ألا أنني أعتقد ان الوحدة العربية في هذه الظروف أضحت في حكم المستحيل وحلم عسير المنال قد لايمكن تحقيقه في المديين القريب والمتوسط، وبدلاً من الوحدة الإندماجية يمكن تحقيق وحدة فيدرالية أو وحدة شبيهة بالوحدة الأوربية قائمة على عدة ركائز أهمها المناداة بالتضامن العربي سياسيا، والتكامل الإقتصادي العربي، وتوحيد العملة العربية، وإنشاء السوق العربية المشتركة أو تفعيلها، وتأجيل أو إلغاء المناداة بالوحدة السياسية الاندماجية فهي عسيرة المنال في هذه الظروف الداخلية والخارجية للدول العربية، لأن المناداة بالوحدة الاندماجية في هذا العصر يعتبر ضرب من العبث وحالة من الطوباوية والحلم وذلك لعدة أسباب سأبينها كما يلي:
ويتجلى هذا الامر في حالات من الدول العربية المحافظة والتي تتوفر فيها العمل ويمكنها استيعاب الآلاف من العمالة العربية الوافدة مثل السعودية، والكويت، والإمارات، والبحرين…الخ.
ولكنها استعانت هذه الدول بالخبرات الآسيوية أكثر مما استعانت بالخبرة العربية وهذا نابع من الخوف من الافكار العلمانية التي يحملها ابناء البلدان الأخرى كسورية ولبنان وفلسطين مثلاً.
وهو ما يؤدي إلى تغيير في الطابع السياسي لتلك الدول الأوتوقراطية القائمة على تمجيد الدين والعقيدة وقد ينذر باضطرابات سياسية وعقائدية على المدى البعيد.
2- التفاوت الاقتصادي: فهناك دول عربية أكثر تقدماً اقتصادياً والبرجوازية فيها نشطة قادرة على استغلال موارد الدول الفقيرة من الثروات المعدنية وكذلك العمال بأجور زهيدة، مما يثير تفاوتاً اجتماعيا على قدر كبير من الأهمية، وحساسيات في النفوس ونعرات قطرية تبدأ بالظهور كما هو الحال بين شطري اليمن المتوحدتين، فحينما توحدت اليمن عام 1990م تدفقت الرساميل البرجوازية من اليمن الشمالي الأكثر تقدماً وثراء من الناحية الاقتصادية إلى كل مفاصل ما كان يعرف سابقاً باليمن الجنوبي، وجرى فتح المتاجر والمعامل وشراء العقارات بأجور بخسة مما شكل ذلك ردة فعل عنيفة من اليمنيين الجنوبيين الذين بدأوا يندمون على الوحدة الاندماجية التي انضموا إليها برغبتهم وبدأت ما يسمى بالحراك الجنوبي الإنفصالي الذي يدعو إلى فك الارتباط مع اليمن الشمالي باحتكاراته واستغلاليته.
كما أن حادثة الانفصال بين مصر وسورية الموحدتين غير بعيدة عنا، وذلك حينما تمردت البرجوازية السورية متمثلة بآل الكزبري والموالين لهم ضد البرجوازية المصرية الفاسدة آنذاك.
3- خطورة تدفق جيش من العمالة الوافدة من الدول المصدرة للعمال مثل الأردن، والصومال، والسودان، ومصر، وفلسطين، واليمن، وهو مايشكل خطراً على العاطلين أصلاً عن العمل في الدول المستقبلة للعمال مما يؤدي إلى اضطرابات عمالية، وردة فعل عنيفة من قبل العاطلين عن العمل في الدولة المستضيفة للعمالة الوافدة.
فمثلاً لو تدفق الصوماليون مع دولة الوحدة إلى سورية للعمل، فسيعملون بأجور زهيدة في المؤسسات الاقتصادية وعندها سيستغني أرباب العمل عن اليد العاملة السورية وتزيد البطالة ويحدث اضطرابات ومشاكل عصية على الحل وسنشاهد سورية وقد أصبحت سودانية أو صومالية، وبالمقابل سيهاجر السوريون من أوطانهم إلى أقطار تتوفر فيها العمل كأوربا والغرب مثلاً، وهكذا سيتغير التركيب السكاني بين الدول العربية وستخلق حساسيات جديدة بين المهاجرين وسكان الدولة المعنية رغم أن الجميع عرب وليسوا من شعوب أخرى.
4- المصالح الفئوية الضيقة للطبقة الحاكمة في بعض الدول والأقطار العربية وعدم تنازلهم عن مكاسبهم في الحكم وتفضيلها على دولة الوحدة برئيس واحد وثلة من المسؤولين.