استفتاء تركيا ودلالاته

  محمد محمد

كما كان مقررا الرابع عشر من الشهر الجاري موعد الاستفتاء في تركيا على إدخال تعديلات في الدستور التركي الحالي واختيار هذا التوقيت ليس صدفة ,اذ أن له دلالة وأهمية رمزية خاصة كونه يأتي بعد ثلاثين سنة من الانقلاب العسكري في عام 1980 والذي قاده الجنرال كنعان ايفرين
لذا كان الجزء الخاص لهذه التعديلات هو تقليص سلطة  العسكر وهذا ما كان ملفتا لكل الأوساط السياسية داخل تركيا وخارجها وهي التي أثارت المعارضة التركية التي حاولت بشتى الوسائل منع حصول هكذا استفتاء على الرغم ان معظم بنود وفقرات الاستفتاء كانت تصب في مصلحة حكومة اردوغان وحزبه

إلا أن هذه الاستفتاء يتعرض أيضا لأسس الدولة التركية التي أقامها اتاتورك في عشرينات القرن المنصرم ,إذ كان الجيش ومازال حارسا أمينا ووصيا على علمانية الدولة التركية .
لقد كانت نتيجة الاستفتاء مخالفا لكل التوقعات التي راهنت على هزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم , اذ كانت نتيجة الاستفتاء 58بالمائة من الموافقين مقابل 42بالمائة من المعارضين , وقد فاق عدد الذين شاركوا في التصويت كل التوقعات اذ بلغت النسبة 77بالمائة وهذه النسبة تعد قياسية ومرتفعة جدا على الرغم من الحملة التي خاضتها الأحزاب الكوردية للحيلولة في عدم الذهاب الى صناديق الاقتراع , وقد نجحت في ذلك الى حد بعيد وأثبتت للنظام التركي ثقلها وحجمها الذي لا يستهان به وسبب مقاطعة الشعب الكوردي كان واضحا اذ أن هذه التعديلات لم تأتي لصالح حقوق ومطالب الشعب الكوردي اذ غاب تماما عن هذه التعديلات كل ما يمت بالاكراد من صلة .
لذلك كانت نسبة الاقبال في المناطق الكوردية ضعيفة جدا لم تتعدى حدود 9بالمائة , وقد سارعت معظم الدول ذات القرار السياسي الى الترحيب ومباركة نتيجة الاستفتاء بدءا من الولايات المتحدة ووصولا الى الاتحاد الاوروبي , على الرغم من ابداء هذا الاخير عدم رضاه التام  كونه ينتظر نتائج الانتخابات التركية في السنة القادمة .
لقد كانت حجة ومبررات حزب العدالة والتنمية من الاستفتاء هو دمقرطة تركية اكثر فاكثر حتى تقترب من تطبيق شروط العضوية المفروضة من قبل الاتحاد الاوروبي واضعاف الخصم وهي المؤسسة العسكرية  ومعها مؤسسة القضاء متجاهلا العقبة الكبرى التي تقف دون عبور تركية الى النادي الاوروبي الا وهي القضية الكوردية وما تمثلها من حجم وثقل كبيرين
واذا عدنا الى سر نجاح هذا الاستفتاء فإن ذلك يعود الى عاملين اولهما :
التطرف العلماني منذ ايام اتاتورك وشعور الاتراك بأن حقهم مهضوم وقد تم الاضرار بدينهم وهويتهم
أما العمل الثاني:
هو الشعور المتأصل لدى غالبية سكان تركية بأن الجيش لايزال يتمتع بسلطة وصاية مفرطة على كل مفاصل النظام السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي .
لذا كان لابد من قص اجنحته بعض الشيء ، لقد رجحت كفة حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذا الاستفتاء , إلا أن الجدال ما زال على أشده في الداخل التركي حتى الانتخابات القادمة وربما الى ما بعدها فهل ستتوفق حكومة اردوغان بين الديمقراطية الليبرالية والاسلام ؟
وهذا مبعث قلق وعلامة استفهام كبيرة كون تاريخ الاحزاب الاسلامية لا تبشر بالخير فهي تمتطي صهوة الديمقراطية وتتزين بثوبها ريثما تثبت اقدامها في الحكم وما أكثر الأمثلة والوقائع.
    

المانيا 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…