توفيق عبد المجيد
لقد دنت ساعة الحساب … فأين المفر من عدالة الأرض والسماء … ستحصدون ثمار ما زرعتم … أين المفر … لقد اقترب الحصاد … جهزوا فواتير أخطائكم وجرائمكم التي تراكمت بتفاعلاتها وتداعياتها … فالمسؤولية لا تقع على القدر … والصدفة منها براء … وأنتم تتحملونها وليس الآخرون … لقد أنتجت أيديولوجيتكم البغيضة بمفرداتها الكريهة … وخطابها الاستعدائي الانتقامي … ومنطقها الاستعلائي … أبشع نظم التاريخ المؤمنة بنظريتي الدونية والفوقية …
فكان الإنتاج هذه الطغمة الاستبدادية … التي لم يردعها كابح أخلاقي ولم يوقفها رادع ضميري … أو وازع إنساني … لأنها في الأصل تحررت وتجردت من هذه القيم ومن هذه الأخلاق … ولأنها اعتبرت المواطنة منحة من الأرض … وشيئاً من الكماليات … دون أن تدرك أنها شيء مقدس منحه الرب … وباركته قوانين السماء وشريعة الأرض … أجل إنهم أولئك المحاربون … حراس البوابة الشرقية … دعاة تحرير القدس على جماجم وأشلاء الشعب العراقي انطلاقاً من الكويت …بصواريخهم الديكورية التي كانت محشوة بالرمل … أولئك المحاربون الذين تجرعوا من ثقافة الردع والبوليسية … واللغة الخطاباتية والشعاراتية … التي تخدر المشاعر … وتشل العواطف … إنهم خير من يمثل الاستئصاليين والاستعباديين … لقد تحولوا إلى ديناصورات سياسية متخشبة … وما على التاريخ إلا أن يقرأ عليهم الفاتحة ويلقيهم إلى قعر مزبلته .
لقد نسي هؤلاء أن الحالة الظلامية وحياة الدهاليز لا تدوم طويلاً … وأن الشمس لابد أن تشرق في النهاية مهما حاولت الغيوم السوداء أن تحجبها … فقد بدأت محاكم التاريخ جولة أخرى من المحاكمات بحق هؤلاء المجرمين القتلة … من الذين نفذوا الأنفالات بحق ذلك الشعب الكردي المسالم في كردستان العراق … من قتلة ومجرمي القرن الحادي والعشرين بامتياز … بدءاً بأكراد العراق الذين يمثل جلادوهم وقتلتهم اليوم أمام المحكمة … ومروراً بجزاري مسلمي البوسنة وسربرينتسا الذين تحاكمهم العدالة الأممية … كما تلاحق الآخرين من أمثال سلوبودان ميلوشوفيتش ورادوفان كاراديتش والجنرال رانكو ميلاديتش .
لقد تسلح أولئك القتلة والمجرمون بسلاح الحقد والكراهية والعنف … فتحول ذلك السلاح إلى مبدأ يمجده حتى الشعراء الذين تدمع أعينهم لمرأى الفراشات وهي تحوم حول النار … وطيور البطريق وهي تمشي بتثاقل وتؤدة لتصل إلى حيث الأمان والسلام … فصار من المألوف والمعتاد أن يقرأ الطفل عند الصباح وكل صباح … هذا الشعار الذي تحول إلى فاتحة : وطن تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولا يتهدم
لقد انزاح ذلك المد الظلامي الأسود … وانجلى ذلك الليل الكابوسي الطويل … وعادت الحياة إلى الشارع السياسي العراقي … الذي كان قد تصحر … وبعثت الروح فيه من جديد … فدبت فيه الخضرة … وتفتقت فيه البراعم … وتفتحت فيه الأزهار… لأن الطبيعة دائماً تبحث عن بهجة الحياة المفقودة في ظل تلك الأجواء الكئيبة … فبدأت البلابل تغني للأمل … كما صاحت الديكة إيذاناً بميلاد الفجر الجديد .
لم يستطع المدعي العام العراقي أن يتمالك نفسه … ويسيطر على أعصابه وعواطفه …أمام هول المصيبة وفداحة الكارثة … وهو يستعرض موجزاً لتلك القصة المأساوية التي يعجز البشر عن سردها ووصفها وروايتها لما تنطوي عليه من فصول مؤلمة … لا تتحملها النفس الإنسانية … والتي استدرت الدمع من عيون الصخر وعينيه اللتين دمعتا في آخر المطاف … وهو يروي قصة تلك الكارثة المجزرة … التي يعجز العقل البشري عن استيعاب بشاعة جرائمها والتي أحدثت ( صدمة للضمير الإنساني ) .
لقد صمد أولئك المجرمون مرة أخرى … ولم يرف لهم جفن … ولم تدمع لهم عين … أليس صدام هو القائل ( عشرة آلاف أقصقص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة وحده مني ) .
لقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات وحيده إبراهيم … ورثاه بكلمات حزينة ومعبرة صارت الأجيال تتناقلها ( إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا على فقدكم لمحزونون ) كما بكى القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي ذات يوم … بكى لمشهد المرأة ( الصليبية ) – عفواً هكذا وردت الكلمة في المصادر – عندما عثرت على وليدها في معسكر المسلمين … كما بكى السيد مسعود البرزاني وهو يستقبل رفاة البعض من ضحايا الأنفال … وبكى السنيورة على الكارثة التي حلت بلبنان … ولكن لم يبك صدام … ولم تبك زمرته السادية المتعطشة للدماء الكردية والعراقية .
عجباً فمن أية طينة جبلتم ، وأي دين تعتنقون ؟ إذا كنتم مسلمين فالقرآن يقول : ( ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) ويقول : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول : كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وعرضه وماله ،
وإذا كنتم من معتنقي الدين المسيحي فالمسيح يقول: ( لا تقتل … لا يجوز قتل الإنسان المذنب … فكيف البريء ) ، فماذا يقول المسلمون ؟ … وماذا يقول العرب ؟ … وماذا تقول الجامعة العربية ؟… وما رأي منظمة المؤتمر الإسلامي ؟ … عفواً الأكراد أبناء الجن … فلينتظروا الدفاع من الجن … ومن الغرب … يقول أحد الصحفيين الغربيين : ( عجبي لما يجري في كردستان … فصلاح الدين كان قد أنقذ أحفاد خالد بن الوليد من ريتشارد قلب الأسد … أما اليوم فإن أحفاد ريتشارد يهبون من كل صوب لإنقاذ أحفاد صلاح الدين من أحفاد خالد بن الوليد ) .
حاشا لله أن تكونوا مؤمنين بكتاب سماوي واحد … حتى الوحوش تتبرأ مما فعلتم يا قتلة الحسين … فذوقوا جزاء ما صنعت أياديكم … واعلموا أن الشعوب لا تنتهي بمثل هذه الإبادات … وأن عتاة المجرمين لم يكن في مكنتهم يوماً أن يبيدوا شعوباً بموجب نظرية الجينوسايد … بعقلية التطهير العرقي … والنصر لها دوماً وإن طال المدى وتأخر … وستنتصر الشعوب المظلومة حتماً … وسينتصر شعبنا في كردستان إيران … وسينتصر شعبنا في كردستان تركيا … كما انتصر في كردستان العراق … وستنتفض العظام التي ترقد في قعر بحيرة ( وان ) قريباً على الجلادين الفاشيست الأتراك … لقد قالت المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد ذات يوم عندما استدعيت إلى زيارة العراق : ( لن أدخل العراق وبيني وبين صدام بحر من الدماء ) .
إنها ساعة الحساب التي دنت … لأن الله يمهل ولا يهمل … ولأن القاتل لابد أن يقتل ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ) نعم إنها عدالة السماء … وشرعة الأرض … ويوم الحساب … فالويل كل الويل لمن كان غافلاً.
القامشلي في 22-8-2006