لو لم يقل الناس عني : أن هذا الملا قد جُنَّ ، ولولا الذنب الذي سأرتكبه عند الله جل وعلا ….
لما توجهت للقبلة بصلاة واحدة بعد اليوم !!!
قالها إمام وعالم كبير في مجلس كنت حاضراً فيه ، هدّأه الحاضرون ، وصديقه الملا المرافق له بشكل خاص ، فردَّ باكياً ، غاضباً : يا سَيْدا ألا ترى ما يفعله المجرم صدّام حسين بإخوتنا الكرد من قتل وتنكيل باسم سورة كريمة من القرآن الكريم ؟!! والمسلمون يتفرجون ، والعرب يصفقون له ، ويمجدون مآثره !!!!
وسمعت في العام نفسه أن بعض الشبان المتحمسين هدّدوا إمام قرية قائلين له : ملا ..
أن تصلي لربك فأنت حرّ ، أما والله لوسمعناك تؤذن باللغة العربية لقتلناك !!!
هكذا أراد الداعية المجاهد صدام حسين !! ( والإسلام منه براء ) أن ينشر الإسلام ويدعو إليه بين الكرد ، الذين دخلوا الإسلام كشعب كبير طواعيةً ، فلم يسجل التاريخ معركة فاصلةً سوى بعض المناوشات هنا وهناك بين الفاتحين المسلمين وبين الكرد ، كما كانت بينهم وبين الفرس ( القادسية ) وبين الروم ( اليرموك ) مثلاً .
قامت مجموعة من مجرمي النظام العراقي السابق فخطّطُوا ونفّذُوا جريمة الأنفال وبقيادة المجرم النازي صدام حسين ، والتي ذهب ضحيتها 182 ألف مواطن كوردي بريء في عمليات الأنفال ، التي ابتدأت في 21 شباط / فبراير حتى 6 أيلول / سبتمبر من عام 1988 .
حيث تمّ في تلك الجريمة التي يندى لها ضمير الإنسانية تسوية قرى كردية كاملة مع الأرض ، وضرب المدنيين العزل بمختلف أسلحة الإبادة البشرية، ومن ضمنها السلاح الكيمياوي ، وتمّ نهبُ ممتلكاتهم ، كما تمّ بيع وتوزيع الأطفال والنساء لبعض الدّول المشاركة في الجريمة ، لا سيما قصّة الفتيات الكرد في مصر !!!
ودفن البعض من السُّكان وهم أحياء .
كل ذلك جرى بأوامر مباشرة من الدكتاتور صدام حسين ، وبتنفيذ الكوادر المجرمة ، والقادة العسكريين ، ورجال الأمن والمخابرات ، التي كانت تأتمر بأمره وتحمل نفس المبادئ في القتل والتدمير وعمليات الإبادة .
وهنا أودّ أن أذكِّر الكرد وغيرهم ، أن هذا السّكوت العربي والإسلامي ، كان يسبقه دعم أمريكي أوروبي منقطع النظير لهذا المجرم ، ولن يشفع قطعاً قضاؤُهم على صدام ، لتبرئتهم من هذه الجريمة النكراء …
ويؤيد كلامي هذا ما صرح به السيد يوست هلترمان ، الهولندي الذي يعيش في أمريكا ، ويعمل حالياً في منظمة (المجموعة الدولية للأزمات) وكان يعمل في عقد التسعينات في منظمة (مرصد حقوق الإنسان- هيومان رايتس ووتش).
كان مسؤولاً أثناء عمله هناك عن دراسة ملفّ جرائم الأنفال، وقاد محاولاتٍ لإجراء محاكمة دوليّة لنظام صدّام حسين بتهمة الإبادة، ولم يكتب لمحاولاته النجاح.
حيث قال : ( بعد الهجوم الكيمياوي على حلبجة صار الأكراد مذعورين، بحيث أنهم في كلّ عملية لاحقةٍ من عمليات الأنفال وبعد استخدامٍ للسلاح الكيمياوي في يومها الأول، يتركون بيوتهم ويتوجهون إلى الشوارع الرئيسية خارج القرى حيث تنتظرهم هناك القوات العراقية التي تقوم بنقلهم إلى معسكرات يجمعون فيها قبل تهجيرهم.
كثيرونَ يتمّ إعدامهم، من بينهم أطفال..
آخرون يـُحتجزون في أماكن أخرى، حتى صدور العفو العام سنة 1988: “رأيي هو أنّ هذا الأمر لم يكن ممكن الحدوث إلا لأنّ العراق تـُرك وشأنه ليستمرّ في استخدام الأسلحة الكيمياوية، تحديداً بسبب عدم انتقاده على ما فعله في حلبجة.
أما هجوم حلبجة نفسه فقد كان ممكناً لأنه لم يسبقه اي احتجاج حقيقيّ على استخدام السّلاح الكيمياوي ضدّ إيران أو ضدّ الأكراد.
أمريكا بشكل خاص، ولكن أيضاً كلّ مجلس الأمن، باستثناء الصين المحايدة، كانوا يقفون إلى جانب العراق، حتى الاتحاد السوفيتي، رغم الحرب الباردة.
كان عداؤهم لإيران أقوى من عدائهم للنظام العراقي.
الجميع كان يعرف ما الذي جرى في حلبجة، فقد قامت إيران بإرسال الصحفيين إلى هناك.
والجميع كان يعرف أيضاً بعمليات تهجير الأكراد، ما جرى هو في الحقيقة تكرارٌ لما حدث عام 1975، ولكن آنذاك تم تهجير الأكراد إلى المعسكرات ولم يتم إعدامهم جماعياً.
الشيء الوحيد الذي كان مجهولاً هو مواقع الإعدام.”
“الغرب شريك في الجريمة.
العراق استخدم ما بين عامي 1983 و 1988 وبشكل متزايد، الأسلحة الكيمياوية.
)
هذه المواقف لم يكن عجيباً أن تتّخذها الدول الأوروبية ولا حتى أمريكا ، لأنها تضع مصالحها فوق كل اعتبار ، فإذا ما التقت تلك المصالح ، تنقلب الموازين ، كما هو حاصل اليوم نوعاً ما ..
لكن الموقف العربي والإسلامي هو الأكثر إثارةً للجدل ، فالكرد لهم قواسم مشتركة مع العرب ، بحكم الجوار والدين والتاريخ المشترك ، وكذلك مع بقية الشعوب الإسلامية ، ويمكن لي ككردي أن أرجع سبب هذه المواقف للآتي :
1 – قلة الوعي الإسلامي ، وربط الحوادث بالشعارات ، والمواقف الحماسية دون النظر إلى عمق الأحداث ، وبالتالي سطحية النظرة السياسية عند المسلمين عامةً وعند القادة من الحركات الإسلامية أيضا بشكلٍ خاص ، وعدم المقدرة على الفصل بين ثوابت الوحدة الإسلامية ، وخصوصيات الشعوب وحقوقها …
2 – احتكار الحكومات العربية والإسلامية للإعلام المرئي والمسموع ، ووضعه بالكامل في خدمة الحكومة العراقية في حربها مع الكرد ، باستثناء موقف الإعلام السوري ، نتيجة الخلافات القائمة بين البلدين في تلك الفترة .
3 – إنعدام الإعلام الكردي ، وضعف الموجود ، وعدم تأييد العالم – إلا ما رحم ربك – للقضية الكردية .
والعرب حتى يسعوا إلى مسح هذه الصورة السوداء عن أنفسهم كشعب لا علاقة له بما حدث ، عليهم أن يعترفوا بالقصور تجاه هذا الشعب ، وتكرار ذلك أجيالاً ، جيلاً بعد جيل ..
حتى يعلم أطفال الكُرد أن هذه الجريمة لم يكن ليؤيدها عربي على وجه الأرض يوما من الأيام !! ولم يكن ليعتبروهم أنفالاً لا لله تعالى ، ولا للمجرمين من عباده .
أمّا إخوتي الأكراد :
فأقترح أن يكون هناك في كلّ عام أسبوعٌ كاملٌ يسمى ((أسبوع الأنفال)) ، وكلّ ما في المجتمع يكون في خدمة هذه الحادثة ، من إعلام ومؤتمرات وغيرها .