الحراك السياسي الكوردي نحو بناء المرجعية

بقلم : م .

رشيد

يشعر المتتبع للشأن الكوردي في سوريا بالحرج في تفاؤله، والخيبة في أمله، والصراحة في عدم رضاه، بسبب البطء والفتور في الحراك السياسي الكوردي القائم، والضعف والتقليد في أداء قواه السياسية، فمازالت غارقة في أزماتها الداخلية وصراعاتها الحزبية وخلافاتها الشخصية،غير آبهة بما يجري من حولها من تطورات وتغيرات تؤثر بشكل أو آخر في مصيرها ووجودها، كونها تدّعي التمثيل والتعبير عن طموحات الشعب الكوردي وتطلعاته المستقبلية في التمتع بكامل حقوقه الوطنية والقومية المشروعة والعادلة، وتظهر نفسها كأنها غير جادة أو غير قادرة على تفعيل دورها وتحمّل مسؤولياتها المناطة بها، ضمن الظروف الحرجة الراهنة، لمواجهة سياسات النظام التمييزية والعدائية الهادفة للنيل من الكورد بشتى الوسائل والطرق المتاحة له، والحد من الإستنزاف والتخريب في الجسد الكوردي بسبب اجراءات أجهزة السلطة التعسفية المستمرة، وتطبيق المزيد من المشاريع العنصرية المتراكمة التي تستفحل فيه بدون أي وازع وطني أو رادع انساني أو مبرر قانوني .
وفي الوقت الذي نتعشّم في القوى السياسية، وننتظر منهم بفارغ الصبر لملمة الصفوف وتضافر الجهود وتوحيد الرؤى في بوتقة المرجعية المنشودة، نرى أن التعصّب والتحزّب والتكتّل تطغى على أجندة وذهنية الغالبية منها، فتطلق مبادراتها من قناعات مرضية مزمنة، وخيارات كلاسيكية معيقة ومعطلة، مختلقة الذرائع الواهية تارةّ والشروط التعجيزية تارة أخرى، تبغي من ورائها التهرب من الاستحقاقات النضالية اللازمة، والالتفاف على المطالب والدعوات الجماهيرية الدائمة والملحة بهذا الصدد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول الإفلات من عصا السلطة المعاقبة لكل من يخرج عن حدود الطاعة التي يشددها النظام ، والخطوط الحمر التي يدأب النظام على المبالغة في عددها ومواضعها، فهنا شريحة من الكورد الذين يصرون على البقاء (خارج الدائرة الكوردية بهمومها وشجونها)  في تيه وثمالة ولن يغادروها طالما الدواعي موجودة والحوافز مغرية من قبل النظام ، والرغبات قائمة ونشطة لديهم، وقسم آخر لا يستهان بحجمه ووزنه قد أقسم على نفسه التواجد في واد آخر والنفخ في قربة الغير بدون أي وجه حق، ومهما يكلف الكورد من الضحايا والأضرار، وطرف ثانٌٌ آلى على نفسه التغريد خارج السرب على مواله الخاص محترفاً التنظير والتنوير(!)، وطرف ثالثٌ اختار لذاته صومعة اللامبالاة وعدم الاكتراث بما يجري حيث يعد نفسه للأيام الصعبة والحاسمة (!)، ورابعٌ تشبث بموقعه الشرعي والمدافع ويعتبر الانتقال والمغادرة منه تخاذل وتنازل عن حق وواجب، وخامسٌ يجد في نفسه الأصل والمركز والوريث وعلى الجميع الالتفاف حوله، لأنه يمتلك من المقومات ما لا تتوافر عند غيره، وخامسٌ ضعيف في كيانه وطاقاته يرى في المسايرة لهذا الطرف الكبير أو ذاك ضمان لوجوده واستمراريته، وسادسٌ صغير في حجمه يشدد من خطابه ويرفع سقف شعاراته ليعمم وزره على الجميع ويفتي  لشقاوته وشراسته، وسابعٌ يرى حضوره في اطار عام يضم عدة أسماء فرصة ذهبية يهبه الشرعية في بقائه، والحرية لحركته وتصريحاته (كما يفعله في خيم العزاء)، و… ،…  إلخ، كل هؤلاء يساهمون (من حيث يدرون أولا يدرون) في تصعيد السجالات عبر البيانات والتصريحات والندوات، وتعكير الأجواء اللازمة للتداول والتحاور، وبالتالي إعاقة وتعطيل المساعي الحميدة المبذولة، والمبادرات الخيرة المطروحة، لتنشيط الحركة الكوردية وتفعيل دورها بحكم مهامها (ومبرر وجودها) رفع راية النضال، وحمل الحلول والمعالجات للمشاكل والقضايا التي تهم الكورد في حاضرهم ومستقبلهم.
الغاية من هذا المقال لا تتجاوز حدود الحرص على مصلحة الحركة والقضية بمجملها، والصراحة والجرأة في وضع الأصبع على مكامن الجروح عسى أن نساهم في إماطة اللثام عن بعض من يراها غيرنا محرمات وخصوصيات يمنع تناولها ومناقشتها، لأن الهاجس الأكبر (لدى غالبية الكورد) هو سعي بعض الأطراف الاصطياد في المياه العكرة، وذلك بإعادة إنتاج الذات أو تكرار التجارب السابقة بمآسيها ومراراتها وتداعياتها السلبية والسيئة على المشهد السياسي الكوردي، وماخلفته من تشرذم وضغون وأحقاد مازال شعبنا يجني آثامها الفظيعة، ويدفع فواتيرها الباهظة من حريته وكرامته وسعادته وأمانه وسلامته..

لأن الفرص السانحة والموائمة لم تستغل من قبل الحركة كما يجب(؟!)، وإن كان السبب عدم النضج أو الاستخفاف أو الضعف أو ..

، أو أسباب أخرى موضوعية وذاتية لامجال لسردها الآن، فالمهم هو إبعاد شبح التفتت وإلغاء دواعي الشقاق والتشظي، واستئصال رهان المتربصين من الأعداء والخونة على تفكيك وفشل إطارالمرجعية المراد تأسيسه (أوبالأحرى منع ولادته أصلاً )، لذلك وجدنا لزاماً علينا لفت نظر الساسة الكورد أولاً ثم المثقفين إلى جملة من المواضيع لعلّها تساعد في تقريب وجهات النظر والقلوب من بعضها، بغية توفير مستلزمات ومقومات النجاح والديمومة في بناء المرجعية، والتي ستكون حتماً قاب قوسين أو أدنى من التحقيق إذا توافرت لدى الجميع الجدية والصدق والاخلاص، في ضوء تطابق الأفكار والرؤى من حيث المبدأ إستناداً على وثيقة الرؤية المشتركة لأحزاب الكتل الثلاث السابقة ( تحالف- جبهة- تنسيق)، وكذلك تشابه الطروحات في عقد المؤتمر الوطني، ويبقى الاختلاف حول الشكل والآلية في تشكيله عائقاً ثانوياً يمكن تجاوزه في اللقاءات والحوارات، وفي هذا السياق نثني على الجهود المبذولة في إنشاء المجلس السياسي الذي اختزل عدة أرقام  في كنفه، وهو خطوة نوعية وهامة على الطريق الصحيح تستحق التبريك والتشجيع ولكن تبقى ناقصة، شأنه شأن التحالف القائم، ما لم تستكمل بالخطوة الثانية وهي الاتفاق على آليات وترتيبات عقد المؤتمر الكوردي العام.
   وبالرغم من تناولنا للمواضيع التالية بشكل محدد لكل منها في مقالات خاصة سابقاً، وطرحنا مشروعاً متكاملاً بهذا الشأن منذ عام  2000 (نشرته دورية كوردية يصدرها أحد الأحزاب الكوردية في أحد أعدادها) ،إلا أننا وجدنا الإعادة تزيد الإفادة، والتذكير يحسّن التقدير والتدبير:
·   يجب التسامي فوق الجراح والأحقاد لمصلحة القضية وذلك بتفكيك عقد الخصومة والخلافات الشخصية والصراعات الحزبية وإلغاء مناهج التمحور والاصطفافات بكافة أشكالها وأنواعها،ورفع الفيتو والرفض عن كل القوى الوطنية الموجودة على الساحة بدون استثناء.
·   الإيمان بأن الحركة الكوردية إضافة للأحزاب السياسية تتكون من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والدينية والمهنية والاقتصادية المتمثلة بشخصيات ومنظمات وجمعيات..

والإقتناع بأن المستقلين جزء من الحل،وعامل مساعد في التوفيق والتقريب بين الأحزاب.
·   الإقتناع بصحة المقولة  – خلاصة التجارب – التالية:(لايمكن لأي إطار غير شامل، وأي حزب بمفرده مهما بلغ حجمه وعظم شأنه أن يكون بديلاً عن المرجعية الكوردية، ولا يستطيع تمثيل الكورد في أي محفل كان، ولا يقدر على تحقيق أي إنجاز أو مكسب ملموس على أرض الواقع، ولا يمكنه بمفرده الاستمرار في النضال وتحمل أعباءه من الخسائر والضحايا…).
·   الإقتناع بضرورة إجراء الاصلاح والتغيير والتحديث ضمن الأطر الحزبية على الأنظمة الداخلية والبرامج السياسية والأساليب النضالية ،لمواكبة الأوضاع والظروف الراهنة في ظل العولمة وما ترافقها من مفاهيم جديدة ، وآفاق رحبة امام دعاة الديموقراطية وأنصار السلام وحقوق الانسان، وتطورات هائلة في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية والاتصالات.
·   ضرورة تشكيل الإطار العام والشامل على أساس التوافق والقاسم المشترك بين جميع الأطراف المكونة له،على أرضية الثوابت القومية والوطنية، ووفق أنظمة ومؤسسات تخصصية ديموقرطية، تستند على برامج واقعية وعملية، وذلك لضمان النجاح والفاعلية والاستمرارية.
·   الايمان بضرورة بناء المرجعية كوسيلة (وليست غاية) نضالية لمواجهة التحديات والضغوطات الراهنة،والتي تتمثل بارتفاع وتيرة القمع والخنق والقهر من قبل السلطة من خلال اصدارها للعديد من القوانين الاستثنائية والمراسيم التمييزية وتطبيقها في المناطق الكوردية.


·   الاستقلالية في إتخاذ القرارات المصيرية الهامة بعيداً عن التأثيرات الخارجية والكوردستانية وأجندتها،والانطلاق من المصلحة القومية والوطنية للكورد في سوريا.


·   الاستفادة من تجربة منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) التي انتزعت قرارها من الوصاية العربية بضم جميع الفصائل بدون إستثناء بمختلف مشاربها وتوجهاتها وأحجامها وأيدولوجياتها، مع ضمان حرية العمل والكفاح كما تريده وتبغاه (شكلاً ونوعاً وأسلوباً) بشرط واحد فقط هوالالتزام بالثوابت الوطنية للمنظمة (حق العودة للاجئين وتحرير الأرض وبناء الدولة المستقلة)، وووحدت صفوفها وقواها ضمن مؤسسات المنظمة التشريعية والتنفيذية، وكذلك شكلت المكاتب والمراكزالتخصصية والإتحادات المهنية في كل المجالات السياسية والاعلامية والثقافية والدبلوماسية… وفي جميع أماكن تواجد الفلسطينيين في الداخل والخارج.
·   الإستئناس والاستعانة بتجربة كوردستان العراق قبل سقوط نظام صدام الديكتاتوري الفاشي، حيث كانت ترتكز على توحيد القوى ضمن إطار الجبهة الكوردستانية آنذاك، والمبنية على أساس النضال المشترك من أجل عراق ديموقراطي وحكم ذاتي حقيقي لكوردستان، ووفق تكتيكات واستراتيجيات تخدم أهدافها وتطلعاتها، فكانوا يوفّقون بين حواراتهم مع نظام صدام، وتحالفاتهم مع المعارضة العراقية، واستثمارهم لتواجدهم في الدول المجاورة، وتنسيقهم مع القوى الديموقراطية الغربية (أمريكا)، وتثبيت أقدامهم في أرض كوردستان.
·   أهم الثوابت الكوردية في سوريا هي النضال السلمي والديموقراطي من أجل الاعتراف الدستوري بالقومية الكوردية كونها جزء أساسي من النسيج الوطني والتاريخي لسوريا، وإلغاء جميع القوانين التمييزية والمشاريع الاستثنائية التي تستهدف الكورد ومناطق تواجدهم والتعويض من الأضرار الناجمة عن تطبيقها ابتداء من مشروع الاحصاء الاستثنائي الجائر والحزام العربي انتهاء بالمرسوم 49 والقرار رقم 2703 الخاص بفك يد فلاحين الكورد عن الأراضي الزراعي في ديريك ،وتأمين الحقوق القومية المشروعة(من ثقافية وسياسية واجتماعية…) للشعب الكوردي ومساواته التامة مع باقي مكونات الشعب السوري في الحقوق والواجبات.

 
وختاماً: الإنطلاق من الصدق مع الذات والمبادئ،والوفاء والشهداء والمعتقلين والضحايا والمتضررين،والإخلاص للشعارات القومية والوطنية،والإيمان بالقيم الإنسانية والسماوية، والشعور بالواجب والمسؤولية، والإلتزام بالقواعد الأخلاقية والأدبية،والانصياع للدوافع الضميرية،… يفترض لا بل يتحتم على جميع المهتمين والمعنيين العمل بجدية وإخلاص ..

لبناء المرجعية الكوردية العامة والشاملة،بغض النظر عن الاختلافات الهامشية والشكلية والعمومية ..

التي ستذللها اللقاءات والحورات والنقاشات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…