العراق في ميزان «أهون الشريين»

صلاح بدرالدين

     أنظار العالم في المحيطين الاقليمي والعالمي متجهة صوب العراقيين وهم في ذروة التحضيرات لانجاز عملية الاقتراع من جانب ما يقارب العشرين مليون ناخب في صناديق الانتخابات التشريعية في السابع من آذار – مارس الجاري لاختيار ثلاثمائة وخمس وعشرين ممثلا لعضوية المجلس الوطني العراقي – البرلمان – لأربعة أعوام قادمة وذلك كاستحقاق دستوري وحق مدني وواجب وطني للمواطن العراقي أيا كانت قوميته وموقعه الجغرافي ومذهبه ومكانته الاجتماعية وتوجهه السياسي ومن الواضح أن الدورة الانتخابية المرتقبة تتسم بالأهمية البالغة ليس لأنها سترسم معالم المستقبل السياسي العراقي للمدى المنظور فحسب بل كونها ستجري أولا عشية انسحاب القوات الأمريكية حسب الاتفاقية الأمنية بين الطرفين وما يستتبع من بروز تحديات مصيرية أمام الحكومة العراقية القادمة في مسألة ضبط الأمن وارساء الاستقرار بالتصدي الحازم لقوى الارهاب وفي جانب آخر من أهمية هذه الدورة حصولها حسب نظام القائمة المفتوحة الذي يزيد من دور الناخب وتوسيع هامش خياراته واشعاره بالمسؤولية تجاه بلده ومستقبله السياسي  وتحفيز الناخب نحو المشاركة .
   بموازاة العملية التنافسية الداخلية الساخنة بين الكتل والكيانات العراقية تبرز الأبعاد الخارجية بقوة متناهية وخاصة من دول الجوار التي أعلنت دون استثناء ومنذ أمد غير بعيد صراحة ومواربة عن نياتها في ملىء الفراغ الذي سينشأ من الانسحاب الأمريكي والبعض منها لايخفي أطماعا تاريخية مبيتة ممتدة من عهود الامبراطوريتين العثمانية والصفوية أو مستندة الى ادعاءات قوموية ممزوجة بدواعي الانتقام لللنظام المقبور أو مذهبية توحي بالانتصارالمزعوم للسنة العرب خلاصة القول يمضي العراقييون بغالبيتهم الساحقة نحو تعميق العملية السياسية الديموقراطية واستكمال خطوات بناء دولتهم الاتحادية الجديدة ونظامهم السياسي الوليد بعد اسقاط الدكتاتورية العاتية بما في ذلك تطبيق الدستور والقوانين وترسيخ المصالحة الوطنية وحل الاشكالات القائمة حتى الآن بين اقليم كردستان والمركز وتطبيع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ولاشك أن تحقيق الأمن والاستقرار هو الشغل الشاغل لهم جميعا وتتقاطع مع هذه التوجهات الوطنية الداخلية الى درجة التشابك تدخلات وامتدادات عبر مسالك وممرات متعددة من خارج الحدود بحيث تجذب عملية التحضيرات الجارية والحملات الاعلامية الدعائية  المال السياسي المتدفق من عواصم النفط وتستحضر في الوقت ذاته التفجيرات الارهابية الآتية من عواصم الاستبداد وفي الحالتين يزدهرالنشاط المخابراتي السري الموجه من مراكز خارج الحدود.

  اذا استثنينا الساحة الكردستانية نرى المشهد العراقي الراهن عشية الانتخابات في العراق العربي موضع تجاذب كتلتين رئيسيتين لاتختلفان من حيث المنشأ المذهبي والقاعدة الاجتماعية والشعارات والبرامج والاعلانات حول الأوضاع الداخلية ولكنهما سرعان ما تختلفان وتفترقان في مجال الاستقطاب الخارجي بدائرته الاقليمية تحديدا التي يطلق عليها  معظم السياسيين العراقيين تسمية – المخاطر والتهديدات القادمة من الجوار الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي –  ومن المفارقات الملفتة أن الجانب الأمريكي المعني الأكبر بالشأن العراقي بحكم قرارات هيئة الأمم المتحدة والاتفاق الأمني الثنائي الذي يربطه بالعراق وحضوره السياسي اللافت وتواجد الآلاف من قواته العسكرية والتزاماته المترتبة عليه أمام المجتمع الدولي بخصوص أمن واستقرار البلد الذي أزال نظامه الدكتاتوري ودعم ومازال حكوماته المتعاقية ونظامه السياسي هو أقل الأطراف الخارجية تدخلا بتفاصيل العملية الانتخابية أو انحيازا لكتلة دون أخرى والأكثر حذرا في اظهار دعمه لهذا الطرف أو ذاك حيث تقتضي المصالح الأمريكية نجاح العملية الديموقراطية بسلاسة ومجيء حكومة ائتلافية قوية تمثل الغالبية البرلمانية ترسي اتفاقيات عراقية – أمريكية جديدة في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والسياسية في المرحلة القادمة وتساهم في تسهيل مهمة انسحاب قواتها حسب رغبة الادارة والكونغرس وارادة الرأي العام الأمريكي بغالبيته الساحقة  في حين نرى بوضوح مدى تهافت أنظمة وحكام دول الجوار العراقي وخاصة من الغرب والشرق عبر المال والاعلام واستقبال متزعمي كتل معينة والارهاب والتسابق في التدخلات الفجة بدون مراعاة القانون الدولي وسيادة العراق وحرمة العراقيين وتشكل – الفزعة – العربية الرسمية الأخيرة من النظام السوري وبعض الأنظمة الخليجية وبينها المملكة السعودية لكتلة السيد – أياد علاوي – التي جاءت مباشرة بعد تنفيذ قرارات – هيئة المساءلة والعدالة – (هيئة اجتثاث البعث) سابقا باستبعاد عدد من المشتبه بهم من بعثيين صداميين من سجلات المرشحين مصحوبة بصخب اعلامي يتهم ايران ضمنا بدعم السيد – نوري المالكي – رئيس الحكومة .


  اذا صح ما تتناقله المصادر المطلعة حول دوروفعل الثنائية الاقليمية الغربية – الشرقية بشأن العراق بصورتها السالفة الذكر فلابد من القول بادىء ذي بدء أن الطرفين المتدخلين يهدفان الاساءة للعراق وطنا وشعبا والنيل من سيادته واستقلاله ولكل منهما أجندته وأغراضه الخاصة ولاشك ولدى مقارنة الأحداث التاريخية الماضية المتعلقة بالطرفين المتصارعين على النفوذ في العراق ووسائلهما وشعاراتهما وخطابهما واهدافهما القريبة والبعيدة قد نتوصل الى نتائج تؤكد على استخدام الجانبين وسائل العنف والتفجير والارهاب في سبيل تحقيق النفوذ واجبار العراقيين على الرضوخ لمصالحهما (حتى الأمس القريب بل وحتى الآن هناك تنسيق سوري ايراني في ادارة العنف الارهابي في مناطق عدة من العراق) من جهة أخرى لايتنافس الطرفان من أجل تحقيق مكاسب للعراقيين أو اعادة اعمار بلدهم بل من أجل اذلالهم واذا كان الايرانييون أقل تحسسا من المكونات العراقية غير العربية وأكثر قبولا لواقع اقليم كردستان الفدرالي وكذلك أقل الماما واهتماما بالتفاصيل الداخلية لمصلحة استراتيجيتهم في مواجهة الغرب الى حين تثبيت برنامجهم النووي وفرض شروطهم على المفاوض الغربي ومن ثم لكل حادث حديث بشأن العلاقات المستقبلية مع الغرب التي تحمل آفاقا مشجعة رغم كل المزايدات الكلامية فان الطرف الآخر وبعكس الايرانيين لايخفي حنينه الى النظام المقبور والتعاطف مع من يرغب من القوى العراقية اعادة الأمور الى الوراء من بعثيين سنة وشيعة ومجاميع سنية ارهابية اضافة الى موقفه الحذر والمناوىء للعملية السياسية باتجاه التغيير الديموقراطي والمعادي للنظام الفدرالي وبالأخص لفدرالية اقليم كردستان والرافض لحقيقة العراق التعددية قوميا ودينيا ومذهبيا كما ينص عليه الدستور اسوة بمواقفه الشوفينية والاقصائية من القوميات والمذاهب في بلدانه بل الداعي عبر وسائل الاعلام ومن خلال التيارات القوموية الاسلاموية المتحالفة الموالية له مثل بقايا البعث المتعششين في قائمة السيد – علاوي – وجماعتي  – الضاري – و – النجيفي –  ومجاميع – قاعدية – وعشائرية التي لها مكاتب ومخابيء في سوريا الى اقصاء القوميات والمكونات غير العربية وطمس وجودها والدعوة غير المباشرة باستئصالها من خلال رفع شعارات – عروبة العراق – وعروبة الموصل وكركوك –  من هنا وفي خضم حسابات ربح وخسارة العراقيين ومستقبل بلدهم ووضعهم الأمني ومصير انجازاتهم التي تحققت بدمائهم ودموعهم نتوصل الى حقيقة سوء وخطورة كل التدخلات الخارجية الآتية من منطق الاستخفاف بقدرات العراق العسكرية والاقتصادية واستغلال ظروف محنته في المرحلة الانتقالية الصعبة ولكن وبما أننا مازلنا في مجال المقارنة بين الشرور قد نجد أهونها في المشهد العراقي .

 

  فرصة تاريخية أخرى أمام العراقيين بعربهم وكردستانهم في دورتهم الانتخابية الجديدة الحرة لاعادة انتخاب ممثليهم الى السلطة التشريعية وتجديد السلطة التنفيذية وتعزيز الوحدة الوطنية التي يحسدهم عليها – ايجابيا ومن موقع الصداقة – غالبية شعوب المنطقة وفي المقدمة شعوب سوريا وايران والسعودية  .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…