ثمة من يقول إن اليمين واليسار المتشدد أو اليسار المتطرف يلتقيان، نقول هذا قد يكون صحيحا في بعض المحطات التاريخية، أو في بعض المواقف السياسية، ولكن ليس للآخر ولا بد لهما أن يفترقا، فلا يمكن لليسار أن يكمل المشوار مع اليمين لما بينهما من اختلاف في القيم والمبادئ وأيضا في الأهداف والغايات..
نعود فنقول الخصوم كثيرون، وهم آتون من جهات عديدة ومواقع سياسية مختلفة، ونقدهم فيه شيء من المكر، فمنهم من يقول إن الشيوعية كمبدأ جيد لكن، فيها أناس سيؤون، وهذه الحقيقة يراد بها باطل، وثمة من يقول عكس ذلك أي الشيوعية سيئة لكن فيها أناس جيدون، وأصحاب كلا الموقفين يهاجمون الأحزاب الشيوعية ولهم غاياتهم من وراء هذا التهجم، أو نفاد صبرهم حيال مسائل وإشكالات طارئة، وأحيانا عديدة يكون التهجم من هنا وهناك، من المحكوم كما هو من الحاكم ربما لنفاد صبرهم السياسي، وضعف قراءاتهم للواقع، أو قصر نظرهم كما قلنا قبل قليل، فلماذا يا ترى..!
الشيوعيون كما هو معلوم يهتدون بالماركسية، وينطلقون من المبدأ الذي يقول:(التحليل الملموس للواقع الملموس) وهم ليسوا كأصحاب عقائد دينية (رفعت الأقلام وجفت الصحف) فالماركسية بنت واقع يختلف عن واقعنا، فقد جاء ميلادها في زمن غير زماننا، وفي مكان غير مكاننا..
جرّاء كل ذلك فقد كانت أشكال النضال مختلفة من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، أي بعبارة أوضح كانت التعددية في النضال السياسي من قبل اليسار عموما قائما، وهذا ما أشرت إليه في مقالة سابقة، وكان قد سبقني إلى الفكرة ذاتها آخرون عن (التعددية في الماركسية)، فالماركسية كما هو معلوم جاء ميلادها في أوربا الغربية، وكانت طرائق النضال والعمل تختلف من حيث مسقط رأسها في أوربا الغربية إلى النضال في روسيا أو في الصين ناهيك عن العالم الثالث ومنها منطقة الشرق الأوسط من حيث التراث التاريخي والوعي الاجتماعي والدين وطبيعة من يحكمون، هذه حقيقة ينبغي ألا يتغافلها أحد، ففي المجتمعات المتخلفة عادة ما تمارس السياسة فيها بشكل متخلف، ففي بعض الدول ترى فيها أكثر من قومية ودين وطائفة ومذهب، مازالت لها سيطرة أكيدة على أذهان شعوبها، فالفرد في هكذا أجواء حتى لو أصبح شيوعيا، فمن المستحيل أن يتحرر من موروث هذه الانتماءات، إما من ناحية الاستعلاء أو حتى الشعور بالنقص أو الإجحاف بحقه أو الدونية، فضلا عن أشكال ممارسة النظام أي نظام لإدارة السلطة، أو لإدارة هذه النعرات، والمبدأ المعروف (فرّقْ تسدْ) ولهذا فالشيوعي بالتالي ابن هكذا واقع فلا يشذّ عن هذه المؤثرات والتلوينات، حتى لو جاء سعيه لتحقيق ذلك فأثره أو تأثيره يبقى قليلا..فالشيوعي الكوردي لا يمكن أن يفكر مثل الشيوعي العربي في دولة واحدة فلسوف يختلفون في مسائل عديدة وإن لم يجهروا بها بسبب خلفية انتماءاتهم القومية،ومثلها في أيران وتركيا وفي الهند فالشيوعي الهندوسي غير الشيوعي المسلم في نظرته وتطلعاته، وبالتالي ينعكس ذلك على طرائق نضاله..
وفي هذه الثناءيات كلاهما قد يتحمس لقوميته أكثر، وربما برزت هناك حالات عكس ذلك، فقد يتظاهر بينهم من يتبجح بالكوسموبولوتية
ترى الشيوعي هنا في حيرة تشده انتماءات عديدة ليس من السهل التحرر منها بسهولة..
ربما لا نلمس مثل هذه الظاهرة أو بهذا الشكل من الحدة لدى الدول الرأسمالية المتحضرة، لأن مثل هذه الظواهر التاريخية لا بد لها أن تختفي في يوم من الأيام، فهي لم تكن موجودة منذ الأزل ولن تبقى بالتالي إلى الأبد..