وحيال بوادر هذا الانفراج، سواء ما يتعلق منه بالاتفاق المبدئي للدول الست، بما في ذلك روسيا والصين، على حزمة من العقوبات التي تستهدف الحرس الثوري الإيراني وقطاع النفط والتسلح وغيرها، وكذلك احتمالات حدوث اختراق في موضوع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فإن الجانب الإيراني بدأ يشعر بضيق هامش المناورة، ليبدأ بحملة دبلوماسية يعلن فيها استعداده للتجاوب مع الجهود الدولية، في محاولة لكسب الوقت والتخلص من تلك العقوبات، بانتظار ما يمكن أن يتمخض عنه الصراع في العراق بين النفوذين الإيراني والأمريكي، وما تسفر عنه التدخلات الإقليمية التي أخذت أشكالاً سياسية واضحة قبل وأثناء وبعد الانتخابات البرلمانية، فالجانب السوري أراد من اجتماع، عقد في دمشق لتوحيد ما سميت بالمقاومة العراقية، توجيه رسالة سياسية رافضة لتجاهل الدور السوري في العراق من خلال إقصاء حزب البعث، في حين تحاول فيه السعودية استعادة نفوذها عن طريق القائمة العراقية، كما تتوغل تركيا في الساحة العراقية عبر بعض الكتل خاصة في الموصل وكركوك.
ونتيجة لخصوصية الوضع العراقي وانعكاساته على الجوار، فإن المنافسة الداخلية والإقليمية تشتد لرسم ملامح المرحلة المستقبلية في هذا البلد الجار، خاصة مع اقتراب موعد الانسحاب العسكري الأمريكي نهاية عام 2011، فالإدارة الأمريكية لا تريد أن تترك العراق بدون نفوذ سياسي، في حين بات فيه من الصعب إنهاء النفوذ الإيراني المتشعب من خلال كتل شعبوية ذات لونية طائفية معيّنة..
لذا يبدو أن المطلوب من السلطة القادمة أن تكون حليفة لأمريكا وغير معادية لإيران بنفس الوقت، وهو ما يلخّص جوهر الأزمة التي يعاني منها العراق، فنظام طهران يدرك أن نفوذه الإقليمي عموماً، وفي العراق خصوصاً، هو السلاح الأقوى في مواجهة الضغوط الأمريكية، ولذلك فهو لا يبدو مستعداً لتقديم تنازلات ملموسة تتعلق بتركيبة الحكومة العراقية القادمة..
ويسهم التأزّم الإقليمي من جهة أخرى، في تعقّد الوضع الداخلي هناك، ويجعل مسألة تأليف الحكومة الجديدة صعبة في المدى القريب، أما الجانب الكردي في العراق فقد تجنّب الانزلاق في الصراع، ويعمل بارتياح نسبي بعيداً عن محاوره، خاصة بعد تشكيل لجنة مشتركة للكتل الكردية مهمتها الحوار مع القوائم الأخرى وتحديد شروطها المرتبطة بعملية الالتزام بتطبيق الدستور، وخاصة المادة (140) المتعلقة بقضية كركوك المفتوحة أمام التدخلات الإقليمية، ومنها التركية حيث تسعى حكومة آردوغان لتعزيز نفوذها هناك بالتعاون مع بعض الكتل في القائمة العراقية، رغم انهماكها بترتيب الوضع الداخلي التركي، وتقديم حزمة من الإصلاحات الدستورية التي تطال 29 مادة، لعل من أبرزها المتعلقة بشروط حل أو حظر الأحزاب السياسية، وصلاحيات المحكمة الدستورية، ومحاكمة العسكريين، بما فيهم الجنرالات المتقاعدين، أمام المحاكم المدنية وموضوع الحجاب وحقوق الإنسان.
ورغم أن تلك التعديلات تستهدف إنهاء وصاية القوميين المتشددين على الجيش والقضاء في تركيا، إلا أن تلك الحزمة خلت من كل ما يتعلق بالقضية الكردية، مما يثير الشكوك حول جدية مشروع الانفتاح الديمقراطي الذي طرحه آردوغان الذي كان قد وعد بخطوات عملية وقانونية ودستورية في هذا المجال، في محاولة على ما يبدو لكسب أصوات النواب الكرد في البرلمان التركي من أجل استكمال النصاب المطلوب لإقرار تلك التعديلات عبر استفتاء شعبي..
ورغم الصعوبات التي يواجهها حزب العدالة في الداخل، فإنه حقق نجاحات ملموسة في الاقتصاد والسياسة الخارجية خاصة مع الدول العربية والإسلامية، التي يعكس تطور العلاقات معها شعوراً بالإحباط لدى تركيا من الأوروبيين والأمريكان، مثلما تعكس نجاحات إقتصادية يمكن تلمسها في المستقبل بعد استكمال بناء أنبوب (ناباكو) ، الذي لن يحل محل روسيا في توفير الغاز لأوروبا فقط، بل سوف يضعف تدريجياً دور بعض دول المنطقة كقوى جيو- استراتيجية، كما تعكس تزايد الدور التركي في حل بعض قضايا الشرق الأوسط.
أما في المجال الوطني، فقد ترافقت احتفالات عيد الجلاء هذا العام مع تجمعات ونشاطات احتجاجية في العديد من العواصم العالمية بمشاركة ناشطين حقوقيين ومسؤولين في منظمة العفو الدولية، إضافة إلى لجان إعلان دمشق في الخارج، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، الذين تزداد أعدادهم في ظل التشدّد الأمني، والإجراءات التعسفية التي اتسع نطاقها وكثر ضحاياها، من الكوادر الحزبية إلى أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان ومتابعي الانترنيت والمدافعين عن حرية التعبير، ومنهم مناضلي شعبنا الكردي الذي باتت حياته اليومية وإرادته مستهدفة، حيث تستغل الجهات الأمنية أية فرصة للنيل من نشطائه، وتعمل على تطويع القوانين واستصدار القرارات التي يشتمّ منها رائحة التمييز القومي، مثل تلك الصادرة عن وزارة الزراعة التي أوعزت لمديريتها في محافظة الحسكة نزع أيادي مئات الفلاحين الكرد المنتفعين من أراضي الإصلاح الزراعي منذ عشرات السنين، مما خلقت حالة من التشنّج والخوف، نظراً لما تركته تلك القرارات من تهديد جدي بقطع أرزاق تلك الأسر الفلاحية التي تعاني أصلاً من الحرمان نتيجة المشاريع والقوانين الاستثنائية، ومن الاحتقان نتيجة التشدد الأمني.
ويأتي هذا التشدّد في إطار إرهاب المواطن، وتغطية عجز السلطة عن إيجاد الحلول المطلوبة للأزمة الاقتصادية الخانقة والمتعددة الجوانب..
ففي المجال الزراعي مازال الفلاح تحت رحمة المناخ المتقلب والإدارة السيئة التي تغطي على تفشّي ظاهرة الرشوة والفساد والتهرب الضريبي واقتصاد الظل، وتغذيها، في حين يزداد فيه عدد الصناعات التي أصابها الإفلاس لتتوقف عن الإنتاج.
وبسبب غياب التخطيط السليم فإن معدلات النمو، وإن وجدت، فإن ثمارها تذهب إلى كبار التجار والمستثمرين، بينما تتفاقم الأزمة المعاشية للفئات القليلة الدخل من العاملين وصغار المزارعين، والتي تضرّرت من موجات الغلاء المتلاحقة في ظل غياب سلم متحرك لموازنة الأجور والأسعار، فتكون النتيجة ارتفاع نسب المواطنين الذين يعانون من الفقر الشديد في سوريا ، وارتفاع معدّلات الفقر العام في البلاد.
كما أثر إلغاء الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية سلباً على ارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجعت معدّلات الإنفاق على مجالات الصحة والثقافة والتعليم والخدمات….
في 6|5|2010
اللجنة السياسية