مآسي سياسة التفرقة.. والحل الوطني

  جريدة الديمقراطي *

وصلت الأحوال في المناطق الكردية في سوريا الى درجة كبيرة من التدهور في جميع مجالات الحياة وخاصة الاقتصادية منها وتظهر يوما بعد يوم النتائج السلبية والمأساوية التي تحيط بحياة المواطنين في هذه المناطق، وطبيعي أن هذا التفاقم وسوء الأوضاع لم يتشكل بين ليلة وضحاها، فهي جاءت بسبب تراكم وتزايد التوجهات والاجراءات والمشاريع والمراسيم التي طبقت تباعا في اطار سياسة الاضطهاد والتفرقة القومية ،والتي يمكن قراءة مبادئها السوداء في ما طرحه (محمد طلب هلال) منذعام 1962والتي بدأت بتطبيق توصيته بتجريد الأكراد من الجنسية السورية بإجراء (الاحصاء الاستثنائي 1962) ثم مشروع الحزام العربي الذي صادر أراضي المواطنين الأكراد، وتتالت اجراءات لتطبيق توصيات (هلال): التجهيل والافقار وسد ابواب العمل والاجبار على الهجرة وجعلهم جاهزين للرحيل..الخ حسبما ورد حرفيا في كراسه المشؤوم.
طبعا يضاف الى ذلك حرمانهم من جميع الحقوق القومية والانسانية ومن العمل والتوظيف والسفر والمعالجة ..

عدا عن حملات القمع والاعتقال ولصق التهم الظالمة بهم من نوع (الانفصال واقتطاع اراضي سورية والحاقها بدول أخرى..الخ)، وترافق ذلك أيضا بحملات تضليل لم تتوقف لتسويد صورة الأكراد وتصويرهم على أنهم (يشكلون خطرا) وخلق شرخ بينهم وبين بقية مكونات المجتمع السوري بهدف عزلهم وتسهيل الحاق الأذى بهم ، وأوضح مثال على ذلك الفتنة التي أُشْعِلَتْ في 12 آذار 2004…
هذه الاجراءات وغيرها الكثير، هي التي خلقت الأوضاع المأساوية الحالية التي ظهرت تأثيراتها الكارثية على الأكراد، وفي نفس الوقت بدأت تأثيراتها السلبية على الوضع الوطني بشكل عام،فظاهرة الهجرة تؤثرعلى الاقتصاد الوطني فكل المهاجرين اليوم كانوا منتجين أمس وهذا يعني خسائر كبيرة في الانتاج الزراعي وغيره من أوجه النشاط الاقتصادي واهدارا لخبرات تشكلت عبر مئات السنين في مجتمع لو بقي مستقرا لكان استمر في العطاء في هذه الأرض الخيرة بدلا من التشرد في أحزمة الفقر في المدن السورية الكبيرة وما ينتج عنه من أزمات واختناقات تثقل كاهل الجميع .
لقد بات واضحا امام أعين جميع الوطنيين والمخلصين في بلادنا ان هذه الحالة لايمكن لها الاستمرار، وان بلادنا تتأذى من سياسة التفرقة بين أبنائها ، وانه لا بد من البحث عن حل وطني لهذه القضية،وأن أفضل طريق للحل هو العمل على الغاء سياسة التفرقة والتمييز، وهذا أمر ممكن وميسور وخاصة بعد تصريحات السيد الرئيس حول ضرورة ايجاد مبادرات انفتاحية على الكرد ضمن الاطر الوطنية .

* جريدة نصف شهرية يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا – العدد (544) أوائل تشرين الثاني 2010 

لقراءة مواد العدد انقر هنا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…