انتصار الأغاني

مسعود عكو


“حنا مشينا مشينا للحرب” بهذه الكلمات الساخنة أطلقت مجموعة غنائية عراقية افتتاحية إحدى أغنياتها  في بداية  حرب الثماني سنوات بين نظام صدام حسين البائد, ونظام الملالي في إيران هذه الحرب التي حصدت أرواح أكثر من مليون عراقي, وإيراني كانوا بريئين من كل ما يحدث على أرض المعارك, ولم يكن لهم ذنب سوى أن حكامهم كانوا يريدون إبراز مواقفهم البطولية, والتفاخر في المحافل الدولية بقوة جيوشهم وكثرة عتادهم.
لكن إلى أين ذهب الجيش العرمرم حين كانت القوات الأمريكية تحضن “أم قصر” .؟!!
الفنان العراقي صلاح عبد الغفور أتذكر دائماً أغنيته المشهورة التي تمجد الدكتاتور المخلوع, ويتباهى به كرئيس للعراق, وحامي البوابة الشرقية, وكانت بمقطعين الأول باللغة الكردية, والأخر بالعربية حيث يقول فيها: “زيرا زيرا سه روك مه زيرا, زيرا… صدام زيرا” وتعني بما معناه في العربية  بأن معدن صدام حسين من الذهب.
” والرجال معااااااااااادن ”

“الله أكبر للنصر خطواتنا, رايات المجد بعزم قواتنا” كانت أيضاً تتفاخر هذه المجموعة الغنائية, وتتباهى بالنصر العراقي الصدامي في الحرب مع إيران رغم أن صدام لم يحارب على أرض إيران إلا بضعة شهور, وكانت إيران تحتل حتى شبه جزيرة الفاو, واستردوها العراقيون فيما بعد, واستمرت الحرب أكثر من سبع سنوات على الأراضي العراقية فأي نصر حققه الجيش الذي لا يقهر؟ وأية بطولات كتبت لصدام وأزلامه؟
ولا أعرف مصير الرايات والقوات إلى الآن ؟!!

“علي ومبارك وحسين, أخوات صدام حسين” كانت أغنية عراقية تمجد التلاحم العربي على أرض الرافدين, وذلك بعد عقد كل من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, والمصري محمد حسني مبارك, والعاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال, قمة عربية رباعية داعمة للعراق في المحن التي كان صدام حسين يدخله فيها, ويهلكه من تهلكة إلى أخرى.
ولم يغادرنا إلا الملك …  ؟!!

السؤال الذي ظل معي يحيرني عندما كنت أشاهد, واستمع إلى هذه الأغاني, والكليبات, وكنت اسأل نفسي  دائماً: “لو سقط نظام صدام ماذا ستفعل الحكومة البديلة بكل هذا الأرشيف العراقي الأسود في تاريخه, والأقسى في سلسلة أيامه الحزينة؟ لا أعرف الآن, وبعد هذا السقوط ماذا حل بتلك الأغاني ..؟ ربما ستطلب المحكمة الاستماع لهذا الأرشيف العراقي, وتذكير البطل المخلوع ببطولات لم تحصل بالمطلق, وبدلاً من تنفيذ حكم الإعدام بصدام, وأعوانه يحكم عليهم القاضي بالاستماع إلى كل الأغاني التي كانت تمجده وتعظمه.
ولكن أخاف أن يقوم صدام برفع مسدسه, وإطلاق عيارات نارية في قاعة المحكمة ……؟!!

متأكد أن كل الفنانين العراقيين كانوا مجبرين على التغني بصدام, وإطلاق الأغاني, والأشعار عليه خوفاً من بطش جلاديه ويقال أنه سمح للفنان الكبير سعدون جابر بدخول العراق بعد أن قام الأخير بتأليف موال عراقي حنون يقول فيه:”يلي مضيع وطن وين الوطن يلقاه”.

وكان صدام مولعاً بالفن العراقي حيث يقال أيضاً بأن الفنان الكبير حميد منصور هو مطرب صدام المفضل.
لكن هناك من كان يود الغناء لصدام, ولم يجد فرصته .؟!!

انتصارات صدام حسين كانت بالأغاني, والخطب التي كان يلقيها على الشعب العراقي عبر أثير تلفزيون العراق, وقناة الشباب التي كانت عائدة لأبنه الكبير عدي, وكانت القناتين تبدآن بالتنافس في بث الأغاني الحماسية, والوطنية, والحربية ضد إيران, وأمريكا, وأعداء صدام حتى وصل لدرجة بأننا كنا نحفظ تلك الأغاني من كثرة متابعتنا للقنوات العراقية كوننا نعيش في منطقة قريبة جداً من الحدود العراقية, وما كانت القناة الأولى السورية تفي بالغرض من ناحية البرامج, والأفلام, والمسلسلات في ذلك الوقت, ولم يكن مسموحاً امتلاك الصحن اللاقط إلا قبل عدة سنوات في إشارة إلى أن الإعلام العراقي كان يتفوق على السوري بكثير, وهذا يشهد لهم فيها, في حين لم تصل القناة السورية الثانية إلى منطقة الجزيرة إلا منذ عدة سنين.
فأين أنت يا صدام لتر التفوق الذي حققه الإعلام السوري .؟؟!!

“حنا رجال الفلوجة من كلمة نضوج,  بدنا زلم تقابلنا ما بدنا علوج” أغنية أطلقها منذر العلو تمجيداً لأهل الفلوجة بعد مقاومتهم الشرسة للقوات الأمريكية, ولكن انتصر الأمريكان على الفلوجيين, وضاعت أغنية العلو بين أقدام القوات الأجنبية في المدينة.
فلا تضوجوا أكثر من اللازم ….

فأمراض القلب منتشرة جداً بالمنطقة ؟!!

“الله أكبر قولوا الله, حيوا حسن نصر الله, حيوا الشعب المجاهد, علوا راية حزب الله” مقطع من أغنية باتت تغزو القامشلي السورية, وفي كل مراكز التسجيل, وبيع الأشرطة الموسيقية, ويغني فيها صالح البرهو أغنيته هذه كهدية لحسن نصر الله على انتصاره في معركته مع العدو الإسرائيلي, والتي باتت تسمع في كل مكان في الشارع, والسرافيس, والبيوت, والكاسيت الذي يحمل اسم “حزب الله” بيع أكثر من كاسيت أي فنان أخر.
فهل سيصبح كل كاسيت بمثابة طلقة ..؟!!

قرأت في الكثير من المواقع العربية وغيرها بأن الفنان اللبناني الشاب فضل شاكر, والفنانة الراقية نانسي عجرم هما فقط ظلا في لبنان أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه, ولم يبرحا مكانهما, بل شيع أن فضل شاكر كان في الجنوب بالتحديد أما مئات الفنانين الباقين فقد هربوا, وفلوا إلى دول الجوار, ولم يتجرؤوا على البقاء في وطنهم رغم نفاق الكثيرين منهم, والحزن عليه, وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بدأ الانهزاميون يتغنون بلبنان, وبشعبه, وبشهدائه, وبقوة المقاومة المسلحة التي كان يقودها حزب الله, وأين كانوا حين القصف, والضرب؟ الله  عز وجل وحده العالم.

تحية من القلب إلى الفنان البطل الصامد في وجه الصواريخ فضل شاكر, وألف تحية للفنانة الجميلة الناعمة, وصاحبة الخصر النحيل نانسي عجرم ألف تحية لكما… وآه ونص!!!
ولا تعليق.؟!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…