هكذا نفهم «بناء الذات»

صلاح بدرالدين

  في مقالته ” في بناء الذات – شبلي شمايل – الحوار المتمدن – 7 – 9 – 2010 ” يتناول الكاتب أزمة المعارضة السورية برؤية نقدية ويطرح ملاحظات جوهرية بخصوص أداء المعارضين السوريين داعيا ” الى مباشرة المثقف والسياسي رسم معالم جديدة للطريق ” بعد انتهاء الاطارين (اعلان دمشق وجبهة الخلاص) المعلنين منذ 2005 حيث ” تغيرت البيئة السياسية التي كانت في خلفية الاعلان ولم يعد التغيير فكرة عملية وهذا يعني أن الاعلان انتهى موضوعيا ” وهكذا الحال للجبهة مطالبا بشكل غير مباشر بعض أعضائها السابقين (وأنا من ضمنهم) تقييم ونقد تلك التجربة .
   من الملاحظ وكما يشير اليه الكاتب أيضا أن ساحتنا الوطنية المعارضة تفتقر الى دراسات وأبحاث جادة حول الحاضر والمستقبل والنظام والمعارضة كما أن الذين غادروا الأطر المعارضة المنهارة أو الآيلة اليه التي كانت قائمة لسنوات ومنها – الاعلان والجبهة – وذلك من منظمات ومجموعات وأفراد لم يقدموا شيئا يذكر من المراجعات الفكرية أو طرح تجاربهم برؤى نقدية أو أسباب تركهم ومن ثم تقديم البديل وقد أصبت بالذهول لدى قراءة البيان الهزيل في محتواه لأحد التيارات اليسارية الذي يتمتع بماض مجيد بمناسبة الانسحاب من – الاعلان – وبكل تواضع أقول لم أعثر حتى الآن على نصوص ومراجعات نقدية جادة حول الفعل المعارض وعلى أقله خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بخلاف ماقمت به في مجال ممارسة النقد والنقد الذاتي جملة وتفصيلا لتجربتي خلال ثلاثة أعوام في – جبهة الخلاص – والتي ظهرت في عشر حلقات نشرت في – الحوار المتمدن وموقعنا www.kurdarab.org  – تحت عنوان ” مراجعة نقدية لمشروع متعثر – ثلاثة أعوام عجاف في جبهة الخلاص ” اضافة لقراءتي النقدية في هذا المجال لأداء الأحزاب والمجموعات الكردية (مع أن الساحة الكردية وعلى المستوى الشعبي مثقلة با – الاضطهادات – القومية – السياسية – الاجتماعية وتتحمل جزءا كبيرا من واجبات المعارضة الوطنية من حراك جماهيري ومجابهات واستهدافات أمنية وقدمت أكثر من مواقع أخرى بالمقارنة مع الحجم العددي) الى جانب مقالات متواصلة حول طبيعة ودور – حركة الاخوان السوريين – في تفتيت وتقسيم المعارضة اذا رأت الى ذلك سبيلا كما أفصحت عن مواقفي هذه في عدد من اللقاءات التلفزيونية والصحفية من دون تجاهل بعض الاشارات الرمزية الخجولة التي تصدر بين الحين والآخر في كتابات ومقالات مثقفين سوريين هنا وهناك .

     كيف نفهم ” بناء الذات “
  يبدأ ذلك من دون شك وكل من موقعه وفي مجاله بمراجعة التجارب الجبهوية أو التحالفية وكل الحراك المعارض في الداخل والخارج والتي تشمل : اعلان دمشق وجبهة الخلاص ومنظمات حزبية عربية وكردية وغيرها وتجمعات وشخصيات فكرية وثقافية بتقييم مختلف الجوانب سلبا كانت أم ايجابا واستخلاص الدروس منها لفائدة المستقبل وأعني بها : البرامج والخطاب السياسي والشعارات المعمولة بها والتيارات المؤتلفة وشكل وآليات التركيب التنظيمي والممارسات العملية وطرق التعامل مع البعض الآخر التي أحبطت الطموحات وعمقت مظاهر انعدام الثقة بكل أسف بأصحاب الفكر الشمولي ومن من حولهم ومن دون هذه العملية الصريحة الشائكة نوعا ما يستحيل اعادة الثقة المفقودة ولا يمكن حتى التفكير ببناء أطار جديد اذا اريد له النجاح ويعتبر تحقيق هذه الخطوة من الأولويات الواجبة اتخاذها أما الخطوة التالية فتكمن في الحاجة الماسة الى مناقشة ودراسة جملة من القضايا الخلافية في المشهد الوطني السوري أو التي مازالت في خانة المحظورات والبحث عن توافقات بشأنها ومنها : أولا – اعادة تعريف سوريا وتشخيص وتسمية مكونات البلاد القومية والدينية والمذهبية وتعداد نفوسها ونسبها المئوية وذلك استنادا الى الوقائع الحية وليس الى المواقف الأيديولوجية المسبقة أو صفحات التاريخ المسيسة المنحازة التي أنتجتها – المكاتب الثقافية –  القومية والقطرية لحزب البعث وبيان معاناتها وحرمانها وحدود حقوقها المستحقة وسبل مساواتها مع الغالبية والاعتراف بعد ذلك بأن المجتمع السوري تعددي ومركب وليس أحاديا بسيطا وقد تصل نسبة غير العرب وغير المسلمين السنة الى أكثر من ثلاثين بالمائة .

ثانيا – اعادة قراءة طبيعة النظام ومعرفة قاعدته الطبقية الاجتماعية ووظيفته المناقضة لمصالح غالبية الشعب السوري وفهم دوره العربي والاقليمي والدولي وبالتالي مدى صوابية تغييره وانعكاس ذلك على القضايا المصيرية .

ثالثا – تحليل شكل وطبيعة الدولة الاستبدادية القائمة ومشروعية تفكيكها لاعادة بناء الدولة الحديثة .

رابعا – بحث قضية الجولان المحتل وسبل تحريرها ومسؤولية النظام ومجمل مسائل الحرب والسلام المتعلقة بعدوانية وعنصرية اسرائيل واستخلاص أفضل وسائل التضامن مع القضية الفلسطينية بما في ذلك اتخاذ الموقف السليم المزدوج تجاه حصار غزة ومعاناة شعبها من جهة والانقلاب العسكري – الحماسي – من الجهة الأخرى.

خامسا – مناقشة عملية التغيير الديمقراطي وإسقاط الدكتاتورية في العراق واعادة النظر في المواقف الملتبسة حول ماتسمى بالمقاومة العراقية وبحث الخطوات النوعية في حل المسألة الكردية هناك على أساس الفدرالية كانجاز ناتج عن التوافق الكردي العربي والتعايش السلمي في ظل العراق الجديد .

سادسا – الإجابة على التساؤل المطروح : هل كرد سوريا شعب يقيم على أرضه التاريخية ومن السكان الأصليين ؟ مع مناقشة القضية الكردية في سوريا وجودا وحقوقا ومعالجتها عبر الحوار والتوافق في مجرى التحول الديمقراطي وإيجاد أفضل الصيغ المناسبة مع مراعاة إرادة الشعب الكردي في الحل المنشود .

سابعا – العمل الجاد للاتفاق على مبادئ صيغة جديدة للدستور السوري تعبر عن مصالح الوطن وجميع مكوناته وأطيافه ويصون حقوقها ويضمن سلامتها .

ثامنا – مناقشة دور جماعات الإسلام السياسي السلبي وبالأخص – حركة الإخوان – وموقعها في حركة المعارضة الوطنية والتوصل الى ثوابت مشتركة على ضوء تجارب التاريخ وتجربتنا الخاصة على صعيد سوريا حيث كان – الإخوان – من مؤسسي الإعلان والجبهة وفي عداد عضويتهما حتى يوم – وقف معارضتهم – وهذا ما يؤكد على تشابه الإطارين من حيث النشأة والمكونات والتيارات الفكرية والأفق السياسي العام والتحديات ومكامن الخلل وكذلك موقف المعارضة من كل التيارات الشمولية دينية كانت أم علمانية على ضوء إعادة النظر في مقولة جواز الاستفادة من كل المتضررين في مرحلة العمل الجبهوي ومقارعة الاستبداد .

تاسعا – بحث جميع خيارات النضال السياسي من أجل التغيير الديمقراطي وأولوياتها وآلياتها ودور وتأثيرات الرأي العام العالمي ومحبي الحرية والسلام والمعنيين بحقوق الإنسان ومدى امكانية الاستفادة منها .عاشرا – مناقشة وتوثيق قضية السجناء والمعتقلين والمحكومين والملاحقين والمجردين من الحقوق المدنية والمصادرة أملاكهم وأراضيهم الزراعية وأموالهم المنقولة وغير المنقولة بموجب المراسيم والقوانين الاستثنائية والذين قضوا نحبهم بالتصفيات والاغتيالات لأسباب سياسية ومانتج عنها من مآسي عائلية واجتماعية وإنسانية وبحث مدى إمكانية اللجوء الى محكمة العدل والمحاكم الجنائية ذات الطابع الدولي .

حادي عشر – دراسة وتقييم نظام – التوافقية الديمقراطية – بإمعان ومدى صلاحيته وتناسبه للحالة السورية وتطبيقاته الإقليمية والعالمية لأنني أزعم أن ذلك المبدأ أو الأسلوب في إدارة الدولة أو النظام السياسي مناسب للدول متعددة القوميات والمكونات والثقافات مثل سوريا .


  هذه هي حسب ما أراه غالبية عناوين المسائل الخلافية والمثيرة للجدل والمصيرية في الوسط السياسي المعارض التي تنتظر الحسم والتوافق حولها وكذلك  الخطوات ( الثقافية والسياسية والإجرائية والمنهجية ) التي نراها ضرورية – لبناء الذات – ومن ثم الانتقال الى مرحلة ولادة الأداة التنظيمية الجامعة كإطار ديمقراطي موحد متقدم عصري داخل الوطن ترفده فروع وامتدادات ومكاتب في الخارج لقيادة عملية التغيير الديمقراطي في بلادنا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…