورة وجود مظلة كردستانية تضم أطرافها تحت ظلها، أنه بالفعل (كراس صغير…

علي شمدين في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية،…

درويش محما جنكيز تشاندار، المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأسبق توركوت أوزال، تطرق في كتابه “قطار الرافدين السريع” إلى ضعف عبد الله أوجلان وإطلالته المخزية وهو يعرض خدماته لخاطفيه على متن الطائرة التركية التي أقلته من كينيا إلى السجون التركية، كما كتب عن الحالة اليائسة لأوجلان وخنوعه بعد اعتقاله وسجنه، وتأثير ذلك على مصداقية الرجل ومكانته، الأمر الذي…