السكون الكردي وضرورة التغيير…!!

م .

بافي ژيـــن
bavejin@hotmail.com

تجاوزت الحركة السياسية الكردية في سوريا السن الخمسين من عمرها, وهي بذلك قد ودعت زخم  شبابها,وعنفوانها الجماهيري, وباتت تعانق بدايات الشيخوخة, لقد حفلت هذه الحركة بالعديد من الانكسارات التنظيمية والسياسية, وأفنت جلّ وقتها في صراعات جنونية, وخلافات شخصية لا طائل منها, استمات فيها من أجل المناصب الخاوية والمراتب الوهمية, أناس غافلون عن الحقيقة, وغارقون في عظمة الأنا, وبعيدون جداً عن واقع الكرد, ومصلحته القومية.
إن الحركة السياسية الكردية خلال تاريخها الطويل– نسبياً- شهدت أزمات بنيوية عميقة, وانتكاسات تنظيمية حادة, نتجت عنها حالة من التفكك والضعف والانقسام, مما أثرت سلباً في قيادتها للحراك الشعبي, وراحت تصطف خلف الجماهير, بدلاً أن تكون قوة منظمة وفاعلة في طليعتها, تقودها إلى حيث الحرية والديمقراطية, وأخفقت القوى الكردية على الدوام في تأمين مستلزمات المقاومة السياسية وفق الممكنات, كما عجزت في تقديم رؤية واضحة وجامعة حيال المضامين والمفاهيم القومية للشعب الكردي في سوريا, بمنأى عن الغموض والضبابية, وأمسى المجتمع الكردي غارقاً في  أوهام  قادته, وسجالهم الطويل حول الرؤى الفكرية (اليمينية, اليسارية, الحيادية, الماركسية, الالتزام, الاهتداء, الاسترشاد….الخ) مما سبب في نسيان أو تناسي المهام النضالية الملقاة على عاتق التنظيم, وتخلفها عن أداء دورها الريادي في الفعل التاريخي التراكمي, لا بل أسهمت في الاغتراب الجماعي بينها وبين الجماهير, وأضحى  المجال واسعاً للأوساط الشوفينية, لممارسة العربدة عبر الترهيب والترغيب للمجتمع وتمادت في قمعها للشعب الكردي والتنكيل به.
ربما مسألة التغيير والإصلاح طال جوانب أساسية للعديد من النظم والفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية, في دول العالم بعيد انهيار المنظومة الاشتراكية, وبلورة مفاهيم وملامح الأحادية القطبية؛ حيث سارع الجميع إلى إجراء مراجعة نقدية شاملة, وعلى أسس علمية ممنهجة لتفعيل خططها وبرامجها السياسية والتنظيمية, وآليات عملها لمواكبة التقدم العلمي المذهل في شتى المجالات, واللحاق بركب التطور وإيقاعاته السريعة.

وأما السؤال المطروح أين الحركة السياسية الكردية في سوريا من هذه المتغيرات الكونية المتسارعة ؟ وهل تأثرت الحركة برياح التغيير الكوني التي اشتدت أوارها منذ أوائل التسعينات من القرن المنصرم ؟ وما مدى قوة التغيير وملامسته للبنى الفكرية والسياسية والتنظيمية للفصائل السياسية الكردية ؟ ثم هل المشروع المفترض (الإصلاح والتغيير) بات الشغل الشاغل لساسة الكرد وحل ناجع وأكيد لحركة تعاني الوهن والضعف والتفكك وأزمات مستعصية ؟  وأخيراً هل التغيير سيبدأ من  داخل التنظيم أم من  خارجه وما سبل النجاح للقفز على حالة السكون والنمطية المستدامة في الحركة السياسية الكردية ؟      
إنصافا للحقيقة يمكن القول: أن بعض الفصائل (لجنة التنسيق) سارعت بخطوات خجولة نحو التغيير, بعد تحرير العراق وانتفاضة آذار, ولكنها لم ترتقِ إلى مستوى الإصلاح البنيوي الشامل, كونه لم يتجاوز بعض المسائل النظرية وحسب, كإطلاق موجة من الشعارات البراقة والجميلة, تراقص البعض من قادة هذه الفصائل على أنغامه حيناً, ثم خلدوا إلى نوم عميق…!! وعلى الرغم من أن التغيير اقتصر على المظهر ولم يدنو من الجوهر, فإن استجابة الجيل الشاب لصداه كان سريعاً ولا فتا, وهذا ما أرعب المناوئين له فعملوا على إقصاء ومحاربة المؤمنين بفكرة الإصلاح وملامسة حقيقته,عبر العديد من الأساليب والممارسات غير الشرعية, وقد نجحوا في مساعيهم الدنيئة إلى حد بعيد ودأبوا على تأجيج الصراع الكردي- الكردي الذي خبا نجمه بزوال المعسكر الاشتراكي ومرتكزاته الأساسية وانتفاء مبررات وجوده.

     
قد تكون العبرة في التغيير أو الإصلاح, لا تكمن في حدة الشعار السياسي والعزف على وتره العاطفي, وإنما العبرة تكمن, في القدرة على تأمين مستلزمات النضال الجماهيري وديمومته, من أجل ترجمة هذا الشعار أو ذاك على أرض الواقع, في ظل راهن الظروف, والبحث الجاد والمستمر لتأمين الحاضنة الاقتصادية المتينة, ليغدوا سنداً قوياً للحراك السلمي الديمقراطي (السياسي, المدني) المزعوم, لذا وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيس الحركة السياسية الكردية في سوريا, ألم يحن الوقت المناسب لمراجعة الذات وتقييم الأداء النضالي والسياسي وأساليب العمل الديمقراطي السلمي للحركة الكردية وقادتها ؟ وما الضير في دعوة وإشراك النخب الكردية, وذو الاختصاص للمساهمة في تقديم والأنسب الأصلح, للمشهد السياسي الكردي, للوصول إلى ترتيب البيت الكردي والتغيير المنشود للسكون الكردي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…