جان كورد (*)
يوما بعد يوم ، تكتشف أطراف المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية أن الأخطاء القاتلة للنظام السوري في ازدياد، وتتوالى بشكل مثير منذ استلام الدكتور بشار الأسد مقاليد الحكم بحركة دستورية بهلوانية خطيرة على أثر رحيل أبيه قبل سنوات عدة، ويوما بعد يوم تزداد القناعة لدى المجتمع الدولي بأن النظام الحاكم في دمشق قد فقد جميع مبررات الابقاء عليه، وأنه ليس “عنصر استقرار” في المنطقة حسبما كانت أوروبا وبعض شرائح السياسة الأمريكية تعول عليه في الماضي
بل شرع الهمس في أروقة الديبلوماسية الدولية يعلو ليصبح ضجيجا ومطالبات علنية باقالة الشريحة الحاكمة في سوريا لأنها تضر باستقرار المنطقة وتحتضن بيوضا لن تفقس سوى المتاعب للمجتمع الدولي، بل إن هذه الشريحة المستبدة برقاب الشعب السوري قد تحولت إلى شجرة “حنظل” يعشعش فيها “الإرهاب” ولا تتوانى عن دعم عمليات القتل والاختطاف وتمويل الإرهابيين في العراق ولبنان وتدريبهم بالنيابة عن “القاعدة” وايران، مقابل مصالح ومنافع مالية كبيرة…وفي كل يوم تزداد لائحة الاتهامات الخطيرة الموجهة لدمشق، وسط أجواء إعلامية يخلقها النظام ومسرحيات هزلية وهستيريا واثارة للنعرات المعادية للغرب عموما ولمشروع الشرق الأوسط الكبير خصوصا ، ويلعب فيها رئيس الجمهورية السورية – كما في خطابه الأخير- ووزير خارجيته وليد المعلم بتصريحاته الصبيانية تجاه “حزب الله” اللذين يقومان بدوريهما كممثلين من الدرجة الثالثة في أداء يثير السخرية لما يعرضان به الوطنية والعروبة والقضية الفلسطينية والتحرير والأمة العربية في صور هزلية وهزيلة…
القناعة التي تتزايد لدى المجتمع الدولي بأن البعث السوري قد فقد مبررات سيطرته التامة على شؤون البلاد، هي قناعة الشعب السوري نفسه الذي فقد الأمل، منذ احتراق واختراق “ربيع دمشق“، في إصلاح هذا النظام، ويتطلع إلى ذلك اليوم الذي يتحرر فيه من طغيان البعث وجور حكامه وسماسرته…
الطرف الآخر الذي كان يطالب بالحوار مع النظام وتحمل كثيرا من هفواته وتجاوزاته وخروقاته لحقوق الإنسان كانت المعارضة السورية.
وهذه المعارضة – سوى جزء ضئيل منها – لم تكن تطالب باقصاء الحاكم واستلام مكانه، بل كانت تطالب على الدوام بالتوافق معه والتعامل معه وعدم الاصطدام به، أما الجزء المعارض حقا والعامل على اسقاط النظام فعلا فقد كان ولايزال يدفع أثمانا باهظة لمواقفه الصريحة.
ولكن منذ طرد قوات النظام السوري من لبنان، وبعد بدء التحقيقات الدولية الأخيرة مع رموزالنظام في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري، بدأت المعارضة السورية أيضا تعيد النظر في مجمل مواقفها وفي مسألة التعامل مع النظام خاصة، وبدأ الضباب ينقشع والرؤى تتوضح والمسارات تفترق، وهاهي حرب لبنان الأخيرة تدق مساميرا كبيرة وصاخبة في نعش العلاقة بين المعارضة والنظام في سوريا، سوى تلك المجموعات التابعة له والتي سينتهي وجودها برحيل النظام…
وكذلك منذ انتفاضة آذار المجيدة عام 2004 في المنطقة الكوردية الشمالية من البلاد، واغتيال الشيخ الوطني الدكتور محمد الخزنوي، وفشل نيل أي حقوق كوردية عن طريق التعامل مع النظام من قبل أطراف كوردية معينة، شرع عقلاء الكورد يفكرون بصورة أكثر اهتماما من قبل بما يجب القيام به لتلعب الحركة الوطنية الكوردية دورا أشد فعالية في هذه المرحلة التي تسبق دحر النظام البعثي الاستبدادي، وفي مقدمة الأجندة الكوردية المعروضة للنقاش هو مشروع “المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا” الذي بدأ يترك أثرا واضح المعالم في مجمل النقاش السياسي الكوردي، على الصعيدين الحزبي والشعبي، إذ لا قوة للكورد في سوريا دون وحدة، ووحدتهم الحقيقية مرهونة بمدى قدرتهم على الاجتماع والاتفاق تحت سقف واحد وفي اتجاه واحد.
وهنا يجب عدم التشدد حول بعض نقاط الحوار مثل “نسبة أعضاء المجلس من منتسبي الأحزاب” أو “موضوع رئاسة المجلس” وغيرهما من الأمور اللاساسية في طريق وحدة القرار والبيت الكوردي، فهذه – برأيي- مسائل تتعلق بالكفاءة والخبرة والقدرة الفائقة على اقامة العلاقات الدولية قبل أن تتعلق بالانتماء التنظيمي.
ويزداد بعض المهمتمين بالموضوع الكوردي تفاؤلا الآن بانجاح مشروع “المجلس” لسببين:
– الجو السياسي العام الخانق في سوريا بات يخدم المعارضة أكثر مما يخدم النظام.
– تعاظم التيار الكوردستاني في الحركة الوطنية الكوردية، هذا التيار الذي يدعو إلى القطيعة التامة مع النظام والعاملة على أن يصبح الكورد لاعبين أساسيين في النضال السوري العام في سبيل الحرية والديموقراطية والفيدرالية والسلام في سوريا وفي المنطقة، من خلال ايجاد “مرجعية سياسية” متينة لهم.
أملي كبير في أن تقترب في هذه المرحلة فصائل معينة وهامة من الحركة الوطنية الكوردية من “المجلس” القائم حاليا ، رغم ضعفه، وتزيل الخلافات التي أدت إلى عدم مشاركتها فيه، بعد أن ساهمت بقوة في أعمال مؤتمره التأسيسي، فتثير بخطوتها تلك الرغبة لدى الفصائل الأخرى من الحركة للانضمام إلى المسيرة التي بدأت، المسيرة اللاآيديولوجية واللامتحزبة، بهدف تحقيق حلم الوحدة الوطنية الحقيقية للشعب الكوردي في غرب كوردستان، وللتقدم بخطوات ثابتة نحو تحمل المسؤولية السياسية الكبيرة مع فصائل المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية الأخرى، وبخاصة فإن المرحلة القادمة ستكون مرحلة ازاحة النظام الشمولي القائم في البلاد.
————-
(*) عضو بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا ، وعضو نادي القلم PEN Club