الأحزاب الكردية في سورية بين مطرقة القومية وسندان الوطنية

إبراهيم خليل

إن كل المتتبعين للحياة السياسية الكردية في سورية ومنذ نشوئها في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي لا يشكون في المصداقية القومية للأحزاب الكردية في سورية فقد وضعت على كاهلها رفع الغبن والأ ضطهاد القومي عن الشعب الكردي في سورية , وظهر ذلك جليا في برامجها السياسية وكان الهدف رقم واحد في سياساتها وعناوين نضالها اليومي , ومما لا شك فيه أن التنوع الذي صبغ برامج هذه الاحزاب من خلال تبنيها ( سواء بشكل ظاهري أو بفعل التقليد )

شعارات مثل الماركسية و اليسارية والاشتراكية لم يحل ويغير من التركيبة القومية لهذه الاحزاب واكبر دليل على ذلك هو إن المنتمين لهذه الأحزاب هم ( أكراد ) حصرا وان المناطق التي تشهد نشاط هذه الأحزاب هي المناطق الكردية أو المناطق التي يقطنها الأكراد والتجمعات الكردية خارج مناطقها واعتقد أن هذه الأدلة كافية على الطابع القومي لهذه الحركة بمجملها .


ولكن ما يلاحظ في برامج هذه الأحزاب هو تمسكها بحل هذه القضية ضمن الإطار الوطني العام في سورية ومن خلال عملية ديمقراطية تشمل البلاد كافة وهو هدف استراتيجي لم يغب يوما عن سياساتها وأدبياتها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التقصير الذي حصل في المجال الوطني العام لهذه الأحزاب, فالبعد القومي أبعدها عن المشكلات التي تعاني منها البلاد وجعلها منعزلة عن باقي مشكلات المجتمع السوري لفترة ليست بقصيرة مع انه على ارض الواقع تأثرت القضية الكردية تأثيرا كبيرا ( مثله مثل باقي فئات الشعب السوري ) بما تعانيه البلاد من فقدان للحريات ومشاكل الفساد الهائلة والبطالة وباقي المشكلات التي لا حصر لها والتي أدت بدورها إلى تراجع الحس السياسي في الشارع السوري عموما حيث أصبحت لقمة العيش الهاجس الأول والأخير للمواطن السوري رغم إن البعد القومي قد أدى إلى قليل من الحيوية و النشاط لدى الأحزاب الكردية دون المعارضة السورية والآن وبعد صدور إعلان دمشق والذي ساهمت في صياغته أطراف رئيسية في الحركة الكردية ( التحالف والجبهة ) بدا أن الأحزاب الكردية قد خرجت من عزلتها القومية وأصبحت طرفا أساسيا في الساحة الوطنية السورية وعل رغم من الانتقادات من بعض الأطراف والتي كان من الأجدى لها أن تساند هذه الخطوة ( مع الاحتفاظ بكل تحفظاتها ) شرط أن تعتبر كخطوة أولى لدمج المشكلة القومية والقضية الكردية في سورية بالمشكلة الوطنية في سورية عموم لكي تحمل باقي أطراف المعارضة في سورية جزأ من هذا الهم الوطني والذي يعني هذا البلد ككل وليس فئة منه دون أخرى وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد والمنطقة عموما وكي تؤكد إن القضية الكردية هي جزأ لا يتجزأ من قضية الديمقراطية في سورية.ومن الضروري للأحزاب الكردية أن تفتح الباب لحوار موسع مع كل الأطراف المعارضة التي لم توقع إعلان دمشق كي تؤكد على الحل الوطني لقضيتها.


وفي المقابل يجب على المعارضة أن تثبت أنها ليست معارضة شوفينية وعنصرية وان تنفتح على كل مشاكل وقضايا فئات الشعب السوري وقومياته حتى تتعزز الوحدة الوطنية الحقيقية ولينظروا نظرة متأنية إلى الوضع القائم في الجارة العراق ويتثبتوا من وطنية الكرد الذين هم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق عامل وحدة واستقرار وهم حتى وقت قريب كانوا مششكا في وطنيتهم ومتهمين بالانفصال.
            
             10/8/2006

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…