المثقفون الأكراد لم يجدوا سوى زملاء عرب قليلين يعترضون على إبادة شعبهم

هوشنك الوزيري

بعد وصولي بأيام الى كردستان العراق شرعت في إعداد استفتاء حول رؤية المثقف الكردي الى الثقافة العربية وماهية علاقته الراهنة معها، خصوصا ان الكردي عاش شبه مستقل عن الحكومة المركزية العربية منذ 1991 وحتى أواسط .2003 لكنني كنت أتخوف من ان الاجوبة ستزيد من الجفاء الحاصل اصلا بين الثقافتين بدلا من ان تسهم في توطيد العلاقات بينها، فلا يزال الكردي يعيش على مبعدة سنوات فقط من المجازر والفظائع التي ارتكبته حكومة قومية عربية.

ومن جهة اخرى كنت أتخوف رؤية المثقف الكردي للايديولوجي العربي فقط ومحاكمته للثقافة العربية انطلاقا من هذا الايديولوجي السياسي وإهماله للمعرفي..

لكنني وضعت هذا الخوف جانبا وطرحت التساؤلات: كيف تنظرون الى الثقافة العربية الآن وكيف تصفون كمثقفين أكراد علاقاتكم الراهنة معها؟ ترى ما الذي تمثله الثقافة العربية بالنسبة اليك خصوصا اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار العيش في اقليم كردستان شبه مستقل عن الجار العربي لمدة أكثر من 13 سنة؟ تساؤلات وجهناها الى عدد من مثقفين اكراد (شعراء، كُتاب ومترجمين وصحافيين وأساتذة الجامعات) يختلفون في توجهاتهم واشتغالاتهم الفكرية والادبية لكنهم، عاتبين، يتفقون على محور واحد وهو عدم سعي المثقف العربي إلا في حالات استثنائية جدا الى التعرف على المثقف الكردي الساكن الى جواره، بل وسعي بعضهم الى قمع الثقافة الكردية عبر تماهييه مع الثقافة السلطوية المبنية على الغاء الآخر…
اختلاف الأجيال
يقول الشاعر شيركو بيكه س والذي ترجمت له عدة دواوين شعرية الى اللغة العربية منها <مرايا صغيرة> و<مضيق الفراشات>: الرؤية الى هذا الموضوع تختلف من جيل الى آخر.

وبالنسبة لي تعتبر الثقافة العربية احدى المكونات الاساسية لتجربتي الادبية.

فاللغة العربية هي لغتي الثانية اقرأ بها وأكتب بها احيانا ومن خلالها اطلعت على مسار الادب العربي والعالمي، وهي تمثل جسرا للتواصل مع الآخرين.

كما ان الثقافة العربية عَبّدت لي طريق التعارف على نخبة من الشعراء والادباء العرب فأصبحوا أصدقائي ويدافع البعض عن القضية الكردية.

انقطعنا في كردستان العراق عن الثقافة العربية والمركزية العراقية لمدة 14 سنة وهكذا نشأ جيل تترواح اعمارهم بين 15 الى 25 لا يجيدون سوى كلمات قليلة من اللغة العربية أو لا يجيدونها مطلقاً.

ولكي نفهم بنية تلك العلاقة التي تتحدثون عنها يجب ان نعود الى الوراء قليلا، فمنذ تَشَكُل الدولة العراقية وإلحاق هذا الجزء من كردستان بالدولة العراقية في بداية العشرينيات من القرن الماضي دون العودة الى ارادة الشعب الكردي، نظرت الحكومات العراقية المتعاقبة الى المواطن والمثقف الكردي كأنه صنف من الدرجة الثانية والثالثة، الى ان وصل الامر في عهد الدكتاتور صدام حسين الى عمليات الابادة الجماعية.

وقد اتخذ المثقفون العرب، باستثناء قلة من الاصوات الحرة والشريفة، موقفا شوفينيا عدوانيا ولم ينبسوا ببنت شفة ازاء المذابح التي ارتكبت بحق شعبنا، ان الكثير من هؤلاء هم ضحايا أنظمتهم التوتاليتارية ولكن المثير للغرابة هو ان تلك الضحايا المثقفة يتحولون الى نوع من <السيافين الثقافيين> في رؤيتهم الى الضحايا الاخرى مثلا الى الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره بنفسه.

هذه المواقف اللاانسانية أحدثت شرخا كبيرا في بنية هذه العلاقة.

ومن جهة اخرى كانت الثقافة الكردية مظلومة ومهمشة وخاصة المكتوب منها بالعربية أو المترجم الى اللغة العربية، فمثلا حين يكتب احدهم حول الادب العراقي لا يكتب الا عن الادب العربي فشاعر مغمور من قرية نائية في اسبانيا أو من أميركا اللاتينية مثلا معروف أكثر من شاعر كردي عراقي لدى القراء العرب في العراق.

هناك نوع من عدم الثقة وخيبة أمل لدى مثقفي كردستان ازاء المثقفين العرب لذلك اهتزت العلاقات في الوقت الحاضر.

ان إنسانية اية ثقافة في العالم هي التي تشير الى ديمومتها وتواصلها مع الآخرين والثقافة العربية اليوم وخاصة في جزئها الاعلامي المسموع والمقروء بحاجة الى انفتاح عقلي أكثر على الآخرين.

إنني متواصل في قراءاتي العربية وآخر كتاب قرأته هو <طاوس الملك كبير الملائكة لدى الايزيدية> للكاتب العربي زهير كاضم عبود.


نافذة الثقافة الفارسية
ويركز الكاتب والناقد ريبين هردي على ضعف هذه العلاقة مقابل قوة العلاقة مع الثقافة الفارسية في المرحلة الراهنة: تشكلت معرفتنا بالثقافة العربية من خلال المكتبة العربية في عهد النظام السابق، ومن البداهة القول ان تلك المكتبة كانت خاضعة لرقابة صارمة، لكن الرقابة تلك عادت بالفائدة على صورة الثقافة العربية في مخيلة الكردي، لان الكرد كانوا يقولون بأن هناك اصواتا حرة ونزيهة كثيرة في داخل الثقافة العربية لكن رقابة النظام تمنعها من الوصول الينا والنظام لا يختار إلا الاصوات التي تتفق مع الفكر الشوفيني البعثي، لهذا توجهنا الى قراءة الكتب الاجنبية المترجمة الى اللغة العربية.

والمثقفون العرب الذين كانت تصلنا اصواتهم آنذاك كانوا منشغلين بطرح تساؤلات اخرى بعيدة عن همومنا وتساؤلاتنا التي كانت تصدمنا يوميا.

وهكذا حدثت هوة، وهي في توسع دائم الى يومنا الراهن، بين القارئ الكردي والثقافة العربية.

لكننا أصبنا بصدمة بعد 1991 وانفتاح الابواب الثقافية حين اكتشفنا ان الاصوات التي كنا نظنها أيام النظام القمعي أصوات حرة وأنسانية، ولم تصلنا بسبب الرقابة القمعية، كانت منشغلة هي الاخرى بطرح تساؤلات وقضايا لم تكن تمسنا.

كانت هذه الاصوات تتساءل كم من الفلسطينين قتلوا على يد الجنود الاسرائيليين وكنا نتساءل كم من القرى الكردية قام جيش البعث بإحراقها وكم الفاً من الاكراد قام البعثيون بإبادتهم.

وتضخم الشعور بالصدمة حين رأينا ان الكثير من المثقفين العرب يغازلون جيش البعث هذا الذي استخدم الغازات الكيمياوية المحظورة وينظرون اليه على انه الذخيرة الاستراتيجية في الصراع العربي الاسرائيلي، كل هذا أدى الى مقاطعة الاكراد لنتاجات هؤلاء المثقفين.

وفي تلك الاثناء تعرف الاكراد على المكتبة الفارسية ووجدوا فيها ما لم يستطيعوا ايجاده في المكتبة العربية: حركة ترجمة نشيطة استطاعت ان تعرّفهم باتجاهات وحركات فكرية كانت ضرورية لفهم واقعهم وتساؤلاتهم.

تختلف المكتبة الفارسية عن المكتبة العربية كثيرا، فالمثقفون العرب يتكلمون كثيرا ويترجمون قليلا بينما يتكلم الايرانيون قليلا ويدعون الآخرين يتكلمون عبر ترجمتهم الى الفارسية.

فعدد المترجمين الايرانيين أضعاف عدد الذين يكتبون بينما يفوق عدد الكُتاب العرب عشرات المرات المترجمين العرب.

هكذا انفتحت نافذة الثقافة الفارسية على الاكراد وبدأت حركة ترجمة فعالة من الفارسية الى الكردية وعدد القراء الاكراد الذين يقرأون بالفارسية في تزايد مستمر بينما يقل يوما بعد يوم عدد الذين يقرأون بالعربية وخصوصا عند الاجيال الجديدة.

لكن ومع كل ذلك هناك بين الاكراد من يبحث باستمرار عن الاصوات العربية الحرة والنزيهة ليترجمها الى اللغة الكردية، فعلى سبيل المثال يُترجم كل ما يكتبه هاشم صالح الى اللغة الكردية، كما ان كنعان مكية، المثقف الذي يتهمه الكثير من مثقفين عرب بالخيانة والعمالة لأميركا معروف لدى الاكراد وهناك محاولات جادة لترجمة كتبه الى الكردية.

بالاضافة الى اننا نلاحظ، بعد سقوط صدام حسين، تزايدا مستمرا في عدد المثقفين العراقيين الذين بات الكردي يشعر بالقرب منهم وهذا مدعاة للسرور والامل في نفق طويل من علاقات مظلمة.


صورة المثقف الكردي في الثقافة العربية
ويتخذ الشاعر والصحافي كريم دشتي من صورة المثقف الكردي عند الثقافة العربية محورا أساسيا لحديثه: تظل صورة المثقف الكردي، في نظر الثقافة العربية التابعة للانظمة الحاكمة، هشة غير قادرة على الابداع.

فالمثقف العربي الذي يدعم المواقف المستبدة لسلطته السياسية يظل عبدا لتحليلات وتعاليم السلطة، لذلك فهو يعتبر الاكراد وثقافتهم ورماً مشوهاً لا بد من استئصاله.

ان هذا النوع من المثقف العربي التابع للرؤية السياسية والايديولوجية الحاكمة يعمل دائماً على الضد من طموح وآمال المثقف الكردي ولا يستطيع الاعتراف بحقوقه وإبداعاته.

لكن لا يمكننا إهمال نوع آخر من المثقف العربي، وان كان نادرا، الذي يؤمن بالآخر ويحاول التحاور معه ولا يتبع خطى السلطة الحاكمة بالرغم من انتمائه القومي اليها.

انه المثقف الذي استطاع التحرر من شوفينية الفكر القومي التي تلغي حريات الشعوب الاخرى، ولهذا فهو يتعامل من المثقف الكردي ثقافيا ويتفاعل معه اجتماعيا وينسجم معه سياسيا، انه المثقف الذي ينفتح على العالم وهذه قضية تدخل ضمن رؤية المثقف بشكل عام في هل انه يؤمن بالاختلاف ام لا؟ ظل الكثير من المثقفين العرب يعتبرون الآخر عدواً لهم، وهذا يعود في اعتقادي الى التراث الذي تربوا في كنفه، وهو التراث الذي يحمل في طياته الشعور بخطورة الآخر ويخلق مبررات عديدة من أجل تعبئة العقليات بهذا الاتجاه.

ان الغالبية العظمى من المثقفين العراقيين تحولوا الى أبواق فجة لسلطة البعث ولزموا الصمت الرهيب تجاه كل المذابح والمجازر بل دافعوا عنها بقصائدهم وقصصهم .


حب من طرف واحد
وتُشبه الشاعرة والصحافية كزال أحمد العلاقات مع الثقافة العربية بعلاقة حب من طرف الكردي فقط حيث تقول: هناك أجيال من المثقفين الاكراد لها ثقافة عربية كما لديها إلمام كبير بتأريخها وتراثها، وهي متابعة حريصة لإبداعاتها.

ان تأثير الثقافة العربية على المثقف الكردي شيء واضح وهو اكتسبه من خلال دراسته وعبر حتمية اختلاطه مع العرب واللغة العربية، لا سيما انهم يعيشون في وطن واحد.


وهذا الاختلاط أدى الى ان يصطبغ الكثير من النتاجات الكردية بصبغة قضايا وهموم تخص العرب والمثقف العربي.

هناك، مثلا، قصائد تُخلد ذكرى الجزائرية (جميلة بحيرد) أو تناصر القضية الفلسطينية أو تتغنى بالاخوة العربية الكردية كما في قصيدة <قصة أخوة> للشاعر التجديدي (عبد الله كوران) وفيها يقول عن التعايش الاخوي بين العرب والكرد: أخي العربي ذو العيون السود/ نصيبك مر كنصيبي/ ولكن تذوقنا لنفس الكأس من المرارة/ حول اخوتنا الى العسل.

كما ان بعضا من مثقفينا كتبوا أشعارا باللغة العربية أو باللغتين العربية والكردية معا كما فعل الشاعر القومي (بيكه س 19051948) ولديه قصيدة عربية يقول فيها: سورية ملكت فؤادي بعينها/ ورمتني في بحر الهوى بسهام.

وأنا قلت في احدى قصائدي: قولوا ل(خالدة سعيد)/ أو للعرب/ (أدونيس) هو الشعر بعينه/ احبه كثيرا.

يحاول الكردي بشكل عام والمثقف الكردي خصوصا ان يتابع ويتواصل في التعرف على جديد الثقافة العربية ولكن السؤال الموجّه الى المثقف العربي هو: هل لديك الالمام والاهتمام الكافيين بالثقافة الكردية والتي لا تقل شأنا عن أية ثقافة اخرى؟ والجواب بالتأكيد هو لا… اذن حسب رأيي تشبه علاقتنا بالثقافة العربية علاقة حب من طرف واحد..

ونحن الطرف المعذب في هذه العلاقة.

حتى القصيدة التي أهداها محمود درويش ل(سليم بركات) الكردي الذي لا يملك إلا الريح ليست كافية وهي حالة نادرة قلما تحدث في الادب العربي.


يقول الروائي والاستاذ الجامعي الدكتور فرهاد بيربال: لقد ولى زمن صلاح الدين الأيوبي حين كان الكرد يخدمون العرب من أجل الاسلام.

يحاول الكرد اليوم بناء هويتهم القومية ولا يتم ذلك الا بالقطيعة مع الثقافة العربية وفتح النوافذ أمام الغرب.

ومقابل كل هذا الحب والخدمة والتعايش الاخوي الذي كنا نكنه ونبديه طوال تأريخنا للعرب والاسلام، كافأتنا السلطة العربية بالقصف الكيمياوي ومنع لغتنا والانفال.

مثلا ان كتابة رسالة ماجستر أو رسالة دكتوراه حول روايات سليم بركات محظورة في الجامعات السورية.

انه شيء يدعو للحزن وللأسف حقا حين نرى العرب وهم يفقدون أجمل وأعز أصدقائهم التأريخيين.

شخصيا وكمثقف كردي لست بحاجة ولا أومن بحوار عربي كردي، لأنني أعلم ان كل ما يعقد تحت هذا الشعار سيتم بتوجيهات السياسات الشوفينية للدول العربية.

ويجب القول هنا ان كل ما تعرفه غالبية المثقفين العرب عن الكرد هو مثلا ان أحمد شوقي وصلاح السعدني والزهاوي والبدرخانين هم أكراد وانتهى!!
ويقول الناقد والاستاذ الجامعي شاهو سعيد: رغم اهتمامي المتواصل بالثقافة العربية ومديونيتي لها، كونها تشكل رافداً أساسياً من روافدي المعرفية، لكنني أجدها على العموم ثقافة ثابتة التصوير ومفتقرة الى التنوع والحوارية.

وكوني أشكل (الآخر الكردي) بالنسبة لهذه الثقافة، فإنني أحاول دوماً مراقبتها من الخارج والانفلات من هيمنة خطابها المموّه بلاغياً وإيقاعياً، سواء كان هذا الخطاب أصولياً أم قومياً أم حتى علمانياً تحرريّ الدعوة.

فثمة خط مشترك يتجسد في التعالي المسبق على الآخر والانئسار داخل الأنا التاريخي.

وإذا كانت هذه الخصوصية بيّنة عند الأصولي أو القومي العائش في زمنه الذاتي المفارق للزمن الواقعي حيث حضور (الآخر)، فإنها تتجلى عند التنويري ذي النبرة التقدمية في خطاب ينتقد الذات ويجلدها جلداً ليعود في النهاية الى تحميل الآخر، مسؤولية كل ما آل اليه الوضع العربي.

وقد يكون الآخر، في نظر هذا الخطاب المتقلب الاوجه، أميركياً آتياً من وراء المحيطات أو شعوبياً متربصاً بالأمة في الجوار أو كردياً مزروعاً في الخاصرة من الداخل.

هذه الظاهرة لا تشكل خطورة على تفكير الإنسان العربي فحسب بل على غير العربي المتابع لها أيضاً.

شخصياً اضطررت الى البحث عن روافد معرفية بديلة وثقافات أخرى بلغات غير عربية، كي أكتشف ما هو مكبوت أو منكبت أصلاً في الثقافة العربية، لا في ما هو مؤلّف من قبل كتابها فحسب، بل حتى في ما هو مترجم عنهم، لأن البقاء تحت هيمنة هذه الثقافة لا يؤطر رؤية المتلقي بإيقاعها اللفظي السحري المؤثر فقط، بل يجبره على قراءة ما هو مترجم ومنتقاة من ثقافة الغرب أيضاً.

وجدت نفسي مثلاً، لمدة طويلة، مسحوراً بالثقافة الفرنكوفونية وما تحمله من عقد بنيوية في الجانب المترجم انتقائياً الى اللغة العربية.

وبان لي مؤخراً أن العديد من الترجمات من الثقافة الغربية الى اللغة العربية لا تهدف الى الانفتاح على الآخر الغربي بقدر ما تنتقي منها ما هو ملائم لتبرير خطاب ذاتي مسبق.

إن تواصلي كقارئ، ومتابع كردي، للثقافة العربية منوط بمرونة هذه الثقافة وآفاق انفتاحها على الآخر وتنامي خطاب المعارضة الفكرية فيها لتفكيك العقد التي دأب أصحابها على اختزال القضايا في مجرد أحكام مسبقة، وهي خرافية في معظمها.


لعنة المقدس العربي
يقول المترجم وسكرتير تحرير (سردم العربي) نوزاد أسود: ثمة اتجاهان في الثقافة العربية: اتجاه ينصب في إنسانية الثقافة وانفتاحها الفكري، واتجاه يقبع داخل ثقافة ايديولوجية مغلقة ويقينية جامدة يمكن ان ندعوها بالايديولوجيا القوموية الاسلاموية وهي ايديولوجيا لا زالت مسيطرة على الجزء الكبير من الشارع العربي ومراكز القوى رغم انها فقدت مصداقيتها عند المفكرين الحقيقيين.

نحن كمثقفين كرد نتفاعل مع الاتجاه الاول حيث الانفتاح والجانب الانساني الغني من هذه الثقافة التي تشربنا منها.

بالرغم من القطيعة مع المركز والابتعاد قليلا عن اللغة العربية في التسعينيات كنا على تواصل دائم مع الثقافة العربية الجادة.

نعمل في الوقت الحاضر ومن خلال مجلتنا (سردم العربي) التي تصدر في السليمانية على تفعيل وتوثيق أواصر التواصل الثقافي الكردي العربي حيث تربطنا علاقات وطيدة مع عدد غير قليل من المثقفين والكُتاب العرب ايمانا منا بأن الشعب العربي لم يكن مسؤولا عن تلك الجرائم البشعة التي مورست ضد شعبنا الكردي.

هناك اسماء عربية لامعة وذات تأثير في ساحة الثقافة الكردية نذكر منها على سبيل المثال هاشم صالح وجورج طرابيشي وأدونيس ومحمد أركون وادوارد سعيد وصادق جلال العظم وغيرهم.


نحن نتطلع الى بناء جسور الحوار بين المثقفين الكرد والعرب والذي يتطلب قبل كل شيء إلغاء جميع انواع مظاهر العنف في حياتنا، كما يتطلب إلغاء مظاهر الاستعلاء الثقافي من خلال دمقرطة الخطاب الثقافي.


ويقول الكاتب والصحافي أمين بوتاني: لا أجانب البديهة ان قلت بأن المثقف الكردي ينظر في الكثير من الاحيان الى المثقف والثقافة العربية ذات النظرة التي ينظرها الى السياسات والمواقف السياسية للدول والحكومات العربية، باعتبار ان المثقف العربي يصوغ منجزه الثقافي في كنف ثقافة سلطوية طاغية على مقدرات الرؤية والابداع والمعرفة.

ما أود قوله ان الكرد برمتهم وخصوصا الكُتاب والمثقفين منهم لهم ما للنخبة العربية المثقفة والمنفتحة على الآخر (وهم قلة بالطبع) من انتقادات يوجهونها لثقافة ومثقفي السلطات العربية.

أنا لا أختزل موقف المثقف الكردي إزاء الثقافة العربية في اللغة العربية التي ينهل عدد لا بأس به من الكرد زادهم المعرفي، ما يهم الكردي من المنجز الثقافي العربي قبل كل شيء هو تضمين هذه الثقافة لتلك المساحة التي يدب عليها الآخر ويتنفس، حيث قلما يجد المثقف الكردي هاجس التعاطي مع موضوعة الاختلاف تعاطيا بناء وخلاقا لدى المثقف العربي، وبالتالي يرضخ الكردي عنوة بأن يقيس الثقافة العربية بأسرها على مقاس ما يكتبه بعض المثقفين العرب ولو كانوا قلة.

يرى الكردي ان الثقافة العربية شبت وشابت على ارث لم يتبلور فيه الآخر المختلف كموجود شرعي بعد، لان الثقافة هذه قد جندت كل طاقاتها لمقارعة آخرها اللدود الذي يقف لها بالمرصاد (صهاينة، امبريالية، غزو ثقافي … مثلا).

ثيمة هذا الآخر الند في رؤية الثقافة العربية طالت جميع الآخرين ايضا ولو كانوا مناصرين لها ولقضاياها، فلا غرابة ان تلسعنا نحن الكرد (وكذلك الامازيغ…) لعنات المقدس العربي كلما تعالت صرخاتنا وبكينا بأبجدية غير التي تحوي الضاد، ومتى ما تجرأ المثقف العربي على فك التمائم ومجابهة الآباء مدخلا أدوات نقدية معرفية جديدة لقراءة الحال والماحول، عندئذ قد يكون لنا بصيص من الامل نذيب به نتفا من صقيع هذا الجفاء.
 
ملحق السفير الثقافي
1/9/2006

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…