بيان في الذكرى الثامنة و الأربعين للإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة .

المجلس السياسي الكوردي في سوريا –  لجنة أوروبا

قبل ثمانية و أربعين عاما ، و تحديدا في الخامس من شهر تشرين الأول ، من سنة  1962 ، أقدمت حكومة الانفصال على إجراء تعداد سكاني في محافظة الحسكة حصرا ، و تحت ذرائع مختلفة اختلقتها لنفسها في حينها ، إلا أن النتائج الكارثية التي ترتبت على عملية التعداد تلك ، أكدت بجلاء على أنها هدفت إلى تفكيك المجتمع الكردي ، و تغيير الواقع القومي ، في الجزء الذي تم إلحاقه بسوريا من كوردستان ، و ذلك من خلال ما سيترتب على هذه العملية من نتائج ، مدعومة بمشاريع و مراسيم و إجرءات ، تعمل مجتمعة على  دفع الكورد إلى النزوح عن وطنهم ، و تشتيتهم في المهاجر ، و في المناطق الداخلية من سوريا ، و تذويب من عصي على التهجير في الثقافة العربية .
فقد وجد عشرات الألوف من الكرد أنفسهم ، و قد أصبحوا غرباء في وطنهم ، و على أرضهم .

لقد تم تجريدهم من الجنسية السورية ، و بصورة عشوائية طالت رموزا وطنية ، كان لها دورها البارز في تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي ، ناهيك عن الذين تم تسريحهم من خدمة العلم ، و من العمل لدى دوائر الدولة ، أما ما حدث داخل الأسرة الواحدة ، و العائلة الواحدة ، و العشيرة الواحدة  من مآس ، فحدث و لا حرج ، فقد طال التجريد من الجنسية الأفراد من هذه المجموعات السكانية بصورة عشوائية ، و أصبحت وثائقهم ، و مستنداتهم التي توارثوها عن أجدادهم غير ذي قيمة ، و منتهية الصلاحية ، و اخترعوا لهذه الآلاف المؤلفة من المواطنين الكورد ، ممن طالهم هذا الاجحاف أسماء جديدة : ففي البداية تمت تسميتهم بأجانب تركيا ، و من ثم بأجانب الحسكة ، و عندما رفعوا من مقامهم ، و أكرموا وفادتهم ، لقبوهم بضيوف الحسكة ، و لا نعتقد بأن العالم قديمه و حديثه ، قد شهد مثل هذه الحالة : أن يصبح المرء ضيفا في بيته ، في وطنه ، فيُحرم من حقوق المواطنة : من حق العمل ، و العلم ، و التملك ، و السفر ، و الانتخاب ، و يتم التعرف عليه من خلال بطاقات مميزة حمراء ، تصنفه في المرتبة الأخيرة من درجات المواطنة ، و هو ماهدفت إليه ، و حبكت له الدوائر الأمنية ، و أخذته على عاتقها في التنفيذ حكومة الانفصال ، و أبقت عليه ، و أضافت إليه من المشاريع العنصرية الحكومات (التقدمية) التي تعاقبت على حكم البلاد ، منذ الثالث و الستين من القرن الماضي ، و حتى يومنا هذا .
إن الذين وضعوا اللبنة الأولى لهذا المشروع العنصري ، لم يتسببوا فقط في إلحاق العذاب و المعاناة بمئات الألوف من الكورد ، ممن تم تجريدهم من الجنسية السورية ، و إنما بالإضافة إلى ذلك ، فقد أسسوا لنهج عنصري مقيت ، أصبح السمة الغالبة في تعامل الحكومات المتعاقبة مع الشعب الكودي ، و كل ما يخص وجوده ، و زرعوا البذرة الأولى في العصبية القومية ، التي ناوءت الكورد ، و أنتجت مشاريع ألحقت الغبن بالكورد منذ عقود ، و بثت الفرقة و الكراهية بين أبناء الوطن الواحد ، و أحدثت شرخا عميقا في وحدة المجتمع السوري و تماسكه ، و أنتجت خللا اجتماعيا و اقتصاديا و بشريا ، تتضاعف آثاره المدمرة مع الاستمرار في هذا النهج و مشاريعه العنصرية .
إننا نرى بأن العودة عن هذه المشاريع العنصرية .

و إزالة آثارها ، واجب وطني يقع على عاتق الدولة و القيادة السياسية العليا في البلاد أولا ، و نرى أنه من واجب القوى الوطنية الحريصة على مصلحة البلد ، و التعايش السلمي و الأخوي بين مكونات المجتمع السوري ، أن ترفع صوتها ، و أن تطالب بوضع حد لهذه المأساة التي تعيشها هذه الشريحة الواسعة من المواطنين الكورد ، كما أننا نرى أن تضع الحركة الكوردية هذه المشكلة في مقدمة أولوياتها النضالية ، خاصة و أن هذه القضية تحظى باهتمام قطاع واسع من الرأي العام السوري ، و بدعم و مساندة المعارضة السياسية في سوريا عامة ، كما أننا نهيب بالمجتمع الدولي ، و الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ، أن يتدخل لحل هذه القضية ، و وضع حد لهذ المأساة الانسانية .
و بهذه المناسبة ، فإننا نعلن عن دعمنا ، و مساندتنا ، لكل الأنشطة المناهضة و المنددة  بهذا المشروع العنصري ، و التي تقوم بها المنظمات السياسية ، و الانسانية ، و الحقوقية في النمسا و سويسرا و بلجيكا ، و في أي مكان آخر ، و نطالب منظمات الأحزاب المؤتلفة في المجلس السياسي الكوردي ، و الجالية الكوردية ، تقديم كل أنواع الدعم لهذه الأنشطة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…