خلافاً عن المشاكل السابقة أعاني من ضيق التنفس في المكان الجديد ، ووضع الأَرَق ، أنا عاجز تماماً عن النوم المريح ، فالنوم يشكل مشكلة جادة لي .
المكان الجديد تم إنشاؤه بمهارة وعن قصد ، إنه مكان مرتب ، مكان جرى تشييده بتخطيط دقيق وعن وعي وبشكل خاص جداً .
وصُرِفَ عليه كثيراً ، ولا أظن أن يتم إدخال تعديلات عليه بعد الآن .
إنني أشعر وكأنني في قعر بئر عمقه خمسة عشر متراً ، ينقطع نفسي ، أعجز عن النوم ، البارحة أيضاً لم أتمكن من النوم ، أفتح النافذة من أجل تهوية الغرفة ، ولا أستطيع الجلوس في مكان التهوية فهو مكان يتألف من جدران خرسانة عالية ومساحة بطول خمسة أو سبعة أمتار فقط ، فهو أصغر من التهوية القديمة ، كما أن أعلاه ليس مفتوحاً تماماً ، وأستطيع السير هناك فقط ، ولكن الضغط مرتفع بتأثير عمقه.
ونحن البارحة قيَّمنا الوضع مع الرفاق ، واتخذنا قراراً بعدم الخروج إلى اللقاءات الجماعية إلى حين تصحيح هذه الظروف ومنحنا جميع حقوقنا .
أي أنني لن أخرج إلى اللقاءات الجماعية بعد الآن حتى يتم تصحيح الأوضاع .
عندما نلتقي بالرفاق الآخرين يقف مسؤولان أمامنا وإثنان من خلفنا ، ولا يدَعوننا نلتقي في التهوية .
حتى قبل وقت قصير كان التحدث بالكردية ممنوعاً هنا ، ولكن تم رفع المنع بالنظام الداخلي الجديد ، ولكننا إلى الآن لم نجرب التحدث بالكردية بعد ، ولا نعرف إن كانوا سيسمحون بها أم لا ، فعندما نجرِّب سيظهر إن كانو يسمحون أم لا .
الشروط هنا صعبة جداً ، فهي أثقل كثيراً مقارنة بالأماكن السابقة للرفاق الآخرين ، بينما أنا معتاد عليها وأتحملها ولكن أتأسف على الرفاق .
وليست لديَّ فرصة التحدث إلى المسؤولين هنا فيما عدا المحامين وأسرتي ، فحتى عندما يعطون الطعام ، يضعونه ثم يأخذون الطبق ، ولا يجري أي كلام بيننا ، ولا يحدث أي شيء خارج القواعد.
ويتم تشغيل موَّلد خارج غرفتي باستمرار صوت ضجيجه مستمر دائماً ، وهذا يزعجني جداً.
كُتاب جريدة “إلـ ـ مانيفستو” أشخاص مثقفون ، وذو نوعية كما أعلم .
هناك مسألة الفردية والكونية في الفلسفة ، فهي مصطلحات .
وأنا أقيم رابطة بين الفردية والكونية ، فالفرديات مهمة ولكن أوضحُ بأن لكل فردية رابطتها مع الكونية ، كما أفكر بأن الكونية مرتبطة بالفردية ، فهذان الأمران ليسا أمران متضادان لبعضهما البعض ، بل هي أوضاع متعلقة ببعضها البعض .
فمثلاً لايرلندا فرديتها ، ولكردستان فرديتها ، ولكن لكليهما روابط تلتقي في الكونية مطلقاً .
لقد صادقوا على عقوبة عشرين يوماً من العزلة المعطاة سابقاً ، فقد تم تبليغي بالمصادقة على القرار ، ولكنني لا أعلم متى سيتم تنفيذه ، فربما يتم تنفيذه قريباً .
كذلك كنت قد طلبت إرسال مرافعتي المؤلفة من مائة وستين صفحة أي خارطة الطريق إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ، وفي الرد الذي وصلني أوضحوا بأنهم لن يرسلوها إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية .
الذريعة هي أن مرافعتي هذه تتضمن التعليم والدعاية والتعليمات ، ولهذا لن يرسلوها .
هذا غير صحيح ، أنا لا أصدر التعليمات إلى أحد ، ويقال التعليم ، وفي الحقيقة كل واحدة من مرافعاتي ما هي سوى تعليم بحالها .
ولكنني لا أصدر التعليمات من هنا إلى أحد ، كما لا أرى ذلك سليماً ، ففي ظروف الأسر هذه ، وفي شروط المحكومية ، لا يمكنني القيام بذلك ، وفي هذا الوضع لا أرى ذلك أخلاقياً .
ولكنني سأستمر في الكلام وقول آرائي .
ولا يستطيع أحد عرقلة تعبيري عن أفكاري .
وسأستمر في قول آرائي ولو كانت حياتي ثمناً لهذا الأمر .
وما أقوم به هنا هو تشخيص وليس تعليمات ، إنها تحليل سوسيولوجي ، وتشخيصات سوسيولوجية .
إن هؤلاء يستفيدون من خصوصية الأكراد الإسلامية في ممارستهم للسياسة ، وهذا يسري منذ ثلاثين سنة ، ففي السبعينيات كانوا ينفذون هذه السياسات بـ”حزب الرفاه” و الآن بـAKP ، و”نعمان كورتولوش” له نفس المفهوم ، فكل من CHP و MHP قد سقط قناعهما ضمن الأكراد وانكشفا ، ويُراد السيطرة على الأكراد من خلال AKP .
حيث يستمر AKP في مفهوم CHP و MHP القوموي ـ الأمة المتصلب للتصفية ، بأساليب معتدلة وأكثر مرونة ودقة ، وهذا أكثر خطورة بكثير ، بينما الهدف واحد في الجوهر ، وهو التصفية .
في الحقيقة هناك وفاق مستتر بين AKP و CHP و MHP منذ 2002 إلى الآن .
هناك إدعاء مزيف بالمعارضة ، وأنا لا أقول بأن المعارضة غير قوية .
إن عدم الفهم يصعُبُ عليَّ أكثر من ثقل الظروف هنا .
الايرلنديون عنيدون ، والأكراد أيضاً شعب مقاوم جداً ، ولكنهم عاجزون عن فهم الشباك التي تحاك لهم ، إنهم لا يدركونها ، وأنا لا أستطيع العلم بما سيحدث بعد شباط و آذار .
فأنا لا أقول بأن يحاربوا أو يسالموا ، كما لا أصدر التعليمات ، وعليهم أن يقرروا ما سيقومون به ، هم الذين سيقررون ما إذا كان الأكراد سيحمون كرامتهم ، أم سيتخلون عن حقوقهم .
يبدو مفهوماً أنهم سيستمرون في عمليات الاعتقال بشكل أكثف ، فمخطط التصفية قيد التفيذ .
وسيتحاملون علينا بشكل متزايد ، بل سيتحاملون من جميع الجوانب ليخنقوننا ، ومن بعدها يمكن أن تأتي العمليات العسكرية ، فهاهو شهرا شباط و آذار قادمان ، وأنا سأكون في وضع معتدل وسأنسحب من الوسط .
أما إذا جاؤوا من أجل الحل ، فأنا هنا مستعد للمساهمة في كل وقت .
تعلمون بأنه حدثت هنا بعض السلبيات التي استهدفتني ، فقد حاولوا خلق استفزاز ، فهم انقَضّوا علي هنا ، وأبديت رد فعلي عليهم ، وقلت ؛ لماذا تفعلون هذا ؟ ولكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم ذاك ، ولو ردَّيتُ عليهم ، ربما كانوا سيقتلونني .
لماذا لم أردَّ عليهم ؟ لأن الموت ليس بشيء جميل ، وأنا هنا لن أكون سبباً في موتي ، كما لن أُنهي حياتي ، ولكن إذا هم قتلوني ، فيمكنهم قتلي .
إنني أحاول الحياة أكثر من أجل الحفاظ على المعنويات العالية لشعبي ، وحماية آمال شعبي في السلام والحرية .
الفردانية تتحكم في أوروبا كثيراً ، بالطبع أنا هنا لا أقصد الفرد ، بل أتحدث عن الفردانية ، فسبب عدم تطور الحل ، وعدم حل القضايا الاجتماعية ، هو تلطخ الجميع بالدولة القومية أكثر مما يجب .
فأنا أفكر في أن تحليل الدولة القومية لعب دوراً مهماً في أساس عدم قدرة الماركسية على النجاح .
فمفهوم الدولة القومية هي نتيجة للرأسمالية والحداثة الرأسمالية .
بينما اليسار لم يستطع فهم ذلك جيداً .
نحن اليسار والاشتراكيون كمضطهدين لم نستطع فهم ذلك كثيراً .
كما أن هذا المفهوم يكمن خلف انهيار الاشتراكية المشيدة ، فـ”لينين” في روسيا و “ماو” في الصين من ضمنهم ، وقع الجميع في نفس الخطأ ، هذا ما يجب فهمه جيداً ، علماً بأنه لولا الصين اليوم فإن أميريكا لن تستطيع البقاء ، النقابات والعديد من المؤسسات مثل بعض مؤسسات العمال في حقيقتها تخدم الرأسمالية .
إنني لا أرى تحليل ماركس الطبقة مقابل الطبقة أمراً صحيحاً ، فأنا لا أقول الطبقة مقابل الطبقة ، وإنما المجتمع مقابل الطبقة أو مقابل الرأسمالية .
وعندما نقول المجتمع فأنا لا أقصد أي قسم منه ، بل أقصد عموم المجتمع .
فأنا أقول لولا المجتمع لما كان الفرد ، فالفرد يكسب معانيه بالمجتمع .
وأنا أرى الحل في التقاء الفرد والمجتمع ببعضهما كونياً ، ولكن ما أتكلم عنه ليست الأممية .
أوروبا تتخذ الفردية أساساً ، هذه بمفردها ناقصة وغير كافية ، وما أقترحه أنا ليست فردية على نمط أوروبا ولا الأممية كما في الاشتراكية المشيدة ، كذلك ما أقترحه ليس السلطة ولا نظاماً فيدرالياً أو كونفيدرالياً تقليدياً .
ما اقترحه هو المفهوم الذي يحقق إلتقاء الفردية بالكونية ، ويمكننا تسمية ذلك بالكومونالية الديموقراطية ، وكمطلب لهذا المفهوم يمكن استخدام مصطلحات الأمة الديموقراطية والوطن الديموقراطي .
هذا المفهوم لا يهدف إلى السلطة والدولة ، فنحن لا نتلطخ بالسلطة والدولة ، وأنا أقول الاشتراكية بهذا المعنى .
مفهومي هذا ترسَّخ بعض الشيء في كردستان ، فرغم تعرُّض الأكراد للإضطهاد والإبادات كثيراً ، تطوَّر هذا المفهوم بعض الشيء لدى الأكراد .
ونظراً لتلطخ الجميع بالدولة القومية لا يتمكن الحل من التطور ، فلهذا السبب يمكن أن تحدث مجزرة جماعية في الجنوب ، يمكن أن يتعرَّضوا لمجزرة جماعية ، فأنا أحذر ، وأحذر كلاً من الطالباني والبارزاني من هذا الأمر .
معلوم أن “غراميتشي” بقي أيضاً عشر سنوات في السجن ، إنني أثمن أفكاره عالياً ، وفي الحقيقة ما أقوم به هنا هو الحال المستحدثة من “غراميتشي” .
في تركيا فاشية مؤسساتية ، فظروف السجن الذي أنا معتقل فيه الآن ثمرة لهذه الفاشية المؤسساتية ، وتدل على استمرارها .
هذه الفاشية المؤسساتية وصلت إلى يومنا دون تغيير منذ قرن ، فالفاشية المؤسساتية موجودة في تركيا منذ أنشطة الاتحاد والترقي في عام 1906 وإلى الآن ، وممثلوه اليوم يعبرون عن أنفسهم في MHP و CHP .
ذلك المفهوم يمثل نهجاً قوموياً ووطنياً متصلباً ، ولا نطلب هذه الوطنية المتصلبة في نهج كل من MHP و CHP ، ولا الهيمنة الإسلاموية لدى AKP .
نحن نرفض الإثنين ولا نراهما صحيحين ، فلا زال يسود تركيا قوة الهيمنة لنهج العلمانية القوموية الوطنية المتصلبة ، مع قوة الهيمنة التي تدافع عن تركيبة الإسلامية ـ التركية ، بينما أرى الطريق الثالث صحيحاً ، وهذا الطريق الثالث هو الطريق الديموقراطي الذي عبرنا عنه مراراً .
هو الكونفيدرالية الديموقراطية ، والجمهورية الديموقراطية ، والوطن الديموقراطي ، والأمة الديموقراطية .
لقد كانت الغلاديوهات الأخرى مؤثرة مثل الغلاديو الإيطالي في الإتيان بي إلى هنا ، MI-6 في انكلترا ، والغلاديو اليوناني كانا مؤثرين ، فقد كانت انكلترا ضمن هذا العمل بكثافة ، يجب العلم جيداً بهذه الأمور ، فها هما رئيسا وزراء تركيا وإيطاليا يعلنان عن أنفسهما أخوين ، حيث يراد تأسيس زواج رأسمالي من خلال هذين البلدين ، فهذه هي السياسة الرأسمالية التي تريد خلق نموذج من خلال تركيا و إيطاليا .
الغلاديو التركي وأرغنكون استمرار للإتحاديين ، فإيطاليا نجحت في تفتيت الغلاديو التابع لها عام 1990 ، ولكن لم يتم تفتيت الغلاديو التركي ـ أرغنكون بعد ، أما قضية أرغنكون الراهنة فغير معنية بكامل أرغنكون ، بل بقسم صغير منه .
أبعث بتحياتي إلى شعبنا وإلى الرفاق في السجون .
طابت أيامكم .
13 كانـــــــــون الثاني 2010