لماذا تخاف الأحزاب الكوردية من انعقاد مؤتمراتها ؟

زارا مستو

  انعقدت في الآونة الأخيرة مؤتمرات عدة للأحزاب الكوردية في سوريا, ومنهم من يحضّر نفسه لانعقاده, فالقصد هنا ليس حزباً بعينه, بقدر ما يهمنا النتائج والممارسات التي تترجم على أرض الواقع, والآليات المتبعة في اتخاذ القرارات والمواقف, والذهنية التي تتعامل بها, والعقلية التي تخرج بها السياسات, لا شكّ أن هناك قلقاً وخوفاً دائماً كلما اقتربت تلكم الأحزاب من مؤتمراتها, فأين تكمن الأزمة؟
     ومن خلال متابعتي لهذه المؤتمرات وجدتُ أن أغلب الأحزاب الكوردية فإن لم نقل كلها تعاني من أزمة حقيقية, بسبب تكبّلها بمفاهيم شمولية معلبة مستوردة, ومفاهيم أخرى قبلية متحجرة تاريخية متوارثة, وأن المفاهيم الديمقراطية التي تنادي بها هذه الأحزاب- كالتداول في القيادة والخضوع للقرارات الأغلبية, واحترام الرأي الآخر- تصطدم بالحائط على أرض الواقع في أغلب الأحيان أثناء محطاتها الحزبية الرسمية, باستثناء بعض تجارب للقيادات الواعية, فهؤلاء أثناء الممارسة الديمقراطية والتصويت يخضعون للرأي الأغلبية والعملية الديمقراطية ويحترمون الرأي الآخر دون إثارة المشاكل وتحريض الحزبيين أثناء هذه العملية وبعدها, فهذه الممارسات الديمقراطية تستحق التقدير والاحترام, ويجب أن يدعم هذا التوجه في الأحزاب على أكمل الوجه.

  قد يقول البعض إنّ المنطقة برمتها تعاني من هذه الأزمة, وأننا جميعاً نتاج ثقافة الإقصاء والإلغاء والاجتثاث والإنكار والانفراد, ولذلك تكون الأزمة أمر طبيعي في ظل هذه الأوضاع, وأن بناء ثقافة جديدة في هذه الأحزاب يحتاج إلى بنية مناسبة وظروف معينة وعوامل موضوعية وذاتية ملائمتين.
    لكن السؤال الذي يفرض نفسه, هل علينا أن نمتثل لهذه الذهنية ونخضع لثقافة أمر الواقع, وأن نستنسخ التجارب ذاتها, وأن ننتظر القدر كمعيار في حسم قضايانا ؟
  أستطيع القول إن الخوف يأتي عادة من تلك الذهنية التي تريد حصر الحزب وبرامجه وأنظمته والقضية معاً في ذاتها التي لا تخضع لأبسط المبادئ الديمقراطية, والتي تتخذ كآلية التعامل فيما بينها, ومن هنا يكون إرضاء هذا الذات والخضوع له ضمانة وحيدة لوحدة الحزب واستمراره, ولو بشكله المستنسخ المعتل, فإن هذا الذات الذي يسيطر على دفة العمل السياسي في ساحتنا  يتسم بسمات عدة : كالفردية , التخوينية , الإقصائية , الإلغائية, التسلطية, العشائرية وغير الأكاديمية …الخ
    في المقابل هناك نواة تيار تتأسس في هذه الأحزاب تسعى لدمقراطة نفسها والامتثال للمعايير والأسس الديمقراطية في قضاياها التنظيمية سواء أم السياسية, كمعيار لها في حسم المواقف المختلفة,  لكن هذه الذهنية لا تزال في قيد تكوين الملامح والسمات, ومطلوب يساند هذا التيار الدعم الكامل كتنظير له من قبل المثقفين وتجسيداً على أرض الواقع من قبل الحزبيين.
   إن الأمل يكمن في ذلك التيار الصاعد الذي يتبنى العمل الجماعي المؤسساتي الديمقراطي سبيلا في العمل النضالي, وإن انطوى على بعض الأخطاء في الممارسة الديمقراطية, لكن هناك من يبرر بأن أصحاب هذه الذهنية الجديدة لا يمتلكون التجربة الكافية لقيادة هذه الأحزاب, وهي عاطفية , انفعالية, شعاراتية, صبيانية غير ناضجة, وبالتالي لا نستطيع الخضوع لقراراتهم الارتجالية التي قد تفضي بنا إلى التهلكة .
نستطيع من خلال المتابعة تسجيل بعض الملاحظات على هذه المؤتمرات :
1- غياب الوعي الديمقراطي لدى أغلب أعضاء المؤتمرين.
2- غياب الوعي التنظيمي والسياسي لدى نسبة كبيرة من أعضاء المؤتمرين.
3- غياب البرامج التي تواكب الحداثة والتغيير.
4- قلة الكوادر الأكاديمية والمتخصصة في المؤتمرات وبالتالي تسيطر النزعة الفردية والشخصية على مجريات المؤتمرات.
5- غياب الحوار الجدي والبناء حول القضايا المهمة, وعادة يتم حسم القضايا والمسائل وفق إرادة بعض أفراد في القيادة.
6- نسبة لا بأس بها من الأسماء في أغلب الطواقم القيادية في المؤتمرات تتشكل وفق معيار تقديم الولاء الشخصي للذهنية التي تسيطر على الحزب, ويكون الطاقم نفسه عادة, إذ لا تتغير الأسماء كثيراً بسبب عدم وجود الكوادر المؤهلة, ومن هنا تكون غالبية هذه القيادات غير مؤهلة ولا تجيد لغة السياسية وفق المعايير المتعارف عليها.
7- عدم تبلور فكر التداول والتغيير لدى أغلب الأعضاء والقيادات, وبالتالي ما يسمى بالشخص الأول يكون مرة أخرى يكون هو الأول .
8-  ثقافة الرمز والشخصنة والفردية تسيطر على مجريات المؤتمرات, على حساب البرامج والأنظمة الحزبية .
  وإذا ما أردنا أن نأخذ تجارب الآخرين بعين الاعتبار ونمتثل لها , ومحاكاتها فسيكون أمام هذه الأحزاب الأنموذجان :
الأنموذج الأول : تجارب الأحزاب والمنظمات الشمولية في منطقتنا, وبعض دول العالم الثالث.


الأنموذج الثاني : تجارب الأحزاب والمنظمات الديمقراطية في الدول الغربية .

   مما لا شك فيه أن احتذاء الأنموذج الثاني يشكل غنى وقوّة لبنية هذه الأحزاب, وسبيلا في التحاق بركب التغيير, وانسجاماً مع متطلبات العصر, فالقوة الحقيقية الفاعلة التي تستطيع إدارة قضايا شعوبها بجدية تكمن في تلكم الأحزاب العلمانية التي تنتهج الديمقراطية سبيلاً وتجسيداً لها, ولا شك أن زمن الرمز وحزب القائد الملهم الذي يكون مصير كل شيء بيده قد ولّى, عند أغلب الشعوب المتحضرة, فالثقافة الديمقراطية هي كفيلة بمواكبة المرحلة وتغيراتها, ولذلك نستطيع القول إن هذه المؤتمرات باستنساخها لتجاربها غير مجدية تثير الشك في شرعية وجودها وبقائها واستمرارها بهذا الشكل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…