العدوان الإسرائيلي على لبنان, دعوة إلى قراءة صائبة ومنصفة….!

إبراهيم اليوسف

ها هي الحرب السادسة  المروعة– قد حطّت أوزارها – أخيراً , بعد أن دفع الشعب اللبناني البريء ضريبة كبرى , مجازر، وتشريداً وتجويعا ً، لتتلظى أرواحنا , و نحن نتابع عبر الشاشات الصغيرة في منازلنا، بقلوب آسية، محترقة، هول الحرب المفتوحة التي كانت تلتهم البشر , و الحجر , و الزّرع و الضّرع  – بحسب لغة جريدة قاسيون – وبعد أن كانت الدموع تتحجّر في العيون , و تتشوك الغصص في الحلوق , ما دام أنّ هناك أبرياء في مرمى أحقاد حكومة إسرائيل التي تمارس كل أعمال التدمير والقتل بشهية وحشية قذرة، وما دامت الحرب في بيت كل منا، بكل مقتها، وصلفها ، وقماءتها…!

لقد كنت أحد هؤلاء الكتاب الذين اكتفوا- للأسف – بالبيانات , و الدّعوة إلى حملات التوقيع التضامنية , وإطلاق الصرخات الكليمة الموجّهة للضمير العالمي، من أجل التدخل السريع ،لإطفاء فتيل الحرب الضارية التي أكلت الأخضر و اليابس , في آن واحد, و بهذا قد أكون أحدأكثر هؤلاء الذين انخرطوا في هذا المجال , من الكتّاب
السوريين , أو ربما ضمن دائرة أوسع , مؤثراً عدم إبداء وجهات نظري في – حالة الحرب – ما دام أنّ لي رأياً مختلفاً في رؤية ما يجري , بعيداً عن الرأي الرسميّ ، أو المناقض , و بعيداً عن خطابات البلاغة الجوفاء , أو بكائيات المراثي التيئيسية، في آن واحد , في انتظار هذه اللّحظة – تحديداً – كي أقول كلمتي،مؤكداً أن مايجري أكبر من كلّ كتابةأو قصيدة …!
عموماً, إنني – كإنسان – ضدّ أي شوكة تخز إصبع أيّ طفل , أو أية إمرأة , أو عجوز , أو أي مدنيّ , بل وأيّ عسكريّ، بريء، مدفوع رغم أنفه ،كي ينخرط في لجّة الحرب الضروس , فلا ناقة له و لا جمل , في ما يجري , بعكس من له حسابات الربح ,على أنقاض خسارات، سواه ، أو الحلم بصناعة الأمجاد  الحقيقية ,أو الخلبيّة, أو تنفيذ
الأجندات المختلفة , الخاصة , أو العامة، على حساب أرواح بريئة، تستهلك، دون أن تعرف حقيقة ما يحدث !.
– أجل – لقد كانت لي وجهة نظري , في كلّ ما يجري , و لعلي – خشية التفسير الخاطئ , لما سأقول , أو إحساسا مني بأنّ توجيه أي نقد – لحزب الله – و زعيمه حسن نصر الله – في حالة الحرب المجنونة ، قد يكون له صدى آخر ,بل وقع آخر ، لا سيّما أنّني – الكرديّ – الذي ينظر إليه , بريبة , في عهد تشظّي الفكر العروبوي الإسلاموي الدعيّ, و لا أقول : العربيّ /الإسلاميّ – الذي استطاع إيجاد قواسم مشتركة للتعايش مع
الآخر , على امتداد عهود , و إن كان الكرديّ هو الخاسر في هذه اللّجة – أولاً وأخيراً؟!….
إنني – هنا – سأفترض أنّ تصريح السيد حسن نصر الله – حول وجود صهاينة في شمال العراق , غير مقصود للتشكيك ب((أخوته الكرد)) و لم يكن ذلك إلا ترديداً – عفوياً- لثقافة معادية، مؤلّبة على الكرد , و إن كان الرّجل لم – يعتذر – عن ردود فعلنا الكردية على تصريحه , ذاك ..!.
كذلك، سأفترض أن تنفيذ – حزب الله – عملية اغتيال الشهيد الكرديّ المناضل صادق شرف كندي ، من كردستان إيران ) بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية , لم يكن بتوجيه، أو علم ,أو دراية – آنذاك – من السّيد حسن نصر الله، وإن كنت لم أقرأ أيّ تسويغ من قبل  هذا الحزب حتى الآن …؟!.
كذلك ، سأفترض عدم اعتراف السيد حسن نصر الله بأن وجوده – الآن – كمسلم – إنّما نتيجة فضل جدّه في الإسلام الكردي البطل صلاح الدين الأيوبي , و إن عدم إ بدائه أيّ موقف ممّا يجري للكرد منذ – حلبجة – و حتّى آخر شهيد كردي على أيدي نظام إيران أو سواه – و هو من مستلزمات التكتيك السياسيّ , و إن كان مثل هذا التكتيك لا يليق برجل سياسيّ , يعتبره كثيرون من الأخوة المسلمين و العرب – و ربّما نتيجة – ردّة فعل على – صمت النظام الرسمي العربي – سيّد المقاومة , و بطل المقاومة , إلى آخر ما هنالك من مصطلحات، و تسميات، حقيقية أو مجازية، مغمسة بالعاطفة …!
كذلك , أحبّ أن أعترف– و أنا أنظر إلى حصيد هذه – الحرب – و بموضوعيّة –أن إسرائيل قد خسرت حقاً , و إن مهابتها الخلبية قد تمرّغت بالوحول , بل إنني لأرغب لو أنّ حق أبناء كلّ الشعوب المضطهدة يعود إليها  , و من بين ذلك حقوق أبناء الأرض المحتلّة, في الجولان , و فلسطين , و لبنان , و كردستان,على يدي رجل أسطوري بطل ، ليكن السيد  حسن نصر الله، أو سواه من الأخوة العرب أو المسلمين ، و لقد أكّدت حكومة إسرائيل أنّها من أبشع الأنظمة الإجرامية  في العالم, من خلال أعمالها الدموية الفظيعة، المنحلّة من كلّ أخلاق، بحقّ أبرياء لبنان , بل أنّ من بينهم أربعة وعشرين كرديّاً , قضوا نحبهم في منطقة القاع، على الحدود السورية اللبنانية, بعد يوم عمل مضن , فكانوا بذلك وجبةً للغلّ والضغينة لدى هذا النظام المتوحش بكل المقاييس , و لكن , ألا يحقّ للمرء أن يطرح تساؤله البريء : أيّ توقيت اختاره السيد حسن نصر الله , لاستعراض قوته الحقيقية لا المجازية؟ , و هل – حقاً- أن ليس لتحديه واختطاف قواته للجنديين الإسرائيليين- اللذين عرفت إسرائيل كيف تستخدم اختطافهما ذريعة لشن ّ عدوانها البربري– علاقة – بالأجندة الخارجية – حيث بات
الكبش اللبنانيّ يقدم قربانا ً على مذابح الأغيار , ممّن خدمت هذه الحرب مصالحهم , و بعيداً عن تقويم أنواع و أمداء، هذه الخصوصيات ,و شرعيتها، مع أن في سجونها الآلاف من العرب الأبرياء….!
كذلك، إنّ إ قرار – مثل هذا التحدّي ، – الذي دفع ضريبته مليون لبنانيّ هجروا أرضهم , ّوتعرضوا للعذاب المضني- ولاأريد أن أسترسل في توصيف مأساة أحيائهم، والأسر التي امّحت من الحياة نهائيا -ً للأسف – يجب ألا يؤخذ , من قبل عصبة، أو ميليشيا, أو حتّى بلد كلبنان بكامله، , بل أن يكون – عربياً –بل و إسلامياً إن أمكن- و إن أيّ خروج عن هذا الاتّفاق الشسيع، الافتراضي ، , ليعدّ – بتصوري – انتحاراً,أو ضربا ً من الانتحار بميزان الربح والخسارة ، و انجراراً وراء رغبات النفخ الضبيّ في الأوّار،.و الذي جاء عقب مرحلة تحميسية، ابتلع طعمها الأخ حسن نصر الله – الذي أريد من قلبي أن يكون هو فاتح العصر الأكبر – حقا- و محرّر كلّ الأراضي العربية و الإسلامية المغتصبة – من رجس أيّ محتلّ , و أن يردّ – قليلاً – من ديون أخوته- الكرد – إليهم – لا سيما أن هناك من الكرد من أعلم أنّه مستعدّ لأن ينخرط في هذه الحرب اللعينة ، و قد دفعنا أضحيتنا في “المأدبة”الإسرائيلية الجديدة ، بلغة محمود درويش، في هذه الحرب أيضاً, كما كنا ككرد أبطال – قلعة الشقيف 1982- الذين صنعوا أقوى معجزة في العام 1982 ، و لا بدّ من أن يعاد النظر في أية علاقة بنا , من قبل أخوتنا في المنطقة , أياً كانوا……!
إن – روح المواجهة – في العام 2006 ،هي غير روح المواجهة في عهد خالد بن الوليد , و صلاح الدين الأيوبي , لدى أي حالم منا في عصر الأسلحة التي كانت تفحم الأجساد من داخلها ، وتترك الأدم  من خارجها ، وكأنها لم تصب بأذى…..!
لقد كان دور جنود جيش حزب الله كبيرا ً جدا ً ، لأنّهم أدخلوا الفزع في قلب الشارع الإسرائيلي، ربّما لأول مرّة في  تاريخ نشوء هذا الكيان ،ولكن ، لابدّ من أن نعلم بوضوح أن  قوة جيش حزب الله ، كان من الممكن- وهي التي تبين دعمها التكنولوجي والماليّ الهائل بل والمعنوي ،أن تستثمر بطريقة أمضّ وأقوى ،كي تخرج إلى حدود
المواجهة المتوخاة ، بعيدا ً عن أرواح المدنيين الأبرياء ، وإن كانت إسرائيل تلجأ ضمن مخططها الدموي- عادة- لقصف المدنيين،متوخيةًّ كسب الانتصار الذي لم يكتب لها، بأي ثمن ،وهو ما يلقنها درسا ًلن تنساه، عن إمكانية العرب – مستقبلاً- من مواجهتها،وإنشاء نواة مقاومة حقيقية ، تعرف متى ، وكيف توجه بندقيتها ، بعيدا ً عن أية سطوات تجيرها، كما تتمّ – للأسف – بعض المحاولات لتجيير الإسلام من أجل مخططات بعيدة عن روحه ، وبعيدة عن الإنسانية، كما حدث تحديدا ً في العراق وبعض دول العالم، وهذا ما سيخفف – في تصوري – من غلواء إسرائيل – و سيدفعهالزج قوى حاسمةأخرى ، تتكىء عليها ،مدركة مدى ضعفها الشخصي الذي حاولت التعويض عنه باستعراضاتها الخاوية،ولعلّ خير من يحافظ على استمراريتها هو  ديمومة – الصّمت الرسمي  العربيّ- الأمين على مصالحها…
كذلك ، لابدّ – في المقابل – أن تدرك الأنظمة في المنطقة  ضرورة إعادة النظر في أسئلتها الداخلية ،  والعامة، وفي تصوري أن السؤال الكردي- من ضمن الأسئلة الأكثر إلحاحاً  على الإطلاق- لابدّ من أن يولى الاهتمام الكبير ،  بعيداً عن ذهنية التصامم غير المجدي تجاهه،ولعلّ نبل مشاعر الكردي تجاه أخيه ،  في وجه الهجمة
الإسرائيلية الظالمة ، يجب أن يكون مفتاحاً من قبل أخوتهم- العرب أولاً –لإعادة رسم العلاقة معهم ، انطلاقا ً من أنهم شركاء في كل هذا الإرث المطوب بأسماء سواهم….!

للحديث صلة
أول أيام وقف إطلاق النار-
14-8-2006

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…