قد يقول البعض إنّ المنطقة برمتها تعاني من هذه الأزمة, وأننا جميعاً نتاج ثقافة الإقصاء والإلغاء والاجتثاث والإنكار والانفراد, ولذلك تكون الأزمة أمر طبيعي في ظل هذه الأوضاع, وأن بناء ثقافة جديدة في هذه الأحزاب يحتاج إلى بنية مناسبة وظروف معينة وعوامل موضوعية وذاتية ملائمتين.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه, هل علينا أن نمتثل لهذه الذهنية ونخضع لثقافة أمر الواقع, وأن نستنسخ التجارب ذاتها, وأن ننتظر القدر كمعيار في حسم قضايانا ؟
أستطيع القول إن الخوف يأتي عادة من تلك الذهنية التي تريد حصر الحزب وبرامجه وأنظمته والقضية معاً في ذاتها التي لا تخضع لأبسط المبادئ الديمقراطية, والتي تتخذ كآلية التعامل فيما بينها, ومن هنا يكون إرضاء هذا الذات والخضوع له ضمانة وحيدة لوحدة الحزب واستمراره, ولو بشكله المستنسخ المعتل, فإن هذا الذات الذي يسيطر على دفة العمل السياسي في ساحتنا يتسم بسمات عدة : كالفردية , التخوينية , الإقصائية , الإلغائية, التسلطية, العشائرية وغير الأكاديمية …الخ
في المقابل هناك نواة تيار تتأسس في هذه الأحزاب تسعى لدمقراطة نفسها والامتثال للمعايير والأسس الديمقراطية في قضاياها التنظيمية سواء أم السياسية, كمعيار لها في حسم المواقف المختلفة, لكن هذه الذهنية لا تزال في قيد تكوين الملامح والسمات, ومطلوب يساند هذا التيار الدعم الكامل كتنظير له من قبل المثقفين وتجسيداً على أرض الواقع من قبل الحزبيين.
إن الأمل يكمن في ذلك التيار الصاعد الذي يتبنى العمل الجماعي المؤسساتي الديمقراطي سبيلا في العمل النضالي, وإن انطوى على بعض الأخطاء في الممارسة الديمقراطية, لكن هناك من يبرر بأن أصحاب هذه الذهنية الجديدة لا يمتلكون التجربة الكافية لقيادة هذه الأحزاب, وهي عاطفية , انفعالية, شعاراتية, صبيانية غير ناضجة, وبالتالي لا نستطيع الخضوع لقراراتهم الارتجالية التي قد تفضي بنا إلى التهلكة .
نستطيع من خلال المتابعة تسجيل بعض الملاحظات على هذه المؤتمرات :
1- غياب الوعي الديمقراطي لدى أغلب أعضاء المؤتمرين.
2- غياب الوعي التنظيمي والسياسي لدى نسبة كبيرة من أعضاء المؤتمرين.
3- غياب البرامج التي تواكب الحداثة والتغيير.
4- قلة الكوادر الأكاديمية والمتخصصة في المؤتمرات وبالتالي تسيطر النزعة الفردية والشخصية على مجريات المؤتمرات.
5- غياب الحوار الجدي والبناء حول القضايا المهمة, وعادة يتم حسم القضايا والمسائل وفق إرادة بعض أفراد في القيادة.
6- نسبة لا بأس بها من الأسماء في أغلب الطواقم القيادية في المؤتمرات تتشكل وفق معيار تقديم الولاء الشخصي للذهنية التي تسيطر على الحزب, ويكون الطاقم نفسه عادة, إذ لا تتغير الأسماء كثيراً بسبب عدم وجود الكوادر المؤهلة, ومن هنا تكون غالبية هذه القيادات غير مؤهلة ولا تجيد لغة السياسية وفق المعايير المتعارف عليها.
7- عدم تبلور فكر التداول والتغيير لدى أغلب الأعضاء والقيادات, وبالتالي ما يسمى بالشخص الأول يكون مرة أخرى يكون هو الأول .
8- ثقافة الرمز والشخصنة والفردية تسيطر على مجريات المؤتمرات, على حساب البرامج والأنظمة الحزبية .
وإذا ما أردنا أن نأخذ تجارب الآخرين بعين الاعتبار ونمتثل لها , ومحاكاتها فسيكون أمام هذه الأحزاب الأنموذجان :
الأنموذج الأول : تجارب الأحزاب والمنظمات الشمولية في منطقتنا, وبعض دول العالم الثالث.
الأنموذج الثاني : تجارب الأحزاب والمنظمات الديمقراطية في الدول الغربية .