د.آزاد أحمد علي*
تمر في هذه الأيام الذكرى السادسة والثمانون لمعاهدة سيفر، التي أبرمت في 10 آب عام 1920م، وكانت ثمرة لمجمل النضال الجماهيري والنخبوي للشعب الكردي طوال القرن التاسع عشر، هذا النضال الموجه أساسا ضد السيطرة العثمانية ـ التركية، كما جاءت المعاهدة كأحد أبرز نتائج الحرب العالمية الأولى وترجمة لانعكاساتها الجيوسياسية على منطقة الشرق الأوسط, حيث اتفق بموجبها الحلفاء المنتصرون مع حكومة استنبول المؤقتة “حكومة الدامداد فؤاد باشا” على مجموعة من البنود يتم على ضوئها ترسيم الحدود وتنظيم بنية ما تبقى من نواة “الإمبراطورية العثمانية”، ومن أهم تلك البنود والنصوص بالنسبة لنا هو ما يتعلق باقتراح الحلول المناسبة للمسائل القومية عموما والمسألة الكردية على وجه الخصوص.
حيث وضعت المعاهدة الأسس القانونية لحق تقرير المصير للشعب الكردي وحق سيادته السياسية على ارض كردستان مع تامين حقوق الأقليات داخل المناطق الكردية وذلك بإشراف دولي متمثلا في حينه بعصبة الأمم، فقد جاءت في البنود 62- 63- 64 من معاهدة سيفر: (تشكل لجنة من حكومة بريطانيا وفرنسا وايطاليا لتقدم خلال ثلاثة اشهر خطة لحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها الغالبية الكردية شرق نهر الفرات..
وسوف يضمن المشروع ضمانا تاما لحماية الآشوريين والكلدان وغيرهما من الأقليات القومية والعرقية في هذه المناطق ـ مادة ـ 62..
توافق الحكومة التركية بموجب هذه المعاهدة على قبول وتنفيذ القرارات المتخذة في المادة (62) في غضون ثلاثة اشهر من إبلاغ القرارات للحكومة المذكورة) المادة ـ 63 ـ وقد ورد في المادة ـ 64 ـ من المعاهدة:(وإذا حدث، خلال السنة الأولى من تطبيق هذه الاتفاقية أن تقدم الشعب الكردي القاطن في المناطق التي حددتها المادة (62) إلى مجلس عصبة الأمم قائلين: “إن غالبية سكان هذه المناطق ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حال اعتراف عصبة الأمم إن هؤلاء السكان أكفاء للعيش حياة مستقلة وتوصيتها بمنح الاستقلال فان تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المناطق.
وسوف تكون الإجراءات التفصيلية
لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وتركيا.
وفي حال حصول التخلي، فان الحلفاء لن يثيروا أي اعتراض ضد قيام كرد ولاية الموصل ـ كردستان العراق حاليا ـ بالانضمام الاختياري إلى هذه الدولة الكردية.)
لكن استقلال المناطق الكردية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية لم يتحقق، بل تفتت في تبعيتها لثلاث أو أربع دول وليدة في المنطقة، وقد تراجع الحلفاء المنتصرون عن هذه المعاهدة وتراجعت بريطانيا عن حماسها وتشجيعها لاستقلال كردستان، كما تزايد اعتراض فرنسا على تشكيل الدولة الكردية الجديدة، على اعتبار أنها لم تكن مقتنعة بها أصلا …
فلماذا لم تتمخض عن هذه المعاهدة الخطيرة دولة كردستان المرتقبة بعد نضال طويل من قبل الأوساط الكردستانية كافة، علما أن الظروف الدولية والإقليمية كانت قد تهيأت وتوافر الأساس القانوني للاستقلال؟ لقد تكرر هذا السؤال وما يزال يتكرر ويتبادر إلى ذهن المتابع لتلك المرحلة صياغة أخرى لهذا التساؤل: مادام الحلفاء كانوا منتصرين ويحتلون معظم الشرق الأوسط والأناضول وكردستان وقد وقعوا على هذه المعاهدة التي جاءت تحت ضغط وإلحاح القوى الكردية المطالبة بالاستقلال، وكترجمة لوعود بريطانيا المتكررة للكرد، فلماذا تراجع الحلفاء واختفت دولة كردستان في مرحلة عصيبة من تاريخ المنطقة، خاصة في الأعوام (1918 – 1923) التي اختفت إبانها آخر إمبراطورية في المشرق، وعلى أنقاضها لم يكن يتطلب إعلان الدول سوى إلى حفلة كوكتيل تجمع سفراء وقناصل وبعض جنرالات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى! نعم بالضبط كانت يومئذ المناخات مهيأة، والدولة الكردية كانت فقط تحتاج لحفلة كوكتيل يعلن فيها ولادة دولة كردستان، إذ كان من الممكن أن يتم تسمية رئيس الدولة وترسيم الخطوط العامة لحدوها، وبعدها كانت الدولة تقوم على قدميها الداميتين، وهذا ما حدث لغيرها من الدول وما كان سيحدث لها، فهكذا تم إنتاج معظم الدول التي ورثت الإمبراطورية ـ الخلافة العثمانية.
يبدو أن مجموعة من العوامل قد تشابكت وتضافرت جملة من المسببات لوقف وتأجيل مشروع استقلال كردستان، فروايات الدول الحليفة “حسب ما نشرت من وثائق وما كتبه أغلب مؤرخي ومستشرقي الغرب” أحالت عدم بروز دولة كردستان إلى عوامل ذاتية خاصة بالكرد .
مثل (غياب القيادة الحكيمة الواعية، البنية القبلية، عدم اتفاق الكرد جميعا حول مشروع الاستقلال..)
ولكن هذه الحجج تبدو واهية إذ لا يخفى على احد أن العديد من الدول ظهرت في المنطقة والعالم وكانت بنيتها قبلية ومازالت، كما أن زعاماتها أوجدت بمساعي دول الحلفاء أنفسهم، وفي الوقت نفسه نجد أن عددا آخر من الدول التي صنعتها أوروبا على أسس قومية ـ أثنية، مازالت لا تؤمن بالقومية ولا الديمقراطية …
مما لاشك فيه أن الدول المنتصرة في الحرب أبرمت مجموعة من الصفقات الثنائية والجماعية لتوزيع المستعمرات والغنائم وخاصة تركة الرجل المريض “الإمبراطورية العثمانية” وكانت حاصل قسمة وحساب هذه الصفقات إبقاء كردستان مجزأة غير مستقلة، فالمشهد كان عصرئذ على الشكل الآتي: أمريكا كانت تحبذ إنشاء دولة أرمنية واسعة على حساب المناطق الكردية الشمالية كترجمة فورية لمبادئ ولسون، وروسيا كانت تميل لمد نفوذها إلى داخل كردستان حتى منطقة راوندوز، أما فرنسا كانت ضد استقلال كردستان وكانت تهدف إلى ضم اكبر جزء من كردستان إلى مستعمرتها في سوريا بما فيه جزيرة بوتان والموصل، في حين ظلت بريطانيا مترددة ومتوترة وحسمت رأيها بضم كردستان الجنوبية “لواء الموصل مع نفطها إلى مملكة العراق التي ظل بعضا من رجالاتها ضد ضمها إلى العراق العربي حتى آخر لحظة أمثال “نويل”.
وكان الغطاء القانوني لكل هذه الإجراءات الاستعمارية، هو إلغاء معاهدة سيفر والتمهيد لاتفاق جديد في لوزان في /24/ تموز 1923، وقد تمخض عن هذا الاتفاق ـ الصفقة تثبيت الحدود الحالية للدول في المنطقة والتوصية بتامين الحقوق الثقافية للكرد داخل دولتي تركيا الجديدة والعراق المستحدث.
وبناء على قراءة سريعة لتلك المرحلة وملابساتها يمكن الاستنتاج بأن أبرز مسببات هذه التحول المشؤوم تجاه كردستان كانت:
-1عدم اقتناع الحلفاء عموما وكل من فرنسا وبريطانيا بدعم وإعلان استقلال كردستان، وهذا التردد كان وراء كل هذه المناورات التي تبعت الحرب الأولى وخاصة في أعوام 1920- 1923، وعلى ما يبدو ثمة عامل آخر خفي لم يظهر إلى العلن بعد، وراء موقف الحلفاء السلبي من استقلال كردستان في أكثر الأوقات ملائمة وسهولة لولادة هذه الدولة.
2 – إلغاء الخلافة العثمانية شكل حافزا ومؤشرا على تقارب حكومة الكماليين مع الغرب /المسيحي، ومدخلا لتغيير المنظومة الإسلامية (الخلافة الإسلامية الشكلية) في المشرق وشكلت هذه الخطوة في الواقع أول رشوة قدمها الكماليون الترك للغرب وحافزا جديدا لمعاقبة الكرد، المتهمين زورا بالمشاركة في مجازر المسيحيين.
-3 تحالف الكماليين مع البلاشفة وموقف البلاشفة السلبي من المسألة الكردية وإمكانية دعم استقلال هذا الشعب الذي لم يكن على ما يبدو (مسجلا في دفاتر البلاشفة على أنهم شعب يستحق حق تقرير المصير على ضوء النظريات والكراريس اليساروية المعتمدة لديهم).
-4 خوف بريطانيا من مواجهة أعداء جدد جراء التمسك بإعلان الدولة الكردية ورعايتها مثل “روسيا، تركيا الكمالية، إيران الشاهنشاهية، القوميين العرب حلفاء بريطانيا الأساسيين إبان الحرب الأولى.
واليوم وبعد مرور هذه الحقبة الزمنية الطويلة وفي ظل عدم استقرار الوضعين الإقليمي والدولي، نستعيد ذكرى معاهدة سيفر بوصفها أول محاولة دولية ـ قانونية لوضع أسس لمشروعية تحرر كردستان واستقلالها التام.
ولابد من التذكير بهذا الصدد والتأكيد على مسؤولية أوربا المباشرة اتجاه مأساة شعب كردستان، وينبغي القول دون تحفظ بأن الدول المنتصرة في الحرب الأولى وخاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا هما شركاء حقيقيون للدول التي تقتسم كردستان اليوم وتضطهد الشعب الكردي، لذلك يفترض أن تقوم بتقديم الاعتذار للشعب الكردي والعمل الجاد من اجل خلق مناخ إقليمي ودولي لعقد مؤتمر متعدد الأطراف لإحياء معاهدة سيفر وبث الروح في أوصالها من جديد، واعتبارها أساسا نظريا للحل، اخذين بعين الاعتبار الوضع الدولي والتطور العام للمجتمعات البشرية، وبالتالي الإقرار بحق تقرير المصير السياسي لشعب كردستان وتحديد شكل علاقته الطوعية مع حكومة أنقرة والعمل الجاد من اجل وضع حد لمعاناة الشعب الكردي الذي كان ومازال الضحية الأولى للصفقات التآمرية الكولونيالية بين دول الحلفاء المنتصرة.
وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن جزءا من المسؤولية تقع أيضا على كاهل النخب الثقافية والسياسية الكردية خاصة تلك التي تقيم في أوروبا، فمن واجبها إحياء هذه المناسبة كل عام وشرح مضمون معاهدة سيفر للقوى والأوساط الفاعلة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية وتسليط الضوء على الأحداث المأساوية التي تعرض ويتعرض لها الشعب الكردي بسبب عدم تطبيق هذه المعاهدة الدولية.
وكذلك الإشارة الدائمة إلى المسؤولية الأخلاقية لحكومات وشعوب أوربا اتجاه عملية الاتجار بالدم الكردي طوال القرنيين التاسع عشر والعشرين من قبل الأوساط الأكثر براغماتية ولا أخلاقية في حكومات أوربا وأمريكا، وتحميل المسؤولية على تلك القوى التي كانت تحكم وتصنع القرار السياسي الذي جاء دائما عكس حقوق ومطامح الشعب الكردي وقضيته التحررية الإنسانية العادلة.
——————————
دكتور مهندس- باحث وكاتب سياسي كردي سوري- قامشلي
وسوف يضمن المشروع ضمانا تاما لحماية الآشوريين والكلدان وغيرهما من الأقليات القومية والعرقية في هذه المناطق ـ مادة ـ 62..
توافق الحكومة التركية بموجب هذه المعاهدة على قبول وتنفيذ القرارات المتخذة في المادة (62) في غضون ثلاثة اشهر من إبلاغ القرارات للحكومة المذكورة) المادة ـ 63 ـ وقد ورد في المادة ـ 64 ـ من المعاهدة:(وإذا حدث، خلال السنة الأولى من تطبيق هذه الاتفاقية أن تقدم الشعب الكردي القاطن في المناطق التي حددتها المادة (62) إلى مجلس عصبة الأمم قائلين: “إن غالبية سكان هذه المناطق ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حال اعتراف عصبة الأمم إن هؤلاء السكان أكفاء للعيش حياة مستقلة وتوصيتها بمنح الاستقلال فان تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المناطق.
وسوف تكون الإجراءات التفصيلية
لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وتركيا.
وفي حال حصول التخلي، فان الحلفاء لن يثيروا أي اعتراض ضد قيام كرد ولاية الموصل ـ كردستان العراق حاليا ـ بالانضمام الاختياري إلى هذه الدولة الكردية.)
لكن استقلال المناطق الكردية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية لم يتحقق، بل تفتت في تبعيتها لثلاث أو أربع دول وليدة في المنطقة، وقد تراجع الحلفاء المنتصرون عن هذه المعاهدة وتراجعت بريطانيا عن حماسها وتشجيعها لاستقلال كردستان، كما تزايد اعتراض فرنسا على تشكيل الدولة الكردية الجديدة، على اعتبار أنها لم تكن مقتنعة بها أصلا …
فلماذا لم تتمخض عن هذه المعاهدة الخطيرة دولة كردستان المرتقبة بعد نضال طويل من قبل الأوساط الكردستانية كافة، علما أن الظروف الدولية والإقليمية كانت قد تهيأت وتوافر الأساس القانوني للاستقلال؟ لقد تكرر هذا السؤال وما يزال يتكرر ويتبادر إلى ذهن المتابع لتلك المرحلة صياغة أخرى لهذا التساؤل: مادام الحلفاء كانوا منتصرين ويحتلون معظم الشرق الأوسط والأناضول وكردستان وقد وقعوا على هذه المعاهدة التي جاءت تحت ضغط وإلحاح القوى الكردية المطالبة بالاستقلال، وكترجمة لوعود بريطانيا المتكررة للكرد، فلماذا تراجع الحلفاء واختفت دولة كردستان في مرحلة عصيبة من تاريخ المنطقة، خاصة في الأعوام (1918 – 1923) التي اختفت إبانها آخر إمبراطورية في المشرق، وعلى أنقاضها لم يكن يتطلب إعلان الدول سوى إلى حفلة كوكتيل تجمع سفراء وقناصل وبعض جنرالات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى! نعم بالضبط كانت يومئذ المناخات مهيأة، والدولة الكردية كانت فقط تحتاج لحفلة كوكتيل يعلن فيها ولادة دولة كردستان، إذ كان من الممكن أن يتم تسمية رئيس الدولة وترسيم الخطوط العامة لحدوها، وبعدها كانت الدولة تقوم على قدميها الداميتين، وهذا ما حدث لغيرها من الدول وما كان سيحدث لها، فهكذا تم إنتاج معظم الدول التي ورثت الإمبراطورية ـ الخلافة العثمانية.
يبدو أن مجموعة من العوامل قد تشابكت وتضافرت جملة من المسببات لوقف وتأجيل مشروع استقلال كردستان، فروايات الدول الحليفة “حسب ما نشرت من وثائق وما كتبه أغلب مؤرخي ومستشرقي الغرب” أحالت عدم بروز دولة كردستان إلى عوامل ذاتية خاصة بالكرد .
مثل (غياب القيادة الحكيمة الواعية، البنية القبلية، عدم اتفاق الكرد جميعا حول مشروع الاستقلال..)
ولكن هذه الحجج تبدو واهية إذ لا يخفى على احد أن العديد من الدول ظهرت في المنطقة والعالم وكانت بنيتها قبلية ومازالت، كما أن زعاماتها أوجدت بمساعي دول الحلفاء أنفسهم، وفي الوقت نفسه نجد أن عددا آخر من الدول التي صنعتها أوروبا على أسس قومية ـ أثنية، مازالت لا تؤمن بالقومية ولا الديمقراطية …
مما لاشك فيه أن الدول المنتصرة في الحرب أبرمت مجموعة من الصفقات الثنائية والجماعية لتوزيع المستعمرات والغنائم وخاصة تركة الرجل المريض “الإمبراطورية العثمانية” وكانت حاصل قسمة وحساب هذه الصفقات إبقاء كردستان مجزأة غير مستقلة، فالمشهد كان عصرئذ على الشكل الآتي: أمريكا كانت تحبذ إنشاء دولة أرمنية واسعة على حساب المناطق الكردية الشمالية كترجمة فورية لمبادئ ولسون، وروسيا كانت تميل لمد نفوذها إلى داخل كردستان حتى منطقة راوندوز، أما فرنسا كانت ضد استقلال كردستان وكانت تهدف إلى ضم اكبر جزء من كردستان إلى مستعمرتها في سوريا بما فيه جزيرة بوتان والموصل، في حين ظلت بريطانيا مترددة ومتوترة وحسمت رأيها بضم كردستان الجنوبية “لواء الموصل مع نفطها إلى مملكة العراق التي ظل بعضا من رجالاتها ضد ضمها إلى العراق العربي حتى آخر لحظة أمثال “نويل”.
وكان الغطاء القانوني لكل هذه الإجراءات الاستعمارية، هو إلغاء معاهدة سيفر والتمهيد لاتفاق جديد في لوزان في /24/ تموز 1923، وقد تمخض عن هذا الاتفاق ـ الصفقة تثبيت الحدود الحالية للدول في المنطقة والتوصية بتامين الحقوق الثقافية للكرد داخل دولتي تركيا الجديدة والعراق المستحدث.
وبناء على قراءة سريعة لتلك المرحلة وملابساتها يمكن الاستنتاج بأن أبرز مسببات هذه التحول المشؤوم تجاه كردستان كانت:
-1عدم اقتناع الحلفاء عموما وكل من فرنسا وبريطانيا بدعم وإعلان استقلال كردستان، وهذا التردد كان وراء كل هذه المناورات التي تبعت الحرب الأولى وخاصة في أعوام 1920- 1923، وعلى ما يبدو ثمة عامل آخر خفي لم يظهر إلى العلن بعد، وراء موقف الحلفاء السلبي من استقلال كردستان في أكثر الأوقات ملائمة وسهولة لولادة هذه الدولة.
2 – إلغاء الخلافة العثمانية شكل حافزا ومؤشرا على تقارب حكومة الكماليين مع الغرب /المسيحي، ومدخلا لتغيير المنظومة الإسلامية (الخلافة الإسلامية الشكلية) في المشرق وشكلت هذه الخطوة في الواقع أول رشوة قدمها الكماليون الترك للغرب وحافزا جديدا لمعاقبة الكرد، المتهمين زورا بالمشاركة في مجازر المسيحيين.
-3 تحالف الكماليين مع البلاشفة وموقف البلاشفة السلبي من المسألة الكردية وإمكانية دعم استقلال هذا الشعب الذي لم يكن على ما يبدو (مسجلا في دفاتر البلاشفة على أنهم شعب يستحق حق تقرير المصير على ضوء النظريات والكراريس اليساروية المعتمدة لديهم).
-4 خوف بريطانيا من مواجهة أعداء جدد جراء التمسك بإعلان الدولة الكردية ورعايتها مثل “روسيا، تركيا الكمالية، إيران الشاهنشاهية، القوميين العرب حلفاء بريطانيا الأساسيين إبان الحرب الأولى.
واليوم وبعد مرور هذه الحقبة الزمنية الطويلة وفي ظل عدم استقرار الوضعين الإقليمي والدولي، نستعيد ذكرى معاهدة سيفر بوصفها أول محاولة دولية ـ قانونية لوضع أسس لمشروعية تحرر كردستان واستقلالها التام.
ولابد من التذكير بهذا الصدد والتأكيد على مسؤولية أوربا المباشرة اتجاه مأساة شعب كردستان، وينبغي القول دون تحفظ بأن الدول المنتصرة في الحرب الأولى وخاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا هما شركاء حقيقيون للدول التي تقتسم كردستان اليوم وتضطهد الشعب الكردي، لذلك يفترض أن تقوم بتقديم الاعتذار للشعب الكردي والعمل الجاد من اجل خلق مناخ إقليمي ودولي لعقد مؤتمر متعدد الأطراف لإحياء معاهدة سيفر وبث الروح في أوصالها من جديد، واعتبارها أساسا نظريا للحل، اخذين بعين الاعتبار الوضع الدولي والتطور العام للمجتمعات البشرية، وبالتالي الإقرار بحق تقرير المصير السياسي لشعب كردستان وتحديد شكل علاقته الطوعية مع حكومة أنقرة والعمل الجاد من اجل وضع حد لمعاناة الشعب الكردي الذي كان ومازال الضحية الأولى للصفقات التآمرية الكولونيالية بين دول الحلفاء المنتصرة.
وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن جزءا من المسؤولية تقع أيضا على كاهل النخب الثقافية والسياسية الكردية خاصة تلك التي تقيم في أوروبا، فمن واجبها إحياء هذه المناسبة كل عام وشرح مضمون معاهدة سيفر للقوى والأوساط الفاعلة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية وتسليط الضوء على الأحداث المأساوية التي تعرض ويتعرض لها الشعب الكردي بسبب عدم تطبيق هذه المعاهدة الدولية.
وكذلك الإشارة الدائمة إلى المسؤولية الأخلاقية لحكومات وشعوب أوربا اتجاه عملية الاتجار بالدم الكردي طوال القرنيين التاسع عشر والعشرين من قبل الأوساط الأكثر براغماتية ولا أخلاقية في حكومات أوربا وأمريكا، وتحميل المسؤولية على تلك القوى التي كانت تحكم وتصنع القرار السياسي الذي جاء دائما عكس حقوق ومطامح الشعب الكردي وقضيته التحررية الإنسانية العادلة.
——————————
دكتور مهندس- باحث وكاتب سياسي كردي سوري- قامشلي