كيفَ نفهمُ الحرّية ضمن حدود الحبّ؟! ( الحلقة الثالثة)

نارين عمر

مرّة أخرى نشدُّ الرّحال, لنمتطي صهوة الفكر بحثاً عن فهمٍ حقيقيّ للحرّية التي من المفترض أن ننعمَ في حضنها, لنلتقط لواقعنا صورة جديدة نعرضها والصّورة التي استوقفتنا هذه المرّة تعبّرُ عن الحدود التي نسمحُ فيها للآخر بممارسةِ طقوسه ومذاهبه, وضمن حدود الحرّية التي نفهمها ونمارسها.
الحبّ الذي نتفقُ جميعنا على تعريفه بأنّه/ عصبُ الحياة الذي يحيي الحياة ووتين الوجود الذي إذا انقطعَ, أو أصابه الوَهَنُ انهار الوجود وتهاوت قواه/ .

وهو قبل كلّ شيء النّبض الذي به تحيا ديمومةُ المبادئ والأخلاق وتستمرّ والسّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هنا هو:
هل مفهومنا النّظري للحبّ يتطابقُ مع مفهومنا العمليّ أو الواقعي له؟ وهل حدود الحبّ التي نسمحُ لأنفسنا بممارسة طقوسنا ضمنها, هي نفسها التي نسمح للآخرين وخاصة مَنْ هم في حمانا, أو تحت وصايتنا المباشرة وغير المباشرة بالولوج فيها وممارسة طقوسهم كما يشاءُ هم لا كما نشاء /نحنُ/؟؟
مثلاً: منذ أن يعي الطفلُ يستمعُ إلى والديه وهما يرويان قصّة حبّهما  التي صارتْ حدثاً أرّخه التاريخ بكلّ أبعاده,أو عن معاناتهما في حبّهما الذي قُدّرَ له العيش في الظلمةِ الحالكة خوفاً من عقاب الآخر.أو تسألُ الابنةُ والدها عن سرّ تعلقه بها دون سواها من إخوتها؟! فيردّ عليها بحسرةٍ منطلقةٍ من زفرةٍ عميقةٍ تختلط فيها أنفاسُ الشّهيق بالزّفير:
آهٍ يا بنتي ما أصعبَ سؤالكِ على نفسي وما ألذه في نفس الوقت, سرّ حبّي لكِ يا بنيّتي يكمنُ في اسمكِ الذي يذكرّني بحبّي الأوّل وعشقي الحقيقيّ والذي كاد أن يوصلني إلى حدود الجنون, غيظاً من القدر الذي كان لنا بالمرصاد.
فيشبّ هذا الطفلُ متجاوزاً الزّمن الممتدّ بين الطفولةِ والشّبابِ مروراً بالصّبا لتنسجَ خلجاتُ نبضه خلال هذه المدة عشرات القصص والحكايات, يكون في جميعها هو البطل, ونصفه الآخر المنتظر البطلة.

بعد معاركَ لذيذة وعذبة تخوضها كلّ شرايين حسّه في ميادين العشق والغرام يستقرّ على مَنْ تختارها هذه الخلايا فيجد نفسه الفارس الذي لا يُشقّ له غبار, ولكنّه يُفاجَأ فيما بعدُ بما لم يكن في الحسبان!!يواجه معارضة ضارية من الشّخصين اللذين تحوّلا في نظر قلبه وفكره إلى أعلى وأسمى مثلين له في الحبّ النبيل, والإحساس الصّادق, اللذين كانا يفتخران بعراكهما العنيف مع الأهل, بل مع العالم كله من أجل انتصار حبهما ليتحوّلا إلى أشدّ المعارضين لحبّ ولدهما لا لشيء, بل لأنّهما يعتقدان ومن ثمّ يجزمان بعدم شرعية هذا الحبّ , فهي لاتليق بولدهما, ولا بأهله وعشيرته, وحينما يُواجهان بحقيقةِ عنترياتهما يجيبان على الفور:
كنا واعيين حينها, ومخلصين في حبّنا, وحافظنا على أنفسنا من الوقوع في الخطأ أمّا اليوم فقد تغيّر الزّمنُ وتغيّرت معه كلّ موجودات الكون؟ ولأنّك تنتمي إلى هذا الزّمن فإنّك غرّ وجاهل لا تعرفُ مصلحتك, وغداً حينما تصحو من أضغاثِ أحلامك ستتفهمُ قصدنا.
والأمرُ نفسه ينطبقُ على الحصار الذي نفرضه على حرّية الآخرين, وخاصة مَنْ هم في حمانا: ففي الوقتِ الذي نتكلمُ فيه إلى حدود الثرثرة, نملي على الآخرين حكمتنا المفضلة/ إذا كان الكلام من فضة, فالسّكوت من ذهب/ وفي الوقت الذي نتدخل في شؤون  الآخرين العامّة والخاصة, ننصحُ الآخرين بقبح التدخل في شؤون الغير, وبينما ننعتُ الآخرين بكلّ ما يبدعه فكرنا وضميرنا من نعوت السّلب والنهب, نعظ الآخرين بالنتائج الوخيمة التي يجنيها النمّامُ والمغتب والواش, إذاً فالحرّية التي نفهمها هنا هي ونحاولُ أن نؤكد على صحّتها ومصداقيتها ومعروفٌ عنا كبشر إعجابُ كلّ منا بشخصه وفكره وصدق نيته, وإنكار ما عند الآخرين.
إذا كانت العاطفة بكلّ ما تحملُ من مشاعر وأحاسيس وهيجان تخضعُ لقانون حرّيتنا المتلوّن ,المتغيّر, الرّافض لمبدأ السّكون والثبات؟! فكيف لنا أن نولد عشّاقاً ومحبّين سليمي البنية والنية؟؟!!وكأنّنا لانتعظ من تجاربنا, أو كأنّ التاريخَ عندنا يدور في عمليةٍ تراجعيّةٍ دائماً.

فيعيدُ نفسه بمشيئتنا التي نجعلُ منها جواز سفر دائمَ التأشيرة نلجُ من خلاله محراب الحلال والحرام, والممنوع والمسموح به ويظلّ الكبير أو المعيلُ, أو وليّ الأمر فينا, أو من في حكمهم, يظلّ يحرّكُ دولاب التاريخ نحو الخلفِ ليبرهن على صدق نظريته وبراهينه, متناسيّاً/ عن قصدٍ على ما أظنّ/ المآسي  والنوائب التي حلتْ به في تلك الحقبة المنزوية في إحدى زوايا ذلك التاريخ, وكأنّه يريدُ أنْ ينتقمَ لنفسه ممّنْ هم أضعفُ منه الآن, بعدما فشلَ الثأر لكبريائه ممَّنْ كانوا أقوى منه من قبل…

 

ومازال للحديث بقيّة…..

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…