أشياء صغيرة..
ماذا تعني؟
بحسب ما قصدته على الأقل، فإن عنوان أشياء صغيرة، هو مؤشر للوقوف على جزئيات في حياة المرء تشكل ملجأه الذي يأوي إليه في لحظات الراحة والتأمل والاستمتاع…أو تشكل منعطفا في حياته قد يكون خطيرا على المدى البعيد خاصة، وعلى الحياة الاجتماعية، بل والحياة السياسية أيضا..
المرء يعيش – في الغالب- تحت تأثير الأحداث الكبيرة في حياته الفردية (والاجتماعية وما يتفرع عنها)
مما يضيع عليه فرص العودة إلى ذاته،وتأمل سلوكياته ونتائجها، وربما يضيع عليه فرصة تصحيح مسار حياته وما فيه من أخطاء ،قد لا ينتبه إليها أثناء تأديته لأعماله.
وممارسته لحياته عموما..!
من هنا قصدت لفت الانتباه إلى هذه الحالة التي قد تبدو – في نظر البعض – صغيرة، ولكنها في واقعها وتأثيراتها كبيرة..فخطأ صغير أحيانا قد ينجم عنه حدث كبير..ألم تكن حرب البسوس من أجل ناقة- أو بسبب ناقة؟- لا نريد هنا أن نتذاكى فنقول الحق على فلان أو فلان..(قد يكون ذلك ممكنا كحكم أخلاقي نظري) أما على المستوى الواقعي فتلك هي الخطورة إذا لم نقدرها..
وألم يكن ما حدث في قرية (خشينية)1 في الجزيرة السورية والذي أدى إلى مقتل (13) شخصا عبر ثارات مؤلمة ومتخلفة الفعل والتأثير…ألم يكن نتيجة حدث صغير كان من الممكن تفاديه بشكل ما؟!
بل ألم يكن الحدث الشعبي المشهور-وهو 12 آذار2004- في سوريا ، نتيجة تصرف أرعن كان يمكن تفاديه، لو أحسنت السلطات التصرف كسلطة وطنية تتعامل مع أبناء شعبها؟!
وهكذا فـ (كل نار عظيمة من مستصغر الشرر) وفق المثل العربي المشهور..! المهم أن نتيجة فادحة لخطأ ما، كان يمكن تفاديه لو أننا تجاوزنا بعض الدوافع النفسية لدينا..!
وفي لحظة انفعال قد نتخذ قرارا-ربما ينتظره البعض- ينتج عنه ما لم يكن في الحسبان، سواء في مستوى الحياة اليومية البسيطة، أو في أداء مهمات صعبة وطنية أو اجتماعية أو دينية أو اقتصادية..الخ.
ألم تتخذ فرنسا من مذبة (الداي حسين)2 على وجه سفيرها( والذي قصد استفزازه ليرتكب عملا يمكن أن تتخذه حجة عليه) وبغض النظر – هنا – عن مدى أخلاقية وشرعية الإجراء..؟!
دوما هناك حالة شرعية آو أخلاقية، ولكن دوما أيضا هناك حالة واقعية قد لا تراعي شيئا من الشرعية والأخلاقية، وهذا ما هو حاصل بشكل خاص في ميدان السياسة، وفي الحياة الاقتصادية، بشكل خاص، وإن كان يجري في جميع الأحوال كـ(إمكانية).
وربما يمكن اعتبار ممارسة حزب الله في لبنان شيئا من هذا القبيل، فلا يناقش أحد حق حزب الله في استرداد أرضه، وتحرير أسراه كقضية أخلاقية وحقوقية…ولكن ماذا عن الواقع؟
ألم تتخذ إسرائيل من ذلك حجة لتدمر لبنان؟ ألم تستغل القصة عدد من الدول لتبرير تعاطفها مع إسرائيل؟
بالأمس كنت أتابع الحلقة الثالثة من ندوة الإعلام العربي، وكنت أهز رأسي حزنا –وأنا أتابع مجريات النقاش- فالعاطفة الجياشة كانت تحرك ألسنة كسبت من الحذاقة في التعبير ما يجعلها أكثر انزلاقا نحو الخطأ..ولئن كانت تسمع أصواتٌ تنحو نحو الواقعية بدرجة ما -كبرت أو صغرت- فإن أصحاب العاطفة كانوا يتحرقون لهفة للرد عليهم بخطابات عصماء، أو كانوا يفركون أيديهم وهم يسمعون، وربما مالوا إلى بعض جيرانهم ليبثوهم بعض ما يعتلج في دواخلهم، ولا يستطيعون تأجيل التنفيس عنها، ولو للحظات قصيرة..!
هذا وحده دليل على العمق العاطفي الذي يتمتعون به.
ولو أنهم كانوا في ميدان قول شعر أو مقال أدبي لعذرناهم، أما أنهم يتناولون قضايا خطيرة ذات أثر مهم في تحديد مستقبل شعوبهم،فإن مثل هذا السلوك هو مصدر الكثير من الأزمات، لا سيما وأن ظاهرة (العاطفية) حالة يتمتع بها الكثير من الساسة أيضا..!
ولا أرمي من هذا أن أشخص الحالة العربية فقط، فإن هذه الحالة مطبوعة في نفوس مختلف أبناء مجتمعاتنا- بما فيهم كاتب هذه الأفكار- فهي ليست حالة بقدر ما هي سمة في الشخصية، وذات عمر طويل ومؤثر فيها.
فلو عدنا إلى الحياة الاجتماعية مثلا – وهنا لدى الكرد خاصة- نرى عددا من العادات والتقاليد التي تجاوزها الزمان ،سواء في أسلوب أدائها، أو حتى في مضمونها،وفي حالات عدة،يلعب الإيحاء الدور الأعظم فيها، أو إن التقليد هو الركن الأساس فيها..ومن المعروف بأن العقل يغيب أو يقل عند الإيحاء أو التقليد(تثاءب عمر إذ تثاءب خالد فأعدتني-من العدوى- الثؤباء) كما يقول شاعر.
انظر حفلات الأعراس ومظاهر الخطوبة والمهور، ولعل الأسوأ فيها مثلا ما ابتكره عقل البعض- ممن لا يملكون تفكيرا مستقبليا،ولا تقديرا لنتائج أفعالهم على هذا المستقبل، فضلا على الحاضر..! وهو ظاهرة تعليق الهدايا من الذهب والنقود على أنحاء من جسم العروس..! هل هو أسلوب ابتزاز للمدعوين لدفع الأكثر من هذه الهدايا؟! هل هو أسلوب التمظهر الذي يعشقه بعض الفاقدين لمقومات الشخصية ويملكون مالاً يحاولون أن يعوضوا -باستخدام بهلواني له- عن شعورهم بنقصهم، وهو الأرجح..! ولا ننسى ما في ذلك من إحراج لذوي الإمكانيات المحدودة، فيلجؤون إلى الاستدانة وربما بأسلوب غير مقبول-حتى- ليتوازوا مع هذه الحالة التي رسمها معتوه يقلد مناظر من بعض المسلسلات- ربما- ويتباهى بما لا يصلح للتباهي في نظر العاقل..! وانظر مراسيم العزاء (عدد الخيم، مظاهر الفرش فيها، دوافع العزاء(السياسية، العشائرية،المصلحية..الخ) تكاليف العزاء والتي لو صرفت على المعزّى به ربما أنقذت حياته..! أو لو أنها صرفت على طالب فقير ربما كان منه نابغة في عمل ما يفيد به مجتمعه، أو لو أنها صرفت في توفير حاجة فقير أو مسكين أو عاطل عن العمل، أو ..أو..!
بل انظر على أسلوب الأداء الحزبي ، والذي يكاد يصبح روتينا لا هم له سوى زيف يطبع العمل والسلوك.
وينعكس انحرافا على الحياة الاجتماعية للتداخل الذي يحصل لصالح مديري السياسة(مديري الأحزاب).
بمعنى: يغيب الشعور بالمسؤولية النضالية لدى معظم هؤلاء، ويضيع النضال كقيمة سياسية أساسية في مختلف جوانب السلوك لدى قادة السياسة وربما الكثير من قواعدها أيضا عندما يتحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية يومية، لا روح فيها، ولا حرارة الإيمان بالقضية..!
أشياء تبدو صغيرة للوهلة الأولى،ولكنها تحدد مسار الكثير من شؤون الحياة اليومية ومستوياتها،وبالتالي عيشها الآمن والمأمول والمشتهى…!