سيامند إبراهيم
ومن هنا فإن يومي السادس والسابع عشر من آذار مطبوعٌ في الذاكرة الكردية والإنسانية, عندما قامت طائرات (السوخوي) الروسية للنظام الصدامي البائد بقصفها, وقد كانت هذه الضربة هي ردة فعل من السلطات العراقية على دخول القوات الإيرانية لتلك المناطق أثناء الحرب العراقية –الإيرانية
الضربات الجوية أمر بها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين والذي كلف بها علي الكيماوي بقصف مدينة حلبجة واستهداف كل شيء يدب على أرض هذه المدينة, التي غدت شعلة في ذاكرة التاريخ ورمزاً يضرب به المثل لسياسة الاستبداد التي تمارس على الشعوب الآمنة .
ففي قانا قام الطيران الإسرائيلي بقصف السكان الآمنين وهدفهم كان البشر, وفي حلبجة كان الطيران العراقي والذي كان سلاحه أشد فتكاً من قانا الذي أخذ بقصف وإبادة البشر والشجر والطير هدفاً لهم , وفي ظل الصمت المطبق من الدول الإسلامية التي لم نسمع صوت إدانتها لهذه الجريمة, أجل هذه المدينة التي زارها الفنانون ورسموا لها لوحات سوداء وكانت الألوان من دم أبناء حلبجة خلدوا تاريخها, ومآسيها, فالشاعر الكبير شيركو بيكس عبر عن فجيعته وملأ دواته بدمعه وسطر بها في أروع القصائد ومنها حلبجة(1)
في الخارج
مدمرون
هذي حلبجة ُ في المدى أخبارُها ….
لتثيرَ في همم ِ النفوس ِ شرارها
وتعيدُ قصـة َ ذبحـها وحريـقها
صوراً من الحقدِ اللئيم ِ شِفارُها
تلك الضحايا تسـتـثيرُ نداءها
عـاماً فعاماً كي تـُقربَ ثارَها
فهي الجراحُ النازفاتُ روافـدٌ
للناهضاتِ الحاشداتِ قرارَها
فجموعُ هذي الناسِ ما فتئتْ ترى
في الكيمياءِ القتل ِ فيضَ نهارها
إنَ المواجعَ لم تزلْ تسري على
دمـنا شـموعا ً نقـتفي أنوارَها
هذي حلبجةُ جرحُها لا ينتهي
أبدَ الدهورِ ولا يذوبُ أوارُها
ستظلُ ملحمةَ الدماءِ تسـيلُ في
عِرقِ الترابِ سـقاية ً أمطارُها
وتظـلُ تنبضُ في القلوبِ روايـة ً
تحكي لجيـل ٍ بعـدَ جـيـل ٍ نارَها
فارفعْ سـليلَ الأرضِِ زهرةَ تربها
فوقَ الشـفاهِ وفي العيونِ ديارَها
فهي التي رفعتْ لواءَ شهادةٍ
معمـودةٍ بصـغارها وكبـارِها
هذا ابنُ شهر ٍ بينَ حضنِ رضيعةٍ
ذاك ابنُ سـبعين ٍ يشــدُ إزارَها
هذي عروسٌ ترتدي حُلَلَ الهوى
لم يحتضنْ غيرَ الترابِ سـوارُها
وأزقة ٌ ملأى بأجسـادِ الورى
متوسـدين ترابها وحجارَها
كلٌ تهاوى في دخـان ِ نزيلـة ٍ
سوداءَ منْ صدرٍ خبيثٍ ثارُها
اللهُ ..
هل في الأرضِ صوتُ نزيهةٍ ؟
مازالَ صوتُ الأرضِ في أسـرارها
تبتْ يداك أبا لـُهيبٍ ما اكتوتْ
إلا يـداك بعـارها وشـنارِها
هـذي حلبجـة ُ لم تـزلْ مقرونـة ً
بالشمسِ حتى لو نويتَ دمارَها
فالشمسُ إنْ ضمتْ سحابٌ وجهَها
سـتظلُ شـمساً يسـتحيلُ سـتارُها
يا شـعبَ كردسـتانَ حرقـة َ لاعج ٍ
حملَ الجراحَ على الضلوعِ ونارَها
كم في مسيركَ هجرة ٌومحارقٌ
تـتشـقـقُ الأرضون من آثارِها
ويحَ الطغاةِ وإنْ تـنمرَ ذلـُهم
لحفيرةٍ تهوي لتلبسَ عارَها
—————–
صحفي وشاعر كردي سوري
(2) مختارات من الشعر الكردي المعاصر – للشعراء شيركو بيكس, عبد الله بيشو , ريق صابر.
لطيف هلمت, ترجمة صلاح برواري