القضية الكردية في سوريا وآفاق الحل

  نشرة يكيتي *

يعد الشعب الكردي من أقدم شعوب المنطقة، كما يعتبر رابع أكبر قومية في الشرق الأوسط، ولا أحد يجادل في حقيقة دوره التاريخي والحضاري في المنطقة منذ القدم، على كافة المستويات؛ السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا الوجود التاريخي للشعب الكردي على أرضه كردستان، والتي تحتل موقعاً جغرافياً هاماً، جعله محط أطماع الدول الكبرى، وساحة صراعات، من أجل النفوذ منذ التقسيم الأول لكردستان، إثر معركة جالديران 1514 ومعاهدة قصر شيرين 1639 بين الصفويين والعثمانيين، مروراً باتفاقية سايكس بيكو 1916 م والتي قسمت كردستان إلى أربعة أجزاء، حيث كان هذا التقسيم أحد أهم العقبات التاريخية أمام التطور السياسي للشعب الكردي الذي يعتبر أكبر جماعة أثنية في العالم ليس لها دولة خاصة بها حتى الآن، لأن المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية لعبت دوراً سلبياً بحق الشعب الكردي عندما تنكرت لحقوقه، ومارست بحقه أبشع السياسات العنصرية والتمييزية، من صهر وإبادة
 و… رغم إقرار وتأكيد الفكر السياسي والقانوني الدولي على مبدأ حق تقرير المصير للأمم، وإدراج هذا الحق في ميثاق الأمم المتحدة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966!! .

من هذا المنطلق تعتبر القضية الكردية في سوريا قضية سياسية بامتياز، كونها تتعلق بالجزء الكردستاني الملحق بالدولة السورية الحديثة، نتيجة الترتيبات والتوازنات الآنفة الذكر بين الدول الكبرى خارج إرادة شعوب المنطقة، وما ترتب على ذلك –فيما بعد- من إنكار لحقوقه كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وما تلاها من محاولات عنصرية بغية صهره في البوتقة العربية، ومن إنكار لدوره النضالي والحضاري في معارك الاستقلال ومساهمته في بناء الدولة السورية.

كل تلك السياسات والممارسات كانت سبباً من أسباب نشوء الحركة السياسية الكردية في سوريا دفاعاً عن وجود الشعب الكردي وحقوقه، وردّاً على تلك السياسات العنصرية.

وكانت ردود فعل السلطات المتعاقبة على دست الحكم في سوريا قاسياً وعنيفاً ضد قيادات الحركة الكردية التي تعرضت للملاحقة والقمع والتعذيب في السجون منذ نشوء الحركة، واتخذت جملة من الإجراءات العنصرية ضد الشعب الكردي، كسياسة الإلغاء والتهجير والتجويع والتجهيل… بدءاً من المرسوم التشريعي رقم /93 لعام 1962/ الذي جرد بموجبه أكثر من مئة وعشرين ألف مواطن كردي من حق المواطنة ونتائجه الكارثية، وكذلك ما سُمّيَ بمشروع الحزام العربي، ومصادرة أراضي الكرد وتوزيعها على فلاحين عرب جلبوا من مناطق الرقة وريف حلب،..

وقرارات منع اللغة والثقافة الكرديتين، وتغيير أسماء المدن والقرى والبلدات الكردية، وفصل الطلبة والعمال الكرد، وصولاً إلى المرسوم التشريعي /49 لعام 2008/ وما تلاه من قرارات بحق الفلاحين والمواطنين الكرد…، كل هذه السياسات العنصرية والتمييزية المطبقة بحق الشعب الكردي في سوريا، تناقض كافة العهود والمواثيق الدولية، ومبادئ شرعة حقوق الإنسان.

لذا لابد من العمل الجاد والعاجل من أجل حل القضية الكردية حلاًّ ديمقراطياً عادلاً، من قبل السلطة، وذلك من خلال الحوار العلني الجاد والهادف مع فصائل الحركة الكردية، والتي تعتبر الممثل الحقيقي للشعب الكردي في سوريا، وعلى أساس من الاعتراف المتبادل، والإقرار بداية بوجود الشعب الكردي كثاني أكبر قومية في البلاد، وتجسيده دستورياً، واعتماد نظام لا مركزي سياسي ديمقراطي يراعي التوازن بين جميع مكونات المجتمع السوري، كون سوريا بلد (مركب) متعدد القوميات، وإلغاء السياسات الشوفينية، والقوانين الاستثنائية، والمشاريع العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي وصولاً إلى تحقيق الحكم الذاتي لكردستان سوريا ليتمكن الشعب الكردي من إدارة نفسه بنفسه في شؤونه التشريعية والإدارية والقضائية، في إطار نظام ديمقراطي برلماني، لأن الحكم الذاتي نظام سياسي وإداري واقتصادي، يحصل فيه الإقليم على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونه، فهو نقيض المركزية، وله تاريخ طويل في الفكر الإنساني والفلسفي، وفي تجارب الشعوب المتحضرة.

ورغم وجود بعض الغموض والازدواج في مدلوله، بين الجانب السياسي والجانب القانوني، لكنه مع ذلك متسع ويتضمن قدراً كبيراً من المرونة وفق خصوصية كل بلد وكل تجربة، وفي بعض تطبيقاته قد يجمع بين الطابع الإداري والقانوني والسياسي معاً، في إطار سيادة وحدود الدولة الواحدة.
لكن النظام –وبدل البحث عن الحلول- مازال يلجأ إلى القمع المنهجي الذي يتعرض له الكرد باستمرار، والذي كانت له نتائج كارثية على الإنسان والمجتمع الكردي، مما أدى إلى حدوث نوع من الاغتراب، فتصلب النظام حيال القضية الكردية لا يخدم مصالح البلد، بل يؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع السوري، وكذلك يضر بالوحدة الوطنية، بطريقة دراماتيكية، ويزيد من عزلة سوريا دولياً، فأساس الاستقرار والتقدم والازدهار هو ترميم البيت السوري من الداخل، وإيجاد حلول ناجعة للقضايا العالقة، وخاصة قضية مهمة بحجم وعدالة القضية الكردية، والتي لم تعد سياسة الإنكار والتذويب تجدي نفعاً أمام إصرار الشعب الكردي في المطالبة بحقوقه القومية العادلة من جهة، وتنامي ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية وحق الأمم في تقرير مصيرها وفق العهود والمواثيق الدولية من جهة أخرى، فالقوة الحقيقية والمستديمة تأتي من قوة الداخل المعافى في وجه كل التحديات مهما بلغت، لا من تكتيكات آنية، الهدف منها مقايضة الخارج على حساب الداخل؟!.

*
نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 184 آب 2010 م  / 2622 K Tebax 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…