لكن هذه الانتخابات عبّرت، من جهة أخرى، عن شكل جديد من التنافس الإقليمي.
فدول الجوار أرادت هذه المرة استبدال العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، كطريقة للتدخل، بدعم كتل برلمانية وكتل سياسية ترى فيها دعماً لنفوذ هذه الدولة أو تلك، مما يجعل تشكيل الحكومة الجديدة عملية معقّدة، ويفتح المشهد العراقي على كل الاحتمالات، وهذا يعني أن عراق ما بعد الانتخابات يواجه كمّاً كبيراً من المشاكل المعلّقة، التي تنتظر الحلول، ومنها تطوير الثقافة الديمقراطية اللازمة لتسهيل مهمة تداول السلطة، وتحسين الأوضاع الأمنية والمعاشية وغيرها من المهام التي يفترض انجازها قبل نهاية عام 2011 ، موعد انسحاب الجيش الأمريكي، وما يعنيه ذلك من حصول حالة فراغ تستعد مختلف الجهات المعنية لملئه، خاصة بعد أن برزت بوادر لتوافق سوري – سعودي في الانتخابات لتحقيق نوع من التوازن في مواجهة النفوذ الإيراني المتشعب هناك.
لكن هذا التوافق لا يعبّر عن تمايز الجانب السوري عن الإيراني، بل انه قد يساعد في تحقيق تسوية مشابهة لاتفاق الدوحة اللبناني، يتم الاتفاق بموجبه على حكومة وحدة وطنية تفسح المجال أمام دول الجوار لمشاركة إيران في الحصص والنفوذ، وتساهم فيها تركيا مع الجانب السوري في إقناع طهران بها، وذلك انطلاقاً من الدور التركي المتعاظم والجديد في المنطقة، والمستند إلى ضوء أخضر أمريكي يتيح لهذا الدور التمدّد، سواء في العراق الذي يعتبر الحفاظ على استقراره ووحدته أحد الشواغل الرئيسية للسياسة الخارجية التركية، نظراً لما يمكن أن يعكسه أي تطور، خاصة في إقليم كردستان، على الجوار الكردي، فضلاً عن الأهمية الاقتصادية والتجارية للعراق بالنسبة لتركيا، سواء ما تتعلق منها بإعادة بنيته الاقتصادية، أو بتأمين خطوط ومسارات تصدير النفط .أو في مواجهة
إيران، حيث يستمد هذا الدور قوته من القدرة على بناء علاقات متوازنة مع إيران التي تجمعها بها مصالح مشتركة تدفع تركيا إلى رفض العقوبات الدولية عليها، وإلى المساهمة في فك عزلتها، وتتيح لتركيا بالمقابل القيام بدور جسر لتزويد أوربا بالطاقة.
أما على المسار التركي السوري، فإن العلاقات بين الجانبين أخذت طابعاً تحالفياً، تبرز أهم دلالاته في تطور المستوى التجاري وتزايد حجم الاستثمارات وتبادل الخدمات والأدوار السياسية، مثل فتح قنوات الاتصال السورية مع أمريكا وأوربا، واعتماد الوسيط التركي، سورياً، كأساس في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، والتي قد تستأنف مرة أخرى على ضوء المستجدات المحيطة، خاصة بعد زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي باراك لأنقرة وما شكلته من تعزيز للتعاون العسكري بين البلدين، ورغبة حكومة حزب العدالة في استعادة الدور الإقليمي والدولي لتركيا، بعد أن يئس من قرب الانضمام للإتحاد الأوربي.
ومما يزيد من إمكانية إحياء تلك المفاوضات، ما تعرض له المسار الفلسطيني من احتمالات الإنسداد بسبب التعنّت الإسرائيلي، وعودة النفوذ السوري نسبياً إلى لبنان، وما يرافقه من عودة الترابط بين المسارين السوري و اللبناني، وما تعنيه بالمقابل عودة القلق من إعادة لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات، ولاسيما مع حزب الله الذي يعتبر جزءاً من الإستراتيجية العسكرية الإيرانية، يمكن استخدامه كذراع لإشعال فتيل حرب جديدة، تحوّل الأنظار والعقوبات المتوقعة على طهران، أو ورقة ضغط وتهديد لإسرائيل في حال التفكير بعمل عسكري ضد منشأتها النووية.
وفي الداخل الوطني تتعمق الأزمة الاقتصادية لتتفاعل مع سوء التخطيط وغياب الرقابة والشفافية وتفشي ظاهرة الفساد والمحسوبية في أغلب دوائر الدولة في تدهور الأوضاع المعاشية واتساع دوائر الفقر وتراجع معدّلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى عناوين أخرى تشير جميعها إلى أن تلك الأزمة الاقتصادية وصلت إلى مستويات خارجة عن إمكانية المعالجة الصحيحة والمطلوبة.
ومما يزيد من حالة القلق حيال تداعيات هذا العجز، هو استمرار السلطة في نهج ولغة التشدّد الأمني إزاء مختلف الملفات والاستخفاف بكرامة ومصالح المواطنين والإبقاء على سياسة الاعتقال الكيفي.
وفي المناطق الكردية المبتلية، إلى جانب الأزمة العامة، بسياسة تمييز ، تجد تطبيقاتها في كل ما يعني الشأن الكردي، وتصل إلى حد القتل العمد، مثلما تكرّر في أحداث آذار الدامية عام 2004 واحتفالات نوروز 2008 في القامشلي و 2010 في الرقة والتي أقدمت فيها جهات في السلطة على استفزاز المحتفلين الكرد لتبرّر بذلك استسهال إطلاق الرصاص الحي لتقتل ثلاثة وتجرح العشرات وتعتقل الكثيرين.
ومهما تكن الحجج التي ساقتها تلك الجهات لتنفيذ جريمتها النكراء، فإن استباحة دم الموطن الانسان أمر خطير يثير القلق والاستياء لدى كل مواطن سوري يعتبر نفسه مستهدفاً من خلال استهداف الكرد، ولذلك فإن على السلطة أن تستجيب للدعوات الصادرة عن جهات حقوقية في الداخل والخارج، تطالب بإجراء تحقيق عادل ومحاسبة من تثبت إدانته، عقاباً على ما ارتكبوا من جريمة و ضماناً لصيانة كرامة ودماء المواطنين وحياتهم.
في 2|4|2010
اللجنة السياسية