كل عام ونحن على دربك ماضون (إلى روح الأستاذ القدير إسماعيل عمر)

دلژار بيكه س
 
كم هي صعبة وحزينة , كم هي مؤلمة , تلك اللحظات التي يحاول فيها المرء رثاء حبيب أو أخ أو صديق كبير بقامة الأستاذ إسماعيل عمر , هي صعبة ومؤلمة خشية أن لا يستطيع المرء إعطاء هذا الكبير حقه من الوفاء , من الحب والتقدير لما عاناه وتكبده في سنواته التي قاربت الخمسين , دفاعاً عن الوجود الكردي في سوريا , دفاعاً عن حقوق وأهداف وآمال وأماني شعبه المفجوع برحيله الباكر .

لم نكن نتوقع ولم يخطر في بالنا يوماً , أن نوضع في مثل هذا الامتحان الصعب , كيف سنستطيع إيفاء هذا الكبير حقه , كيف سنستطيع ورفاقه ملء ولو جزء صغير من هذا الفراغ الكبير الذي خلفه رحيله المفاجئ , وضعنا في هذا الامتحان الصعب كي يرى هل سنكون أوفياء له , لمبادئه , لقناعاته , لمواقفه , لسياساته , لحزبه الجريح .
كتبوا على صورتك وأنت تودعنا وداعك الأخير في ذلك اليوم الأسود (لن ننساك), كيف ننساك وأنت من كنت لنا مرجعاً في خلافاتنا واختلافنا , كيف ننساك وأنت من كنت تواسينا في مصائبنا ومحننا , كيف ننساك وكل منا لا يزال يحتفظ بتهانيك لنا في أفراحنا , في أعيادنا , كيف ننساك ومازال رنين صوتك في آذاننا يحذرنا من الاستعجال والتهور, من المغامرة في اتخاذ القرارات, من ضرورة العمل بقلب حار دافئ وبعقل بارد هادئ , من ضرورة التوفيق بين ما هو عام وما هو خاص, ما لنا وما علينا من حقوق وواجبات , ما يجمعنا ويوحدنا نحن الأكراد والعرب والآشوريين السريان وغيرهم من أخوتنا, شركاؤنا في هذا الوطن, كيف ننساك وأنت من كنت تحسب لنا بدقة متناهية موازين الربح والخسارة قبل اعتماد أي موقف أو اتخاذ أي قرار وخاصة إذا تعلق بمصير ومستقل شعبنا المغبون , كنت تدفعنا دوماً للابتعاد واجتناب الحروب والمعارك الجانبية العبثية , التي لا تخدم سوى أعدائنا , سوى خصوم قضيتنا وشعبنا وأهدافه وأمله في غد حر مشرق , كنت تدفعنا دوماً للعمل والنضال صوب تناقضنا الأساسي, صوب الشوفينية , التي أحست بخطر اعتدالك , واقعيتك , بخطر ما يشكله أفكارك وأهدافك على كيان إمبراطوريتها, فكنت من أشد وألد أعدائها , وكانت تتربص للانقضاض عليك في أي لحظة أو فرصة سانحة , والتي ربما والله أعلم ظفروا بها وبك وبنا .
كنت أتسال دوماً عن سبب تسمية قريتك بهذا الاسم , لماذا هي القرية السوداء ( قره قوي ), الآن فقط عرفت سبب كونها سوداء , بل كانت شديدة السواد في ذلك اليوم , ذلك اليوم الذي فقدتك فيها وفقدناك , أحقاً إلى الأبد , أحقاً لن نراك بعد اليوم , أحقاً لن تحضر الاجتماع السنوي لمؤسسة حماية وتعليم اللغة الكردية , أحقاً لن تكرم كتابنا وصحفيينا هذه السنة , ثم من سيدعم الشباب في تجمعهم ومن سيطلق لهم ( پروانتهم ) الصغيرة , ومن سيحضر الكونفرانسات ومن سيزين المؤتمرات من بعدك, ومن ومن ….., ثم يا معلمي ألم تكن بانتظار الربيع , ربيع السنة القادمة , هذا الربيع الذي كان سيأتي ومعه شيار , كنت فرحاً للقائه بعد كل تلك السنوات , ولكن ماذا حصل وكيف لن تكون مع بنكين وسيبان وروژين والمفجوعة, رفيقة دربك, ألمك, تعبك, حزنك, وجعك, الصابرة أم شيار, لقد طال الربيع وطال, وكيف له أن يأتي وبأي لون سيكون وقد رحلت .

أنعزيك يا معلمي , أنبكيك يا قائدي , لا , لا أعتقد أن عزاء الكبار من أمثالك هو البكاء عليه أو حمل أكاليل الورود إلى مرقده الأبدي , لا , لا أظنه سيكون سعيداً عندما يرانا ونحن نبكيه , بل كان ينتظرنا بفارغ الصبر لكي يسمع منا كم من الأصدقاء والمؤيدين كسبناهم إلى جانب قضيتنا العادلة , وكم من الوقت والجهد صرفناه في سبيل تحقيق مرجعية شعبنا الكردي , كيف له أن يرتاح ونحن نحمل له الورود في أيدينا , بدل الأقلام والأوراق التي كان ينتظرها منا , لكي يحرر بها جريدته الجريحة , لكي يصوغ ويكتب بحنكته المعهودة فقرات تقريره السياسي , لا لم يكن يتوقع أن نأتيه ونحن لا نحمل له العدد الجديد من وروده التي أحبها دائماً ( نوروز وبرس وحوار ) .

 تلميذك في الكردايتي

دلژار ……

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…