حوار شامل مع – مشعل التمو- الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكوردي في سوريا

أجرى الحوار: علي الحاج حسين*

 

لم يتردد الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكوردي في سوريا الأستاذ مشعل التمو من الوقوف تحت وابل الأسئلة التي أعددناها له مع زميلي مهند عبد الرحمن، ولم يتهرب أو يتستر خلف عبارات تقيه زخات الأسئلة المتتابعة، وكعادته كان صادقا بوعده وصريحا بأجوبته..

ورد مشكورا على كافة الأسئلة في المحاور الخمس التي نحن بصددها، وبسحب نصوص الأسئلة تبقى إجابات الآستاذ مشعل مواضيعا مستقلة تلي عناوين محاور هذا الملف، فإلى إجاباته:

أولا : الحرب في لبنان وانعكاساتها .

ما يجري في لبنان ليس حربا لبنانية , بل لبنان هو مساحة جغرافية تصفى فيها حسابات إقليمية ودولية , وتخضع لحسابات سياسية ينتمي بعضها إلى فكر وثقافة جهادية ومشبعة بتراث مختلط ومؤدلج , قوموي وديني , مضافا إليه نزعة الولاء الديني الذي يستند إلى روحية مقاومة على مر التاريخ الإسلامي , من جهة , ومن جهة أخرى , هناك نزعة تصفية الحسابات السورية ومعيارية الثأر والتحرير عبر بيت الجيران , ومن جهة ثالثة , هناك هوس إعادة أمجاد الأمة الفارسية والسيطرة على المنطقة وامتلاك جزء أو كل قرارها السياسي والاقتصادي أيضا .وفي الاتجاه الأخر هناك إسرائيل , الدولة التي كانت وظيفية , لكنها أصبحت مدنية , لها ثقافتها الانتصارية وشبكة مصالحها المرتبطة بشكل وثيق بدوام هيمنتها العسكرية , مضافا إلى ذلك المصالح الأمريكية والأوربية التي تغيرت بعد 11 من أيلول من حماية أنظمة الاستبداد , التي أوجدت بؤر تنتج إرهابا وعنفا , كنتيجة لسياستها القمعية وفسادها السياسي والاجتماعي والاقتصادي , إلى محاولة القضاء على نزعة تصدير الإرهاب وثقافة الانتقام من مجمل السياسة الغربية .
وتاريخيا لبنان يدفع ضريبة ديمقراطيته المبنية على أساس التمثيل الطائفي , لكنها تشكل خطرا على جيرانها , ولعل الحرب الراهنة تأتي ضمن سياق سلسلة حروب أهلية وإقليمية ودولية جرت في لبنان , لكن هذه المرة المعادلات تختلف والإطراف اختلفت , فهي المرة الأولى التي تصبح فيها إيران غير العربية طرفا في تحديد بدايتها وحتى نهايتها .
وبالضرورة لا يمكن تناسي الدور السوري وما خلفه في لبنان من تدمير للكثير من مرتكزات الشخصية الإنسانية , وإيجاد شبكة من الأتباع , في محاولة إنهاء الطبقة السياسية اللبنانية الكلاسيكية , ورغم نجاحه النسبي , لكنه فشل في القضاء على موروث الحرية والديمقراطية , وبقي الحامل موجودا , رغم جوقات التصفيق المتبقية , التي يعني وجودها , مؤشرا بارزا على بقاء الدور السوري في لبنان رغم الانسحاب العسكري , والدور السوري المتبقي هو دور تعطيلي وتفجيري , عطل في مراحله الأولى أي تطبيق للقرارات الدولية , سواء المتعلقة بمستقبل لبنان واستقلاله واحترام سيادته وحدوده الدولية , أو البنود التي كان مطلوبا منه تنفيذها , كالاعتراف بلبنان كدولة وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها وترسيم الحدود وإنهاء مشكلة شبعا , والإبقاء على الراهن الكامد لكن المتفجر , فعل سوري رسمي , له العديد من الدلالات السياسية المتعلقة بمجمل الملفات الناتجة عن خروجه من لبنان بعد جريمة اغتيال الحريري , وانكفاء النظام إلى الداخل وفقدانه لوظيفته الإقليمية كنتاج لتغير المصالح الدولية جعله يبقي الوظيفة التفجيرية في لبنان , ولعل الأزمة الخانقة التي يمر بها النظام السوري , والمترافقة مع عزلته العربية والدولية , جعلته يرتمي في أحضان إيران , كورقة إيرانية هذه المرة , ويسعى بالتوافق معها إلى استجلاب حرب إقليمية , إما أن تعيد تأهيله دوليا ويثار من لبنان , أو تكون كفعلة ” علي وعلى أعدائي ” , واعتقد بان الحرب في لبنان , صنعت في طهران ودمشق , ولكل منهما أسبابه وحتى نسبية فائدته منها .
أما الحديث عن انتصار حزب الله , فيرتبط بمضمونه بان مفردة الهزيمة غير مدرجة ومستخدمة في قاموس الشحن السياسي العربي , ففي كل المحطات كان هناك منتصر هو بقاء الزعيم على قيد الحياة , ومن هذا المنظور فان السيد حسن نصر الله حي يرزق فهو منتصر ؟ وتبقى الرؤية هذه رؤية جمهرة ياست من حكامها ومن قدرتهم على تحرير الأراضي المحتلة , أو على اقل تقدير استرجاع بعض الحق المغتصب , وبالتالي اعتقد بان ما حصل هو صمود حزب الله , والصمود لا يعني نصرا , مثلما لا يعني هزيمة , رغم أن هذا الصمود جاء على أنقاض وطن ودمار دولة وتشريد شعب ؟ مثلما لا يمكن الحديث عن نصر إسرائيلي عسكري أو هزيمة , ومن المنطقي رؤية ساحة الحرب الجغرافية , وما حل بها , والاهم التوظيف السياسي لنتائجها , فالقرار الدولي 1701 يتضمن الكثير من دلالات التوظيف , مثلما يتضمن الكثير من مسوغات ديمومة الصراع , واعتقد بان الأفاق والخيارات لا زالت مفتوحة على كل الجهات , فهل سيرضى حزب الله بنزع سلاحه وفق القرار 1559 بعد هذه المعركة ؟ وهو الذي رفض ذلك على طاولة الحوار الوطني اللبناني ؟ وما معنى صموده إذا ؟ وماذا يتبقى من دوره الإقليمي كذراع ضاربة , إيرانية وسورية ؟ بمعنى ماذا سيحصل كل منهما من جراء نزع سلاح حزب الله , سواء في الملف النووي أو في إعادة التأهيل السوري الذي يسعى إلى طي صفحة براميرتز وتحقيقه الدولي , وهو أمر اعتقد بأنه سيشكل إحدى أهم حلقات لخنق , وافترض بان التعويل على ذلك أيضا من لدن المعارضة السورية , هو دليل ضعفها وعدم امتلاكها آليات عملياتية تواجه بها النظام وتجبره على اصلاحلات داخلية إن لم يكن تغييره , بحكم عدم امتلاكه القدرة على أصلاح شيء .
الأمر ليس بالبساطة , فهناك تصادم غير توافقي بين مشروعين , لكل من أقطابه أجندة معينة , لكنها لن تجد منعكسا تطبيقيا إلا على أنقاض أجندة المشروع الأخر ؟ واعتقد بان المنطقة مقبلة على تغييرات دراماتيكية , التكهن بحدودها أمر في غاية الصعوبة , ويرتبط بخيارات الشعوب والأنظمة والقوى الدولية معا .
واعتقد بان مسالة دعم حزب الله كحزب ديني , لا تتعلق بطابعه الديني , قدر ما تتعلق بوظيفة وجوده ووجهة استخدام هذا الوجود , وبالتالي الأمر مختلف عن رفض نشاط الأخوان المسلمين في سوريا , رغم دعم النظام غير المحدود لثقافة الأصولية التصديرية , طالما بقيت في حدود استخدامها في العراق وفلسطين ولبنان .
وكل هذه التحالفات السورية , الممتدة من بعض فصائل العمل الفلسطيني وحماس والجهاد ومقتدى الصدر وحزب الله وصولا إلى إيران , تعبر بوضوح عن وضعية ومأزق النظام نفسه , ومحاولته الهروب إلى الأمام , وتحضير الكثير من الافخاخ المتفجرة كمنفذ وحيد للبقاء حيا , أو ستدخل كل المنطقة في فوضى عارمة وحركات أصولية عنفية ؟.
ونظرا لطبيعة النظام السوري الأمنية ومرتكز سياساته الإقليمية , فانا اعتبر دعوة البعض لفتح جبهة الجولان دعوة ساذجة , وهي الجبهة الهادئة جدا والآمنة جدا ؟ وهي في حدها الأخر تؤمن تشاركا غير مرئي وصمام أمان في معادلات إقليمية بات فيها الحفاظ على الديمومة هو الهدف الأسمى , ولا ضير من شبعا والجنوب , وان لزم الأمر فغزة والسامراء ؟.
وهنا يجب أن نميز بين الضغوط على النظام لتغيير سلوكه ليتوافق مع تغير المصلحة الأمريكية والأوربية , وبين انتهاء وظيفته وتعارض وجوده مع مجمل تلك المصالح , فما هو حاصل هو ضغوط سياسية ورسائل متنوعة الأهداف , لم تصل بعد إلى مرحلة جدية أو لم تبلغ بعد مرحلة العمل على تغيير النظام , ويمكن اعتبار انه هناك عدم وضوح في الرؤية الأمريكية وعدم مصداقية في الطرح السياسي , بغض النظر عن بعض الطروحات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية , لكن كلها لا ترقى إلى مستوى تغيير النظام , قد تهدف إلى عزله وزيادة الضغط عليه , ودفعه إلى الاستجابة لصيرورة المصلحة الأمريكية , ولعل المراقب الحيادي عندما يجد بان الإدارة الأمريكية ترصد مبلغ 5 مليون دولار لدعم الديمقراطية في سوريا , يدرك بدون كثير عناء دلالة رصد هذا المبلغ , الذي هو دعم للنظام ودعوة واضحة بعدم جدية الأقوال الأمريكية في تغييره , كما هو استهانة فظة بالمعارضة السورية التي تداري بؤسها الفكري وفقرها السياسي وضيق افقها الديمقراطي .

وبالتالي الحديث عن التغيير من الخارج أو الداخل , يعتبر نوع من الترف السياسي , من حيث الفصل السمج بين الداخل والخارج وكأننا نعيش في غابة منفصلة عن العالم , وكأنه لسنا نتجاور ونتعايش ونرتبط بمختلف العلاقات مع العالم ونخضع إلى قوانين الأمم المتحدة , وتشويه الخارج وحصره بالتدخل العسكري أمر يتبناه النظام وينفخ في قربته التخوينية , بعد أن أسقطت العولمة الحدود الجغرافية وفتحت الفضاء غير الممكن مراقبته ومطاردته امنيا , ولم يتبقى للأنظمة الشمولية سوى الغرف من وعي البداوة السياسية وشحنه وتجييشه ضد كل ما هو خارج , ويجب أن لا ننسى بان مفهوم الخارج إشكالي في الثقافة المؤدلجة , كما وله مناح متعددة , والرؤية إليه بشمولية , رؤية خاطئة وليست سياسية , قدر ما هي أصولية بفروع مختلفة .

ثانيا : ملف النظام السوري ومعارضاته .

النظام السوري نظام امني بامتياز , يستند إلى بنية فكرية مغلقة , وبالتالي لا قراءة سياسية لديه , ولا قدرة على تغيير واقع هو أسس له , فقط يستطيع إعادة إنتاج نفسه , وإعادة الإنتاج تتطلب عادة بعض الرتوش هنا وهناك , والضغوط عليه جاءت أصلا لتغيير في الرؤية الدولية تجاه وظيفة الأنظمة الشمولية ودورها في المنطقة ومدى قدرتها على التلاؤم مع المعطيات السياسية الجديدة , وبالنسبة للنظام السوري الذي كان بالأساس يستمد سياسته من اذرع إقليمية متعددة سمح له بالتمدد عبرها بتوافقات مصلحية مع اللاعب الأمريكي .
راهنا بات المطلوب تراجع النظام وانكفائه داخل حدوده , حتى ينسجم مع المصالح الأمريكية والرؤية السياسية لها , وبحكم طبيعة النظام ومرتكزات بنائه , لم يكن يستطيع الاستجابة من جهة , ولم يكن قادرا على فهم التخلي عن دوره الإقليمي من جهة أخرى , وبالتالي وجد نفسه تباعا في مواجهة سياسة دولية تختلف عن التي كانت ترعاه , هذا في المستوى الخارجي , أما في المستوى الداخلي وما أوجدته سياسة التبعيث الأمنية من فساد وإفساد وارتزاق واخصاء وتغييب للحجر والبشر , ومن زرع للفتن والأحقاد وتفرقة بين مختلف شرائح وطوائف وقوميات الشعب السوري , وبالارتكاز إلى المستويين , تأتي القراءة السياسية لمستقبل النظام السوري , التي تبدو لنا متسارعة نحو مجهول قد يستمر بعض سنوات يدفع فيها الشعب السوري ضريبة حريته , فما أسس له النظام , كارثي بكل المقاييس , صحيح تسعى كل فصائل المعارضة الديمقراطية إلى تغيير سلمي , تدريجي يحافظ على وطنا بقي منه الاسم , لكن المحاولة شيء ومجرى الإحداث شيء أخر .
إننا في تيار المستقبل الكوردي , نعتبر أنفسنا حالة وطنية معارضة للاستبداد , نسعى إلى إنهاء احتكار حزب البعث للدولة والسلطة والثروة والمجتمع , ونعتقد بعدم جدوى المراهنة على نظام امني فقد كل وظائفه المجتمعية ما عدا وظيفته القمعية , ونسعى لان يكون التغيير سلميا وديمقراطيا , وهو مسعى وهدف كل اطر المعارضة , لكن التوحد في سلمية تحقيق الهدف , لا يعني التوافق على سوية ومستوى الهدف , ولا على آليات الفعل الممارس لتحقيق ذلك الهدف , وبالنسبة لنا نحن متواجدون في كل المناطق والنواحي الكوردية في سوريا , مثلما نمتلك تواجدا في المدن السورية الرئيسية , ولدينا جرائد ومجلات مطبوعة نوزعها أفقيا , تحمل توجهنا السياسي ورؤيتنا العملية للتغيير , ونسعى إلى العلنية بكل أوجهها رغم ما تحمله وما نواجهه من قمع متزايد .
إن الواقع الذي وصلت إليه الحال في سوريا , من قصور في الأداء وتبديد للثروات وفساد للإدارة , وديمومة احتكار الدولة والمجتمع , والتعلق بأوهام تمجيد الذات أكثر من الاهتمام أو التفكير في المستقبل , ودون أدراك مخاطر سياسة الهروب والمساومات غير المجدية التي تتبعها السلطات في التعامل مع مستحقات المرحلة , ليس حلا ولا خروجا من عنق الزجاجة , وإنما يدفع باتجاه انفجارات عنفية قد تقود بلدنا نحو مصير مجهول , وبالتالي كل تعبيرات المجتمع السوري المختلفة بتعدد انتماءاتها وتنوع مشاربها , مطالبة بتوحيد قواها والعمل أفقيا وبخطاب سياسي واضح , يرتكز على الفهم الديمقراطي لضرورات التغيير , ويجسد مدنية أسلوب العمل , وصولا إلى مؤتمر للمصالحة الوطنية , يؤسس لحكومة وحدة وطنية تعمل على وضع دستور جديد وتحضر لانتخابات ديمقراطية , تكون لبنة في مسار بناء دولة حديثة , دولة لكل أبنائها , وهذه المهام التي نعتقد بأنها تحدد ماهية ومصداقية الممارسة السياسية لأي حزب أو فصيل سياسي ، ومن جهتنا نسعى بان تكون الممارسة العملية لإطارنا المعلن , منعكساً لمهامه وأهدافه ، المعبرة عن أواويات وجوده ، السياسي والمجتمعي وليس الحزبي والفردي , وبالتالي هو رد على حالة الإرباك في مجمل العمل السياسي الكوردي، سواءً من حيث تفهم طبيعة المرحلة السياسية ، أو الاستجابة لإرادة شعبنا الواعية في أن يعيش في وطن سوري , ديمقراطي وحر , تأخذ فيه تعبيرات شعبنا الكوردي دورها في فضاء العمل السياسي السوري , ونحن في تيار المستقبل الكوردي نعتبر أن الديمقراطية هي هدف مركزي يحقق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص , وهي كنظام سياسي مبني على الحريات العامة والفردية ومجموع المبادئ والقيم والحقوق , تشكل الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة جوهرها , يتحقق في ظلها بناء دولة حق وقانون , دولة مدنية , تقر بالتعددية السياسية والتنوع القومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي , تكون لكل السوريين على أرضية الحق والواجب , وينتفي فيها مجمل السياسات الشوفينية المطبقة على الشعب الكوردي والتي استهدفت وجوده وكينونته , وبما يضمن ذاك الوجود دستوريا كثاني قومية في البلاد , على أرضية ترسيخ حق المواطنة ( السياسية والثقافية والاجتماعية ) المنصوص عنها في كل العهود والمواثيق الدولية, ويوفر حلا ديمقراطيا للمسالة الكوردية , على اعتبار أنها قضية وطنية عامة , سياسية وتاريخية , وجزء من المسالة الديمقراطية في سوريا , مما يحقق التشابك والتمازج الموضوعي بين الهوية الوطنية السورية ومكوناتها ، وبين الهوية السياسية/الثقافية للشعب الكوردي كجزء لا يتجزأ من تلك المكونات بعيدا عن كل ما يثير العصبية والرأي الواحد وإنكار الآخر المتمايز والمختلف قوميا أو فكريا , وكنتيجة لفهمنا السياسي فنحن نسعى أن نشكل مع من يتوافق معنا في الرؤية والطرح السياسي , بديلا ديمقراطيا للنظام , نحتكم وإياه إلى صندوق الانتخاب , بما يجسده من فهم ديمقراطي لتبادل السلطة وحيادية الدولة , ولعل الكثير من فصائل المعارضة السورية , لا زالت لم تتخطى سقف النظام , رغم مساهمتها في إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي , ولا تجد في نفسها القدرة على أن تكون بديلا , وهو ما نعتبره مقتلا للمعارضة , فأي معارضة سلمية وديمقراطية لا تسعى إلى فعل جماهيري , سلمي وديمقراطي , يؤطر برنامجها السياسي في حامل مجتمعي , يدفع بها إلى ممارسة السلطة عبر الصوت الانتخابي , تفقد مسوغ معارضتها , وبالتالي نعتقد بان الطرح السياسي الشفاف والواضح والمتخطي لحواجز الرعب السلطوية , سيكون نقطة الارتكاز في إعادة المجتمع إلى السياسة وتفعيل بناه وتعبيراته وطاقاته .
فالمعارضة السورية اغلبها تنتمي إلى تيارات قومية أو ماركسية أو دينية , ولكل منها أمراضها , المكتسبة أو التي نجمت عن التعامل القمعي معها , وفي كل الأحوال هناك ضعف عام في بنى وفكر واليات عمل هذه المعارضة , فهي تعمل في أجواء الطوارىء والسجون والقمع العاري والمقنع , إضافة إلى ما أوجدته ثقافة الخوف من انصراف عن العمل العام , وبات هم المواطن السوري التفكير في كيفية قضاء يومه دون أن يتعرض للاعتقال , حيث هدر الكرامة والإنسان طيلة عقود أفضى إلى معارضة لها من الاسم أكثر من الفعل والقاعدة الجماهيرية , ويجب أن لا ننسى هنا بان أي نظام لا ديمقراطي لا يسمح بوجود معارضة ديمقراطية , بمعنى الثقافة العامة والسائدة لدى المعارضة بدأت منذ وقت قريب تلمس الخروج من شرانق الإقصاء والتغييب ونفي الأخر , ناهيك عن أن تأسيس ثقافة قبول الاختلاف حديثة العهد ولا زالت تصطدم بالكثير من مخلفات أيديولوجيا العقل الباطن , وكذلك نشر ثقافة الوعي بالديمقراطي وضرورة التخلص من الانوية في العمل السياسي , ولعل إعلان دمشق شكل خطوة في اتجاه تجسيد فهم جديد للعمل المشترك , ورغم أننا باركنا الخطوة من حيث المبدأ , لكننا تحفظنا على الكثير من نقاطه , ولم نوقع عليه , وخاصة تلك المتعلقة بمفهوم الدولة التي نسعى إليها , وضرورة أن تكون مدنية , علمانية , يكون فيها الدين مفصولا عن الدولة , مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة البناء على الواقع السوري ومكوناته القومية والاثنية , وليس على ما زرعه البعث السوري في المجتمع , أن كان على صعيد تخريب المفاهيم أو على صعيد تغيير التركيبة السورية وتعريبها , فسوريا تعددية , تعاقدية , تداولية , تستجيب لطموحات شعبها وتتوافق مع مستقبل أبنائها , هي ما نسعى إليه , وليس سوريا عروبية , تتكلم فيها الأرض بالعربي فقط , وهو أمر نعتقد بان إعلان دمشق فشل فيه , ولم يستطع الاعتراف بالحد المعقول من مطالب وحقوق الشعب الكوردي , وخاصة مسالة الوجود القومي , أما الحقوق فنعتقد بان الاعتراف بالوجود يجعل منها تحصيل حاصل في النظام الديمقراطي , والأمر الأخر الذي لم يستطع إعلان دمشق القيام به , هو كيف يمكن تحقيق أو السعي لتحقيق ما تضمنته وثيقة إعلان دمشق , إذ المهم هنا هو الاتفاق على الآليات , ومن المؤسف أن تفاصيل آليات التطبيق تستنسخ تجربة الجبهة المسماة بالتقدمية , مع بعض رتوش من التجمع الديمقراطي المعارض , وفي كل الأحوال هناك بعد شاسع عن ملامسة الفعل الجماهيري وكيفية تحريك الشارع السوري والتعبير عن مطالبه , وبالتالي لا زال إعلان دمشق غير قادر حتى على تامين اجتماع أعضائه , ناهيك عن تقصيره وعزوفه عن التقاط الكثير من اللحظات السياسية التي من المفترض أن يسعى إلى توظيفها لخدمة التغيير الديمقراطي الذي ينشده , وعلى سبيل المثال مسالة اعتقال بعض موقعي إعلان بيروت دمشق , والذي شمل رئيس مكتب العلاقات العامة لدينا , الأستاذ خليل حسين , فقد بدا إعلان دمشق وكأنه غير موجود , بل على العكس شكل تراجع بعض المعتقلين المنتمين إلى قيادة بعض أطره , طعنا في مصداقية طرحه السياسي .

أما فيما يخص السيد عبد الحليم خدام وانخراطه مع الأخوان المسلمين وبعض القوى المعارضة الأخرى في تشكيل جبهة الخلاص , فنحن نعتبر بان من حق أي مواطن سوري أن يعبر عن رأيه وقناعاته السياسية , والانسلاخ عن النظام تتطلب توقيتا مناسبا , بمعنى الانسلاخ يكون عندما تكون في السلطة وليس بعد الإبعاد عنها , فالسيد عبد الحليم خدام عارض بعد إبعاده من السلطة , وبالتالي فنحن لم نتصل به , بحكم انه احد مؤسسي النظام الأمني السوري , ولا زال طرحه السياسي وتجليات ذلك العملية , لم ترتق إلى درجة اكتساب المصداقية , ونحن هنا لسنا في وارد الحكم عليه من خلال فساده , لان الفساد عملية بنيوية في النظام السوري , والمحاسبة من اختصاص القضاء العادل والمستقل والشفاف , بينما العمل السياسي يستند إلى توافقات سياسية تمتلك جذرها المجتمعي , وهو ما لم نجده في السيد عبد الحليم خدام حتى الآن .
أن أي معارضة ديمقراطية , تكتسب صدقيتها من برنامجها السياسي وقدرتها على تامين حامل مجتمعي وقاعدة جماهيرية لذلك البرنامج , وما نجده في الراهن السوري يختلف من حالة لاخرى , فالمعارضات الخارجية والتي نحترم جل شخصياتها , بات الكثير منها مجرد أسماء انترنيتية , لا وجود واقعي في الساحة السورية لها , صحيح أن هذا لا يلغيها , لكنه يحجم دورها خطابا وفعلا وتأثيرا , فهناك نظام امني لا زال يتمتع بالحصانة المتعددة الجهات والأغراض , ولا زال قادرا على أداء وظيفته القمعية , وهو بهذا المعنى أقوى من مجمل المعارضة بفعلها الراهن والمستكين , خاصة وان هناك فصل واضح بين المعارضة وبين الأجيال الشبابية السورية , عدا الشباب الكورد ولهم وضع خاص , ناهيك عن ثقافة الشعارات المسيطرة على بعض العقل السياسي المعارض , الذي يقترب من النظام في الكثير من المواقف السياسية المتعلقة بتصدير الفعل الممارس , إذ يمكن أن نجد اعتصاما لدعم العراق وفلسطين وجيبوتي , ولكننا لا نجد اعتصاما لدعم الشعب السوري وتحسين رغيف الخبز لديه , بمعنى أن الأرضية الفكرية التي تبنى عليها بعض شعارات المعارضة , كما النظام , شعارات عابرة للقارات .
ولعل المؤلم حقيقة هو الفصل الفج بين الداخل والخارج , ليس هذا فحسب , بل والحدية وبثنائية النظام في إصدار الأحكام , فهناك خارج عميل ومتآمر , وهناك داخل وطني طالما بقي مستكينا يستجدي أصلاحا لن يحصل ؟ نعتقد بان هذه الثنائية فقدت صلاحيتها وعذريتها , وباتت تخدم النظام وديمومة سيطرته , ولا يمكن أن يكون هناك تغيير ديمقراطي في سوريا ما لم يتم تشابك وترابط حلقاته الداخلية والخارجية , فعلى مر التاريخ كان التغيير يحصل بتوافق جانبيه , وسوريا ليست استثناء , والتوافق هنا لا يعني قبول الاحتلال أو التدخل العسكري , بل تشابك المصالح وترابطها في فعل ضاغط يتيح حراكا جماهيريا , له أداته الإعلامية ووسائل دعايته من إذاعة وتلفزيون ووسائل أخرى , وكل هذا يحتاج إلى تمويل , والمعارضة السورية تعيش بكرامتها , بل بلقمة خبزها اليومي , ومنطقيا وأخلاقيا , التمويل غير مقبول , لكن السياسة شيء والأخلاق شيء أخر , فهناك عالم تربطه المصالح ومن الضرورة أن نفهم كقوى ديمقراطية سورية مصلحة شعبنا ونقبل ما لا يضر هذه المصلحة ولا يكون على حساب وطننا واستقلاله ومستقبله , وإنما كتوافق ومصالح مشتركة , ونعتقد بان تجارب التمويل في المعارضة السورية ليست جديدة , فالتاريخ الحديث لديه الكثير من إشارات الاستفهام حول التمويل من صدام حسين وغيره من طغاة العالم العربي , وحبذا لو ساهم راس المال الوطني في دعم المعارضة مثلما يحصل في كل دول العالم , فلا معارضة جدية وحقيقية بدون راس مال , ولا نجد في هذا السياق مانعا من الاستفادة من كل المنظمات غير الحكومية والتي تعني بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان .

ثالثا : المحور الكوردي والأقليات القومية والدينية .

يستند الملف الكوردي في سوريا إلى جملة حقائق تاريخية وجغرافية , تتعلق بالتقسيمات السايكس بيكوية للمنطقة ككل , فهناك جزء من كوردستان ضمن حدود سوريا المعاصرة , وبالتالي فالمسالة ليست حالة حقوق إنسان مغيبة (وان كانت تتضمن هذا الجانب)  قدر ما هي حالة قومية لشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وهي ليست ارض عروبية , لكنها سورية , بالتجاور والتشارك مع شعوب أخرى , بمعنى هناك بعد وطني سوري , يستند على الراهن والعيش المشترك , وهناك بعد قومي ناتج عن تقسيم دولي , وطبيعي أن التقسيم لم يأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب أو تواجدها , لذلك وزعت كوردستان بين أربع دول شرق أوسطية , وفي هذا الإطار فالملف الكوردي في سوريا , هو قضية شعب وقومية انتهكت حقوقها , ولها كل الحق في تقرير مصيرها , بأي شكلا تراه مناسبا لعيشها المشترك مع العرب وسائر الأقليات القومية الأخرى في سوريا .
تيار المستقبل الكوردي هو تجمع ديمقراطي , حر , كأحد تعبيرات المجتمع الكوردي , المدنية , السياسية والثقافية , وجزء من الحركة الديمقراطية السورية , يسعى بالوسائل السلمية وبالاعتماد على أوسع قطاعات وفئات المجتمع , إلى تحقيق طموحاته وأهدافه القومية والوطنية والديمقراطية , على قاعدة الارتباط الجدلي بين هذه الأهداف والمصالح الوطنية في سوريا ,وبالتالي السعي إلى تجسيد الحضور الإنساني الجمعي الكردي في سوريا ، وقدرة هذا الحضور على التعاطي والتعاون بكل المكونات الثقافية والتمايزات القومية والاثنية السورية ، وتآلفها ضمن أطار سوريا كوطن مشترك لكل أبنائه , وبشكل عام فنحن نعمل على إعادة قيمة الشارع وأهميته للعمل السياسي , لذلك فنحن نشارك ونحضر مع حلفاءنا في الحركة الكوردية إلى إتباع كل أساليب العمل السياسي وخاصة تلك المتعلقة بالاعتصامات والمظاهرات وأشكال احتجاجية متنوعة قد تستنبط من الحدث نفسه .
أننا نعتقد بان القوى الكوردية عانت ما عانته مجمل القوى الديمقراطية , مع اختلاف في ضريبة العمل السياسي , فالقمع السلطوي واحتكار السلطة , أدى بالقوى الكوردية إلى التقوقع داخل مناطقيتها , خوفا وحماية للذات , مما اثر سلبا في وعيها السياسي العام وفي نوعية طرحها السياسي وخطابها المتفاوت , أن لم نقل المزدوج , على عادة الخطاب السياسي لمجمل القوى السورية المأزومة , والمغلف عادة بالمجاملة الشرقية , التي لا تعبر عن جوهر الطرح والمطلب السياسي الفعلي , وعلى سبيل المثال أغلبية القوى الكوردية تعتمد في دعايتها الجماهيرية في الوسط الكوردي على المرتكز القومي بما يتضمنه ذلك من أبعاد كوردستانية , لكنها تقدم خطابا مختلف في دمشق , مما أوجد حالة من الإرباك في الطرح والتناقض في الأداء , وهي حالة تتشابه مع مجمل القوى العروبية التي في مواجهة الأكراد تعترف بوجودهم وان يكن باستيحاء أو تدخله ضمن دائرة المواطنة كأقلية لغوية مهاجرة , وليس ضمن دائرة المواطنة المدنية بأبعادها المختلفة , بينما في الوسط العربي , ترفض كل ما يتعلق بوجود قومي متمايز ومختلف , بمعنى هناك حالة من عدم الشفافية , ومن جهتنا نعمل على تقديم خطاب واضح , فما نقوله ونفعله في المناطق الكوردية , نجسده في دمشق , قد يبدو ذلك مستغربا من لدن بعض القوى العربية التي اعتادت أن تسمع ما تريد أن تسمعه , وليس ما هو موجود حقيقة , ولكننا نعتقد بان التأسيس لوطن سوري مشترك يجب أن يبنى على عقد اجتماعي جديد , شفاف وصريح , بما يخص الاعتراف بالوجود القومي للشعب الكوردي في سوريا , وعدا ذلك لا نعتقد بوجود أية مصداقية للطرح الديمقراطي في سوريا .
راهنا وبعد مجمل متغيرات الوضع الدولي والإقليمي , وجدت فسحة حوار في المجتمع السوري , جزئية وصغيرة ومحفوفة بالمخاطر , لكنها شكلت نافذة للتعارف والتحاور وفهم الأخر , وهي الفسحة التي وسعتها انتفاضة آذار 2004 الكوردية , وما حملته من مغزى ودلالات سياسية على الصعيد السوري العام والإقليمي والدولي , ولعل مشاركة بعض القوى الكوردي في إعلان دمشق جاء على خلفية تلك الانتفاضة وليس بنتيجة الفهم الديمقراطي للوجود القومي الكوردي , ولذلك جاءت الصيغة المتعلقة بالكورد ضبابية تبحث لهم عن حل ديمقراطي ؟ كأقلية لغوية مهاجرة ؟ لذلك رفضنا التوقيع على إعلان دمشق لاختلافنا في الرؤية السياسية معه , ليس ذلك وحسب , بل سعينا إلى بلورة موقف كوردي سياسي وثقافي مناهض له , نظرا لتجاوزه الحالة القومية , ولا زلنا نعمل في ذات الاتجاه , ونعتقد بان ما تشكل مجتمعيا ( كورديا ) يعارض ويرفض إعلان دمشق , حتى يتم تصحيح الموقف والاعتراف صراحة وعلانية بالوجود القومي الكوردي في سوريا , رغم أننا باركنا قيامه لأنه استطاع أن يجمع الكثير من القوى السورية للمرة الأولى , بمعنى هناك نقاط ايجابية في إعلان دمشق , وهناك ما نتحفظ عليه ونختلف فيه , لكن في المحصلة يرتبط الأمر بالنتائج , التي هي ليست مشجعة حتى تاريخه .
الحركة الكوردية اليوم حقيقة تنقسم سياسيا بين موقفين , موقف القوى الكلاسيكية المبني على تراث من ثقافة الخوف والقبول بالأقل سوءا خوفا من الاسوء , وموقف غالبية الشباب الكوردي الذي تجاوز حالة الخوف , وبات يشكل كتلة قوية ليس لديها ما تخسره , وترفض استمرارية إنكار وجودها باسم الديمقراطية , بل تعمل وتطالب بسوريا , دولة الكل الاجتماعي , التي تبنى على دستور , مدني , تعددي , يعترف بالقومية الكوردية كقومية رئيسية , لها خصوصيتها وثقافتها , وما عدا ذلك من طروحات تعتبر ناقصة ولن تستطيع حل المشكلة , بل ستدفع إلى مزيد من الاحتقان والفرقة في المجتمع الواحد .
أما العمل على تشكيل مرجعية موحدة , بغض النظر عن الاسم , تتوافق فيها مجمل القوى على خطاب سياسي موحد ومطلب ديمقراطي يجسد وجودنا القومي , فنعتقد بأنه ملح وضروري , لكن التفرد وفصل الساحات , يزيد التباعد الكوردي ولن يفيده , وما حصل مؤخرا باسم المجلس الوطني الكوردستاني , يمكن النظر إليه على انه خطوة أولى في الاتجاه , لكنه جاء مرتجلا ومستعجلا وفاصلا بين داخل وخارج , وبالتالي نعتقد بأنه حتى الاسم لا ينطبق على ما هو موجود , بحكم انه يمثل شريحة من الكورد المهجرين قسرا أو طوعا , ولم تساهم فيه الحركة الكوردية بأغلبية فصائلها الموجودة في الداخل , مع كل الاحترام لكل الأسماء المشاركة .

أننا نعتقد بقدرة الشعب السوري ككل على تجاوز ما زرعه النظام الأمني , والتقليل من فاتورة التحول , فسوريا تمتلك الكثير من الطاقات ومؤهلات الانتقال إلى نظام ديمقراطي تتعايش فيه كل مكونات المجتمع السوري , في دولة الحق والقانون , دولة تشاركية وتشابكية , تؤمن مستقبلا كورديا يتخلص فيه الشعب الكوردي من سياسة الاضطهاد القومي وإنكار الوجود وكل ملحقاته العنصرية من إحصاء وحزام وتعريب , ويعيش بالتجاور والتشارك الفاعل والحيوي في وطن سوري موحد .

رابعا : ملف الفساد وحقوق الإنسان .

الفساد والإفساد في النظام السوري حالة بنيوية , ترتبط بوجوده نفسه , وتشكل ركيزة لاستمراره وتوسيع قاعدته , والحديث عن محاربة الفساد , هو حديث أني ومؤقت يأتي في منعطفات سياسية تسويقية , فالمنطق والعقل لا يصدق ويرفض أن يحارب المفسد فساده , قد يضحي بهذا أو ذاك لسبب أو لآخر , لكن يبقي على الجوهر , بمعنى الفساد والإفساد له مرسومه التشريعي غير المعلن , لكن الفاعل باستدامته في المجتمع , ومحاربة الفساد تحتاج إلى قضاء عادل ونزيه ومستقل , والى إرادة سياسية يمتلكها شرفاء , وهذا غير متوفر حتى تاريخه , أما مسرحية كاتبي العرائض ( مجلس الشعب ) في سوريا بخصوص ملف فساد عبد الحليم خدام فهو مسرحية هزلية لا تستحق كلفة عرضها .
اعتقد بان ما يجري بهذا الخصوص ليس أصلاحا ولا محاربة للفساد , وإذا كان الأمر جديا , فيجب أولا تغيير الدستور وحذف كل الفقرات التي تحتكر قيادة الدولة والمجتمع , وتضمن استقلالية السلطات الثلاث , وما يتبع ذلك من تحولات ديمقراطية تؤسس لوعي وطني يعتبر الوطن , حرية ومواطن , وليس بقرة حلوب تستنزف بأقصى طاقة ممكنة .
استنزاف سوريا بخيراتها , فوق وتحت الأرض , لا يمكن محاربته بهذه المسرحيات التي عهد منها الشعب السوري الكثير , في كل منعطف سياسي يحتاج إلى إعلاميات تخدع عقول البسطاء وتصرف أنظارهم عن ما يجري من نزف بربري لخيرات سوريا , وتكديسها في أصقاع الأرض وبنوكها .
هذا ليس أصلاحا وانفتاحا وعلنية , بل تزييف وتعطيل واستمرارية , في ذات النهج مع تبديل الماكياج , وإعطاء هامش للحديث , حدوده غير معلومة , قد تضيق أو تتوسع وفق الرغبة الأمنية , وهذا الحال ينطبق على واقع منظمات حقوق الإنسان التي تحاول توضيح الانتهاكات , في حدود معينة , تجاوزها قد ينعكس سلبا على ناشطيها , وهو ما حصل أكثر من مرة , حيث الإنسان في سوريا مغيب بقوة القمع وقانون الطوارىء , مغيب كمواطن وملغي كعقل وقيمة , فما فعله الاستبداد هو هدر كامل للإنسان السوري , بكل ما يمثله الهدر من معنى , والسعي إلى بناء مرتكزات الشخصية الإنسانية , يحتاج الكثير من الوقت والجهد , مثلما يحتاج إلى متغيرات جذرية في القوانين والممارسات والسلوكيات , مثلما يحتاج أيضا إلى ثقافة حقوق الإنسان , ونحن نعتبر نشر ثقافة حقوق الإنسان جزء مهم من نضالنا وعملنا اليومي , وحتى جسدنا ذلك عمليا في الاعتصام الذي أقمناه باليوم العالمي لحقوق الإنسان نهاية العام المنصرم , بالتعاون مع حزب يكيتي الكوردي , وعدم مشاركة إعلان دمشق ومجمل منظمات حقوق الإنسان في سورية التي اكتفت بلغة البيانات فقط , وهي اللغة التي لم نعد في تيار المستقبل نقيم لها وزنا , بل باتت المعيارية لدينا معيارية القدرة على تحريك الشارع وتجاوز محددات السلطة ومحرماتها , وبالتالي فنحن نسعى حقيقة إلى بلورة أساليب جديدة في العمل المدني , تجسد روحية المقاومة المدنية لدينا , وبالتالي نحن نشارك في كل الاعتصامات والاحتجاجات التي تدعو إليها القوى الديمقراطية السورية , وبخصوص كل قضايا الديمقراطية والحريات والمعتقلين والشأن العام , حتى وان كنا غير مشاركين في القرار , لكننا نشارك في التنفيذ والتطبيق .
النظام الأمني لا يحاور أحدا , لأنه لا يعترف بأحد , لكنه يستدعي ويستجوب ويعتقل , فالحوار له أساسياته وقواعده , لعل أهمها الاعتراف بالأخر المختلف , وهذا الاعتراف غير موجود في قاموس التعامل السلطوي مع كل القوى السورية , عربية وكوردية , لذلك فنحن لا نعتبر ما يجري من لقاءات بين السلطة وبعض الأطراف السياسية , حوارا , بل لقاءات تخضع لمعايير السلطة ومفهومها ورؤيتها للمجتمع وحراكه المدني والسياسي , وبهذا المعنى نحن لا نحاور السلطة , بل لا نراهن عليها أيضا , ونعتقد بعدم جدوى أي لقاء أيضا , لقناعتنا بعدم قدرتها على تغيير بنيتها , وعدم صدقية طرحها .

خامسا : الانتخابات الرئاسية لعام 2007 .

النظام في سوريا يسعى إلى قوننة الطوارىء , وتجسيد الحالة القائمة في قوانين شكلية , تستخدم كواجهة إعلانية من جهة , وكالة ضغط داخلية من جهة ثانية , فقد سبق وان أصدر قانونا للمطبوعات جسد فيه رؤية الطوارىء وتبعاته , وهكذا سيكون قانون الأحزاب الذي يكثر الحديث عنه , كعادة النظام , كثرة الحديث والتطبيل والتزمير , وفعل يكاد لا يرى بالمجهر , واعتقد بان القانون سيكون لتنظيم الحياة التبعية وليس السياسية في جبهة البعث القائمة , إذ لا جدوى حقيقة من قانون لتنظيم الأحزاب يستند إلى دستور مرفوض بأغلبية فقراته التي تجاوزها الزمن وفقدت صلاحيتها .
والحديث أيضا عن الانتخابات الرئاسية القادمة , حديث لا مصداقية له , من حيث أن الرئاسة تخضع للاستفتاء على مرشح وحيد , لا يمكن ترشح غيره وفقا لآليات البعث ونمط احتكارياته , بمعنى ليس هناك في سوريا انتخابات , إنما هناك تعيينات أمنية تكتسي طابع انتخابي إجباري معروفة نتائجه قبل أجراءه بسنين ؟ .
وفي هذا السياق ليست هناك إمكانية للترشح , لا لعربي ولا لكوردي ولا لمسيحي , طالما لم يتم تغيير الدستور , وفصل الدين عن الدولة , واعتقد بان الأمر يحتاج أولا إلى حكومة وحدة وطنية تؤسس لقيام مجلس وطني يعمل على وضع مسودة دستور جديد تخضع للقبول الشعبي , ويضع قانونا للانتخابات وقانون عصري للأحزاب , وقتها يمكن الحديث عن انتخابات وترشح وترشيح , واعتقد بان طبيعة النظام ونمط واليات الحكم المتبعة غير مؤهلة للقبول بهذا المنحى , ويبقى الأمر خاضعا للكثير من مستجدات الوضع الإقليمي والدولي ومدى توافقه مع مسعى التحول الديمقراطي في سوريا , وبغض النظر فالتغيير قادم مهما تعالت عطالة النظام وارباكاته السياسية , ولكن السعي وفق رؤيتنا يجب أن يكون باتجاه التقليل من فاتورة هذا التحول .

14-8-2006

 

سوريا – قامشلو

————
* نقلاعن اللقاء الديمقراطي السوري – نشرة اسبوعية مستقلة تجمع الآراء المتباينة يصدرها أسبوعيا اللقاء الديمقراطي السوري بإشراف علي الحاج حسين

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…