إلى من لا يهمّهُ الأمر(2) … مخبز ديريك المركزي

غولدَم ميدي
 
 النساءُ يتدافعن في التباشير الأولى من الصباح  للحصول على الخبز المقمَّر في الشقّ الأول من النهار من دكان ( أم جهاد ) التي تكون في صراع ٍ دائم ٍ ومستمرٍ مع موزّعي الخبز حول رداءة الخبز الذي يتفتـّت قبل انتهاء يومهِ؛ ومن ثمّ يقمن تلك النسوة باصطحاب ذاك الخبز (المميّز) إلى البيت بعد الحصول عليه بشق النفس، يتفحّصنهُ ويضطررنَ ـ للأسف ـ إلى رمي ثلثهِ بسبب فواح رائحة الخميرة الحامضة منه وتراكم العجين النيئ الذي لم يستوِ في إحدى زواياه، فإن لم يتعرّض للرمي فإنّه يُعطى للهررة التي لا تتذوقهُ بل تنفر منه، كونها تميّز الطعم الرديء من الجيّد أكثر من الإنسان!! 

( ديريك) تقع في منطقة زراعيّة في محافظة الحسكة وهي تعتمد في جُلّ مواردها الغذائيّة الأساسيّة على القمح والشعير والبقول؛ فكيف يكون خبزها رديئاً وسيّئاً وأقلّ جودة ً إلى هذه الدرجة مقارنة ً بباقي المناطق الأخرى من محافظات القطر السوري؟
  فالخبز السياحي ( الذي يُصنع في مخابز خاصّة) في المحافظات الأخرى يكون غير مرغوب به كونه لا يفوق الخبز الذي يُصنع في المخابز المركزيّة العامة من حيث طعمه وجودته والمواد الداخلة في تركيبه، بينما تراه ( أي الخبز السياحي) مرغوباً به ـ رغم
 سيّئاته ـ في ” ديريك ” بالمقارنة مع الخبز المركزي الذي تفوق عِلله كلّ التقديرات، فيغدو تناول الخبز السياحي ترفاً ورفاهية ً في الحين الذي لا يتناوله أيّ مواطن آخرـ في بقيّة المحافظات ـ إلا مُكرهاً عندما لا يتوافر الخبز العادي لديهِ.


 فإن لم يشعر المواطن بكرامته وهو يمضغ لقمة خبزه،  فكيف سيكون قادراً على الإنتاج والإتيان بما يدرّ عليه وعلى أولاده وعلى وطنه بالفائدة والمنفعة ؟؟!!      
 والأسئلة الجوهريّة التي ينبغي أن تـُفرد وتُبسط على طاولة النقاش هي:
 ـ هل يمكن أن تكون كميات الطحين والمواد الأخرى التي يحصل عليها مخبز ديريك لصنع الخبز أقل من احتياجاتها المطلوبة حتى يغدو الخبز سيئاً إلى هذه الدرجة؟ وإن لم يكن كذلك فأين تذهبُ أكياس الطحين التي تعجّ بها مخازنُ المخبز؟؟!!
 ـ لماذا يختلف الخبز الذي يُساقُ (بأمرٍ من مدير المخبز) إلى منازل المسؤولين والمتنفـّذين في المنطقة (الأمناء على لقمة الشعب ) عن الخبز الذي يحصل عليه  أيّ مواطن عادي؟؟!!
 ـ ألا يشعر مدير المخبز برداءة الخبز حين يأكله أم يختلف خبزه أيضاً عن خبز عامّة الشعبِ؟؟!!
 ـ هل من المعقول أن يكون مدير المخبز جاهلاً وغافلاً عمّا يحدث في دائرته التي لا يدبُّ فيها دابة ٌ إلا بإذنه وبأمره وبإشارةٍ منهُ ؟؟!! 
  ـ لماذا تتغيّر نوعيّة الخبز نحو الأفضل (عند قدوم لجان التفتيش) عن باقي الأيام فيصبح مقمَّراً وأكثر جودة ً وأطيب طعماً ؟؟!!
 ـ  كيف يسكتُ هذا الشعب المغلوب على أمره والذي لا تسعِفهُ فِطنته على معرفة الحقيقة، عن هذا الإثم الذي يُرتكب بحقّه بشكل اعتباطي ؟
 ـ كيف يتغاضى كلُّ مواطن عن هذه الأخطاء المرتكبة بحقّ لقمته فيُلقي عبء مسؤوليّة الشكوى على الآخر الذي يهمل بدوره ذلك ويبرّئ نفسه أيضاً من المسؤوليّة؟؟!!
 ـ من المسؤول عن بـترِ هذه  الغرغرينا المتمثّلة بـأمثال ( مدير المخبز) الذي لا يهمّهُ  سوى إرضاء المسؤولين بإرسال الخبز الطازج إلى بيوتهم، أو السماح لبعض العناصر ” النافذة ” بأخذ أعداد من أكياس الخبز (مجاناً) لبيعها لصالحهم الخاص….

ويسمح المدير بذلك  ثمناً لإسكاتهم وغضِّ الطـَّرْفِ عن تصرفاته المُخزية، وامتداداً  لبقائه على كرسيه الذي سـئِم من تخمّره وهو جاثمٌ على صدره دون نضج؟؟!!
 ـ ما هي السبل الموضوعيّة والوسائل الناجعة التي ينبغي إتباعها لوضع حدٍّ لمثل هذه الانتهاكات الخطيرة التي تستوجب عدم التغاضي عنها أو إهمالها ؟
 ـ من عليه حقّ إتباع  تلك الوسائل الموضوعيّة للمصلحة العامّة دون المصلحة الشخصيّة ؟ الشعب أم أولو الشأن الذين يسكتون عن الحق ولا ينطقون به كمن سُدّت أفواههم ؟؟!!
  ولكن ينبغي أن نطلب من كلّ أطبّاء المنطقة المختصيّن بالأمراض الداخليّة، أن نطلب منهم ( فقط) بأن يتكلّموا و يتقدّموا بالشكر والامتنان إلى مدير المخبز لكونهِ يُـغدق عليهم بالمرضى المصابين بالأمراض المعويّة والهضميّة من جرّاء تناولهم هذا الخبز السيّئ.

فلا تخلو معظم عائلات المنطقة من مريضٍ يشكو من مشاكل في المعدة والأمعاء أو التهابات في القولون أو التهابٍ في المرارة  وما إلى ذلك من اضطراباتٍ هضميّة وداخليّة مزمنة، والفضل يعود إلى الخبز الذي ينتجه مدير مخبزنا العتيد.
  وذلك يدفعنا للتوقّف لبرهةٍ للبحث عن أجوبةٍ لأسئلةٍ أكثر إلحاحاً احتارَ في أمرها كلّ من لم يجد تفسيراً لسوء هذا الخبز الرديء الصنع:
 لـِمَن يعود أسباب هذا التسيّب؟ أهي عائدة ٌ لطيش مدير المخبز، أم لعدم خبرة العاملين وإهمالهم لصنع الرغيف اليومي، أم لضغط المتنفـّذين على مدير المخبز لتلبية طلباتهم المجّانيّة التي تؤدّي بدورها إلى نقص ٍ في كميّة الطحين الكافية لصنع الرغيف الناضج بدلاً من كتل العجين التي تُملأ بها أكياس الخبز حتّى يُسدَّ بها النقص الناجم عن ذاك التسيّب، أم الأسباب في جوهرها عائدة إلى جهل المواطن الراضخ لهذا القدر، أم عائدة إلى كلّ ذلك مجتمعة ً؟
 لماذا يغدو رغيفنا اليومي أشبه بسمكة همنغواي  الضخمة في روايته ” الشيخ والبحر” الذي اصطادها بطل الرواية من عرض البحر، وحين عاد بها إلى الشاطئ لم يتبقَّ من تلك السمكة إلا هيكلها العظمي لكثرة ما نهشت فيها أسماك القرش المفترسة الضاريّة ؟؟!!
 ولكن شتـّان ما بين بطل الرواية الذي صارع الموج للحفاظ على سمكته سالمة وبين مدير المخبز الذي غدا واحداً من أسماك القرش البشرية تلك!!!
 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…