في هذا الوقت العصيب يبرز تراث الأمة وقيمها ومعاييرها الأخلاقية , ومدى صلابة هذه المعايير والقيم والأفكار, وما تجسده من أعلام وشخصيات ورموز تعد بمثابة معالم ثابتة في الطريق , ومثل عليا تحتذى بما لها من آراء ومواقف وممارسات لتكون هذه الأمور وتلك الأعلام بمثابة مدارس قيمية وأخلاقية وعقائدية تشكل بما لها من تأثير بالغ أساسا قويا يفضي إلى امتحان تلك المواقف والإرادات , وبلورة السعي , وامتحان النهج للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية المرسومة والعاصمة من الوقوع في مهاوي التحدر وخطر الانزلاق والتهاوي .
والأمة الكوردية بما لها من عراقة وتاريخ طويل شهدت رموزا وأعلاما كبارا , وقيما مثلى وتراثا إنسانيا حافلا , ونضالا دؤوبا جعل منه مادة وعنصرا ومنهجا يمكن أن ننهل منه وأن نعتز به ونجد من خلالها ما يؤسس لتراث إنساني مشترك , يعد من منجزات نضال مرير , وخلاصة تجربة كوردستانية عريقة في امتحان الأمة وهي تتجاوز كل المحن والتحديات في سبيل بقاء مشرف وامتداد حضاري , تتحقق فيه سمات بارزة , وملامح قومية تحمل بعدها الإنساني الواضح عبر المسيرة الحياتية المديدة لتكون من صلب النهج الإنساني العالمي الرفيع وأحد مصادره .
ولقد برز أثر الأعلام الكبار في التاريخ والفقه واللغة والأدب والعلوم والفنون في تاريخ الأمة الكوردية بما تفيض بهكبريات المجلدات , وصحائف التاريخ , مما يمكن جمعه وترتيبه وتبويبه في مجلدات كبار (سوف تصدر أربع مجلدات قريبا في هذا الشأن )00مما يعزز الوجود العلمي والأدبي والمعرفي لهذه الأمة العريقة والمبدعة 00ويبقى السجل النضالي العقائدي , في طريق بناء الثورات والانتفاضات والامارات والدول والممالك حافلا في التاريخ الكردي , يبرز أعلام كبار في ميادين القتال والإدارة والتشريع دفاعا وشرفا ومروءة وتحديا لغطرسة الطغاة , ومواجهة لأعتى موجة وأشدها شراسة في الإبادة والحرق والقتل والتشريد , خاصة مع بدايات القرن التاسع عشر , وانبثاق الثورات وتفجيرها في كل بقعة من كوردستان , ليأتي الشيخ عبد الله وسيد طه وسيد رضا وشيخ سعيد ﭘيران وإحسان نوري باشا وسمكو شكاكي والقاضي محمد وقاسملو ومحمود البرزنجي والشيخ أحمد البرزاني والبارزاني الخالد رموزا وأعلاما وصورا فاضلة , بواذخ شاهقات , لاتزال تضيء منارات عظيمة وسط محيط مظلم هائج , وليأتي نهج الخالد مصطفى ثمرة طبيعية وخلاصة كوردستانية عريقة لهذه المواقع الدامية , وتلك الآثار الخالدة ناطقا حيا وشاخصا ميدانيا طبيعيا وصرحا عظيما , يجسد كل معاني الاباء والنقاء والتضحية وقيم الرجولة والمثل الكوردستانية الرفيعة , في السلم والمدنية ديمقراطية وعدلا وإخاء ودعوة إلى الانعتاق وحرية الممارسة وعمق الأداء الإنساني , ورفعة الإنسان مهما كان في السلم الاجتماعي والمكانة العلمية , لتكون له كلمة في الحياة العامة والخاصة , مؤقتا بتشريع إنساني عادل لا يفرق بين دين ومذهب وعقيدة ,.
في روعة التسامح ويسر التناول وبساطة الأداء , في صراحة الواثق وعمق السياسي , ونقاء الثوري , وأداء المواظب على حياة مستقرة آمنة وادعة , لا كلّ فيها ولا ملل ..
تفانيا وحبا للحياة نهجا واقعيا وفكرا علميا وتواصلا مع الضعفاء والأرامل والفقراء وإقبالا على المظلومين , وحربا ضروس على أعدائهم , وترفعا كاملا عن المتاع الرخيص والأغراض الدنيئة والغرائز والشهوات , في علو ّ مع المكارم , ونبل مع العطايا , في نهج ديمقراطي عادل ويسير ومبسط أعلن على المبدأ في محاربة مطلقة لكل قيم الإرهاب والعنت والقتل على الظن أو الاشتباه قبل أن يؤسس المجتمع الدولي لذلك , داعيا إلى دفاع عادل ومشرف عن قيم الديمقراطية والسلم والأمن , بحيث لم تلطخ ثورته الناصعة البياض بأية بقعة سوداء أو حمراء في دفاعه عن أرض تنتهك , و كرامة تستباح , وإرهاب يطال الأبرياء , وسحق لآلاف القرى على سكانها الكورد الآمنين .
لم يترك البارزاني الخالد سفرا مددا ولا مجلدات مقروءة , ولا صحفا مدروسة , بقدر ما ترك من بصمته الكبرى في صحائف الحياة أدبا رفيعا وتراثا سليما مبدعا , وفكرا يقظا مرنا ورائدا , ومدرسة خالدة في نهج قيمي أخلاقي سما وعلا وامتد في العمق زمانا ومكانا , ليصل إلى أعلى مركز للسلام في واشنطن ..
وليكون من أعظم مفاخر الكورد وأشد ّ قيمهم لمعانا , وليكون هذا النهج ضرورة الضرورات في عصر تشتد فيه الحاجة إلى تعرف الكورد على خط إبداعي فكري مرن عظيم الأفق واضح المعالم , يرسي دعائم سلام ومدنية وديمقراطية باتت تتأسس على مستوى العالم المتمدن , لتكون أفكاره وقيمه ونهجه الخالد , إحدى أهم مصادر الفكر الكوردي وأشد القيم مزاولة لحياة حرة آمنة نزيهة مستقرة تدعو إلى البناء والرفعة وتعزز قيم التنظيم الكوردي والكوردستاني لحياة فكرية وسياسية أكثر عمقا ونجاحا وأمانا وخلودا ( خاصة في مدرستي البارتي ) في السياسة الواقعية الهادئة المدنية , وأسسها الديمقراطية والحرية المنسجمة مع قوانين الحياة والمجتمع الدولي , وقيم السماء السمحة , وتعاليمها السامية وهو ما ينبغي أن يعزز التاريخ الكوردي المعاصر .