الكلام كثير و القافلة لا تسير

 أمين عمر

قد أخطأ من قال إن السكوت ابن المعادن الثمينة وفصيلته الذهب ، وأين كان يختبئ السكوت عندما كان الكلام الجميل يلمع ويرن كالذهب ولا يأبه للومٍ أو خجل ، فالسكوت ذَهَبَ مع الهراء ولم يعد ، لذا وجب علينا الرحمة بالذهب وإذا كان الكلام في موضعه الطبيعي ، قد تواضع في ترتيب التصنيف مع الفضة ، فإن كان الكلام الكثير من دون التزام وتنفيذ قد استقر في عالم التنك ، ويبقى الكلام القليل ، الحامل للدليل  ، فارضاً احترامه على البلاتين ووصيفه الذهب ، وكذلك القرارات والشعارات والتصاريح والكتابات وما هنالك من صنوف وأصناف ، تتناسب طردا مع القلة والقبول والظرف المناسب والمعقول وإمكانية التحقق والتحقيق لبلوغ الغايات و الأهداف ، وليس التحقيق الذي يتم بنصائح النهي بالمعروف أو بالكبل الرباعي و” وخود لأقلك يا منتوف”
 وكلما كانت الصادر و المطروح أقرب للواقع والحياة والمقبول ، كلما كان النجاح والربح متوقع وليس كما المعتاد وما  يطرح على البسطات ، من شعارات وأمشاط وكريمات أو ما يقدم من موائد بإسم الرب الرحمن ، من مكرمات وأطعمة، سُرق من الشعب وأعيد إليه كمكرمة وعطية وهبة من هبات النسيم من طرف جيب المعلم الغارق في النعيم .

  
الأفعال الحقيقية في سوريا تموت وتحيى في طور الأقوال ، إلا الخطط الخمسية المعادية للكرد ، للمهندس الجلاد طلب هلال ، مشيت قول وفعل على قدم وساق وكرباج .
الأفعال القولية تبدأ في مقاهي مدرسة الحكواتي والبيك ، حامل السيف أبو عنتر المقداد ابن الشداد ، وتمر بمجالس ثرثرة النسوان – هك وبك وا ويليه –  ومكاتب المسؤولين ” أسكوت بلا علاك” ، أو “ضحكنا شوي ولاك ” وينتهي بالجرائد والتلفاز ، ويا سلام على وزارة الإعلام ، فما قيل عن الديمقراطية والشفافية في سوريا ، يكفي لدمقرطة شرق أوسطين ، وعين الحسود فيها شوكتين ، وجعل البلد واضح وشفاف ولا ورق سكائر الحموي وزلال البيض والكريستال .


 أما الكلام عن معارض التآخي والتنوع والأطياف و الاثنيات فهي على أتم الوداد والوئام ، وتتجاوز صداقات الجن بالإنس ومن غير وساطة الشيخ كوكي الندمان أو الشيخ حسون بلبل السلطان ، إلى التآخي بين المسؤول والحاجب ، وجمعه الحُجَاب بعد البكاء على الحِجاب في فرنسا واستئناف مطاردته والنسوان المحجبات في نص الشام ، أما اللحمة والوطنية ، ففتح عينك وفمك ، وحدَث ولا حرج ، فهي متوفرة ومتأصلة في كل متجر سياسي ومركز تجاري وإعلامي ، ودكاكين اللحمة الوطنية تملأ الشوارع من دون رقابة وتفتيش إلا من حراسه، “الدبان”، وفي أيام غلاء الأعلاف ، سنين الجفاف ، صارت لحمة الغنم الوطنية أرخص من الفجل المهرب ، وتكفي لإشباع الحوت الأبيض ، المستنسخ من مسؤول يعاني من  قلب وضمير اسود ، وما قيل عن السماد الوطني و بذار الوطنية ومفعوله لنمو الاقتصاد السوري يظهر بوضوح و”هات أيدك والحقني”  فالأعشاب المحلية الضارة غطت البلد والبلدان الإقليمية وكان التحصيل الحاصل ، تحسين دخل المواطن السوري ، والحبل عـ الجرار،
لذا فالمستوى المعيشي الهاي لايف، كان من أسباب ندم الرئيس أوباما على سن ورمح ، لإقدامه على اللجوء إلى أمريكا وفوت من بين يديه ، فيزا للمونديال السوري .

فكما هو ظاهر للعيان والمرضان والنعسان ، فالمنشآت تملأ البلد والمنشآت الصناعية والمعامل في القامشلي كمثال، تزيد عن إنشائيات بثينة شعبان في جريدة الشرق الأوسط عن التقدم والحكمة والسياسة الحكيمة و العمران ولا زمان عدنان عمران ، مثلها ، مثل  إنشائيات السيد أوجلان عن تحرير كرد وكردستان وحيث في أخر الزمان أصبحت إنجازات إقليم كردستان ، المحرر، عقبة وخنجر في خاصرة الديمقراطية لبني كمال وعثمان وأن شيخ التاريخ ، البطل ، الشيخ سعيد بيران الذي تحدى المشانق مرفوع الرأس وحسب المعلومات التاريخية للقائد ، فقد كان الشيخ ، جاهل  ومتمرد وعميل وافترى على المتحضر الديمقراطي كمال الذي كان ، ربما ، يدعى كمال كاكا كرد ، قبل ما يلقب بـ كمال أتاتورك ، فهل يحق لقائد قسم من الشعب الكردي ، تشويه تاريخ المناضلين والأبطال.
في سوريا نبحث ككرد، عن أي أنجاز حققه الوطن فلا نجد سوى الكلام ، نبحث ، فنجد  سوريا لم تتم  بعد بناء كلمة الوطن ، ولا زال مئات الألوف من السوريين بلا وطن ولا هوية ، نبحث عن أي مكسب للكرد في سوريا ، ككرد أو كمواطنين سوريين فلا نجد حتى الكلام ، لا نجد إلا القهر والظلم ، ويوم بعد يوم ياريت بأيام زمان ، وماذا تفيد أطنان كلام الأحزاب الكردية مع قيلولة والفعل القليل في مواجهة تصعيد كبير، ولكن وللتاريخ وكي لا نبخس تلك الأحزاب كل فضائلها ، فلولها ، لما بقي الحس القومي لدى الكرد السوريين ، نصف ما تبقى ، ورغم الأمراض المزمنة للعديد من قادتها فهي كانت واقعية والمطالب ولم تطرح شعارات اكبر من حجمها إلا مؤخراً قبل شهور وأيام ، وإن كانت فشلت في برامجها القليلة ولكن يبقى أفضل ما فعلته ، الحفاظ على الشعب الكردي من الانصهار وهذا بحد ذاته إنجاز في ظل سلطة ، كسلطة البعث ، فثلاثين مليون كردي في تركيا لم يستطيعوا الحفاظ على لغتهم وكرديتهم  كما الكرد السوريين ، فلا يأخذوك العجب والهول إلى عجائب مصر أبو الهول ، أن ما يفوق ملايين الكرد في تركيا يخجلون التحدث بالكردية ويرونها إنتقاصاً لثقافتهم وتطورهم .
هل يستطيع حيٌ يُرزق تعداد قوانين وشعارات حكومتنا الموقرة منذ أربعة عقود ، والمحصلة هي دائماً البناء والتمجيد والانتصارات ، أما كيف يتم البناء فهذه القصة لا يسبر غور أسرارها وخصوصية نسجها وحبكتها ، لا النقاد ولا الحساد، فالكل يعرف إن المرسوم 49 يمنع البناء ويقتل الحياة ونظرة إلى تلك الأرياف تذكرنا بمعالم توربورا وناطحات السحاب من حضارة طالبان، أما قصص الانتصارات والقضاء على الفساد المستوحاة من ليال وحكايات ألف سارق ونصاب ، فيكفي نظرة إلى الحلقة الأخيرة من مسلسل، ترتيب دول العالم من حيث التطور والحريات ، وسترى انتصاراتنا كيف وضعت بلدنا  في مؤخرة الحلقة الأخيرة ، و لاشك إنه إنتصار واضح وشفاف ، والانتصارات المبينة على الورق واللسان لن ترى النور على ارض الواقع ولا في الأحلام .
وفي هذه الانتصارات لا مهزوم إلا الشعب ، وفي كل عرس وطني وانتصار مُتلفز ، نجد هناك سيناريو و مهرجان مصائب بإنتظار هذا البلد ، ومن دون عزاء لهذا الشعب .
الكلام والاحتفال بالانتصارات لا تتنهي ،هذه الشعوب تحتفل منذ ألف عام بانتصاراتها وأصبح مبرر فشلها ولا تجد عزائها إلا بإستعادة الأمجاد و الحديث عن الأيام الخوالي والتاريخ المُذهَب منذ ألفية على أقل تقدير .
الكلام والكتابة والنقد للحركة الكردية السورية تتجاوز ما هو موجود على الساحة الكردية بمائة ضعف ، مما هو قائم ومبني ومتماسك ، وبأحسن الأحوال لا يصمد المشيد أمام صفحتين نقد حقيقي من القطع الوسط ، فالبناء صعب وقليل والنقد الحالي سهل وكثير ، قد تتلخص بوضع مصلحة الشعب الكردي فوق أي اعتبار والتكاتف من الجميع والبناء على أسس علمية قابلة للاستمرار حسب الإمكانيات الموجودة ، والشعور الحقيقي بالانتماء لأمة تعاني من الاضطهاد والحرمان والاستعداد للتضحية بالشهرة والأموال.
الأقوال لا تغني عن الأفعال، والنكرة لا تحل مكان المعرفة في الملاعب والسياسة والإعراب ، فهل سنكون قليلي الكلام وكثيرو الفعل، وهل سيأتي يوم سننفذ نصف ما نقول ، وما الفرق بين الساكت و الخرسان وبين الكلام “المرشوش” بدون تفكير وحكمة وإمعان و نيالك يا رايق ويا فهمان وما هيك تبنى الاوطان .


Amin.74@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…