مرشد ابن الشيخ معشوق الخزنوي
نائب رئيس مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية
[إن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون.
الأنبياء: 92]
[واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.
آل عمران: 103]
مثل الأمة الكردية كمثل دار واسعة الأرجاء، شامخة البنيان، فيها من المنافع ما يناسب ساكنيها على اختلاف مستوياتهم الفكرية ودرجاتهم العمرية، يجمعهم هذا المكان الموحد لهم من الشتات والضياع ( كردستان ) وليس على وجه البسيطة أمة كمثل الأمة الكردية لها مقومات التجمع والوحدة والوفاق والتعاون والتنسيق، التطلعات واحدة، والانتماء واحد، والوجود يفرض وحدة المسار والمصير وان اختلفت الاديان والعقائد لدى ابنائها والكرد اليوم بحاجة إلى الوقوف صفاً كأنهم بنيان مرصوص أكثر من أي وقت مضى، فالتحديات جسيمة، والعقبات المعرقلة مدروسة؛ تهدف إلى إفناء ما يتصل بالتراث والثقافة الكردية ، وزعزعة الاستقرار في بلاد الكرد باستخدام أسلوب: نهب الثروات المعلن والضمني، وإضعاف البنية الاقتصادية التحتية، والتشكيك في القدرات والإرادة واثارة النعرات بين ابنائها وافشاء ثقافة التخوين لدى افرادها ومن أعجب العجب أن يتحد أعداء الكورد ضد أي تحرك كردي ويعقدون لذلك الاجتماعات الدورية ؛ رغم عدم اجتماعهم على عقيدة واحدة صحيحة، ولا تربطهم قوة إيمانية صادقة،ولا قومية ولا لغة واحدة وتثقل كاهلهم الخلافات الكبيرة والعريضة !!؟
ولأجل الوقوف في وجه هذه المخططات لا بد من لم شمل الكرد واتحاد قبضتهم انقاذا لما يمكن انقاذه من هذه الوحدة التي حاول العدو بكل ما أوتي من قوة لتمزيقه وأولى خطوات هذا الانقاذ هو التقريب بين وجهات النظر المختلفة تعريف التقريب هوأن تتحد الحركة السياسية على أصول واهداف بني شعبها ، وأن يعذر بعضهم بعضاً في الطريقة والوسيلة التي يرونها مناسبة لنيل تلك الحقوق ؛ ما دامت تحتمل ولا تخرج في اطارها العام عن طموحات بني شعبها ، وهو دعوة إلى التعاون على البر لإصلاح أحوال الاكراد بناء على الاخوة التي حباهم الله بها فالتقريب وسيلة لجمع الشمل ورأب الصدع وتبادل حسن الظن، ومنح التقدير للآخر؛ صيانة لوحدة الاخوة والحركة الكردية والقاعدة العقائدية عند علماء الشريعة الاسلامية تقول: لا كفر مع التأويل، ولو خرق الإجماع وليس المراد من التقريب هو مزج الآراء، ودمج الأفكار، واتحاد الاحزاب والحركات ؛ إذ ليس لأحد ـ مهما بلغ ـ أن يحجر على غيره في الفكر والفهم
غايات التقريب توحيد الجهود وتعارف الاكراد على بعضهم واستشعار الاخوة وإزالة كل شكل من اشكال ثقافة التخوين ، وأول ما يجب يجب على السياسيين والمثقفين و العلماء؛ من خلال الدراسة والنظر في فكر الآخرين من خلال سعة الافق والتسامح أهمية التقريب لا شك بأن العدو يريد اجتثاث الأمة الكردية ؛ جذوراً وتاريخاً وثقافة، ومُشَاهَد أن سياسة العدو لا تفرق بين كردي وآخر لا بناء على انتمائه الحزبي السياسي ولا حتى الديني واليوم وفي ظل المتغيرات الدولية العالمية، وبدافع من اخلاص وعمل كل واحد منا
لاستعادة حقوقنا المغتصبة؛ فإن الحركة السياسية الكردية ومثقفيها مطالبون وبإلحاح بالعمل الإيجابي مع الاكراد شعبا على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم السياسية والفكرية وإن الحوار و اللقاءات الاخوية البعيدة عن الاحكام المسبقة لهي أفضل السبل في مواجهة تنامي الدعوات الشاذة الداعية إلى الشقاق والنـزاع التي يحاول أعداء الاكراد بثها فيما بينهم لذا فالقاءات الحوارية، والشفافية والوضوح في الرؤية هي الطريق الأنسب، وهذا مستفاد من تجارب الأمس، وآلام اليوم، وتوقعات المستقبل و المسؤولية في الوحدة تقع على عاتق أولياء الأمر من الكرد، وهم السياسيون و العلماء وقادة الفكر؛ حيث تقع عليهم المسؤولية، وهم محاسبون أمام الله عزَّ وجلَّ وامام شعوبهم عن تحقيق هذا الهدف الأسمى؛ فلنتق الله فلا نطبع بطابع الجمود، ولا يخيم علينا الهوى، وتتحكم فينا الشهوات السياسية
الأسس الفكرية والعلمية للتقريب بين الحركة
إلى أسبابه ، ومقدماته ، ونتائجه فالاختلاف والتفرق هما الداء ، ولاتتعدى أسبابهما أحد إطارين هما الأسباب الفكرية المتمثلة في الاختلاف في المنهج والاجتهاد بين كل حزب من الاحزاب أما الإطار الثاني فهو الأسباب الأخلاقية التي لايمكن إغفال تأثيرها في نشر بذور الاختلاف والفرقة ، وتتمثل هذه الأسباب عموماً في الغرور وسوء الظن بالآخرين ، مما يجعل الإنسان يظن بأنه على الحق وماسواه على باطل ، وأمر آخر وهو حب الذات والزعامة ..
وينبثق عن هذه الأمراض الأخلاقية مرض أخطر ، وهو التعصب المقيت لشخص أو حزب ، وطبعاً فإن التعصب هو انحياز أعمى لايستند إلى أسس صحيحة ولا إلى أسباب موضوعية هذا عن الداء ، فماذا عن الدواء ؟
إن الدواء وسيلة ذات شقين أحدهما وقائي والآخر علاجي ، ولعلهما يندمجان في بعض الأحيان ، فيصبحان وقاية وعلاجاً في آن معاً ، وهذا مايمكن أن نعبر عنه بالأسس والمبادئ التي ينبغي أن تقوم عليها دعوة التقريب بين الحركة السياسية .
ونبدأ بأهم الأسس الفكرية
• التأكيد على الهدف الاول في النضال وهو ان الكرد يعيشون على ارضهم التاريخية وليسوا وافدين
• نقاط الوحدة والاتفاق أكثر من نقاط التفرق والشقاق
• أساس الاختلافات العملية بين الحركة طلب الحق
• إبقاء الاجتهادات في إطارها الفكري
عوامل نجاح التقريب بين الحركة السياسية
1- جعل إرادة الشعب الكردي دستورا ، واعتباره العنصر الرئيس في أسس أي لقاء، وجعله الحاكم في القضايا كلها
2- إقامة التقريب بين الحركة على أساس فكري رصين؛ بعيداً عن العواطف أو ردات الفعل الآنية؛ لأن ما يقوم على أسس فكرية يبقى ويستمر، وما يقوم على الظروف الزمانية يفنى ويضمحل
3- جعل التقريب قائماً على أساس التعاون الجماعي والاجتماعي؛ بعيداً عن السياسات المتقلبة، أو الانحياز إلى نظام سياسي معين هنا أو هناك، فالأنظمة السياسية لا تدوم، والعمل الجماعي يدوم
4- حسن النية وسلامة الطوية؛ وذلك بتبني المقاصد لتحقيق الأهداف، وترك الحديث في التفصيلات والجزئيات
5- الاهتمام بإبرز النقاط المشتركة بين الاحزاب، والحديث دائماً عن نقاط التلاقي؛ وبخاصة مع العامة، وتوجيههم إلى أهمية الوحدة الكردية ، وإشاعة ثقافة التقريب، وتضافر الجهود لذلك، وترك الجدل
6- التأكيد على أن الاختلاف بين اطراف الحركة السياسية الكردية هو اختلاف خطأ وصواب، وليس اختلاف عمالة واخلاص وتخوين او عدمه
7- عدم تضخيم مسائل الخلاف، وتحويلها إلى منازعات تشاحنية، وخصومات تنافرية، تنسي مقومات الوحدة وعوامل الوفاق، مع أن نقاط التلاقي والاتفاق أكثر بكثير من نقاط الخصام والتفرق
8- التخلص من عقدة كمال الصحة المطلقة، وعقدة الوصاية على الكرد ، فما تحمله حق وصواب يحتمل الخطأ، وما أحمله حق وصواب يحتمل الخطأ، قال تعالى: [وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين]
9- تقدير الرأي والرأي الآخر واحترامهما؛ لضرورتهما وأهميتهما عند الحوار، وحين تبادل الرأي
10- التجرد عن الأحكام المسبقة المبينة على الظن لدى أطراف الحركة، فالعمل لا بد أن يكون قائماً على اليقين، وليس على الوهم والظن والشك
11- الانشغال بهموم الأمة الكبرى إن التفات اتباع الاحزاب لخصوماتهم الداخلية ، ونزاعاتهم ، واختلافاتهم ، حجبتهم عن الانشغال بأعدائهم والأخطار التي تحيق بهم من كل جانب ، أخطار سياسية ، عسكرية، اقتصادية … فصاروا بذلك في أواخر الركب والكردي الواعي المثقف يعلم حق العلم أن الجهد كل الجهد ينبغي أن ينفق في سبيل حل مشكلات الأمة الكردية ، والقضاء على الأخطار المحيطة بها ولايغيب هذا المعنى الدقيق إلا عن الدهماء والجهلاء ، ويتعامى عنه المغرضون ، ذلك لأنهم – بقصد أو بدون قصد – يجهلون الأولويات الغائب عن ساحة الفكر السياسي المعاصر إن الانشغال بهموم الأمة الكبرى يجعل الاكراد أمة واحدة على قلب رجل واحد ، أملهم واحد ، وألمهم واحد ، ولامجال في مثل هذا المجتمع للترهات.
هذه أهم الأسس الفكرية للتقارب ، و إن طبيعة الظروف والمرحلة التي نمر بها تتطلب من الجميع التفكر الجاد في بلورة وصياغة مشروع يعزز الوحدة الكردية إجتماعيا وسياسيا من خلال ثوابت سبق الحديث عنها نعمل جميعا كل من موقعه على تعزيزها وحمايتها
وعندما نتأمل المشهد السياسي بكل مستوياته نكتشف إن الصراعات والنزاعات الدائمة لا تنشأ بسبب وجود الاختلاف والتنوع وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها والحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان من النوافذ الأساسية لصناعة المشتركات التي لا تنهض حياة اجتماعية سوية بدونها وعليه فالحوار لا يدعوا المغاير والمختلف إلى مغادرة موقعه الثقافي والسياسي وإنما هو لإكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها والانطلاق منها مجددا ومعا وكما اشرت في مقالة سابقة فنحن اليوم بحاجة إلى ( أمن قومي كردي ) أكثر من أي فترة مضت والأمن القومي الكردي يعني – حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية –
وعليه فان الحوار بكل مستوياته هو ضرورة لنا جميعا كي نصل إلى حوار بعيدا عن المسبقات الفكرية أو الموافق الجاهزة ونحن بحاجة إلى التغلب على الأهواء والنوازع الضيقة والانعتاق من كل أشكال التعصب الأعمى للذات والسعي الحثيث نحو الاقتراب من الآخر ومحاولة فهمه بشكل مباشر وذلك من اجل ان يكون الحوار بين الكرد هو الأصل الذي لانحيد عنه مهما كانت النوازع ومهما كانت المشكلات التي تحول دون ذلك وأضع هنا بعض التوصيات ، وكلي أمل أن تواتي الفرصة المناسبة لترى هذه التوصيات
طريق النور :
أولاً : عقد مؤتمر كردي يكون شعاره : {ولاتقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} واقصد من هذا الشعار كف اطلاق التخوين
ثانياً : دعوة مندوبين من كافة اطراف الحركة السياسية الكردية للمشاركة فيه من الذين يرغبون في الدخول في رسالة التقريب ، وإزالة مابينهم من حواجز.
ثالثاً : يقوم هذا المؤتمر بوضع ميثاق للتقريب والتوحيد يتضمن المبادئ والوسائل ،ومن هذه الوسائل :
ـ إصدار مجلة تشرف عليها لجنة متخصصة ، تعتني بموضوعات التقريب والتوحيد.
ـ إقامة مؤتمرات تخصصية وندوات جماهيرية إعلامية لمعالجة التفريق ، ودعم التقريب والتوحيد.
ـ إقامة المخيمات السنوية لطلبة الجامعات والشباب تحت إشراف علماء ومفكرين متنورين متخصصين للتعارف وإزالة حواجز الوهم بين أبناء الأمة الكردية الواحدة.
وفي الختام أسأل الله أن يبارك هذا السعي النبيل ، وأن يحقق المقاصد المأمولة ، وأن يكلل جهود كل العاملين المخلصين بالنجاح والتوفيق ، ولاعدمت الأمة صوتاً دعا إلى الوحدة ، أو ساهم في التقارب والتحابب ، فذاك هو صوت الإيمان ، وتلك هي دعوة
الخير والفلاح.
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، وستردون إلىعالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
نائب رئيس مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية