التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

   حظي التغيّر المناخي، وما تسبب من تزايد حرارة الأرض، اهتماماً متزايداً من قبل المجتمع الدولي بشكل عام، وأسفرت المحادثات المكثفة لممثلي أكثر من مائة دولة في قمة كوبنهاجن الأخيرة، عن التواصل إلى مسودة إعلان غير ملزم دعى إلى خفض الانبعاثات الحرارية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتقديم 30  بليون دولار للدول الفقيرة لتحاشي قطع الغابات ووقف التصحّر.
  وقد جاء هذا الإحساس بالخطر، الذي يتهدد العالم، ليؤكد ضرورات التأسيس لنظام عالمي، يعزز سبل  التعاون بين الدول للخروج من أزماتها، ومنها بلدان الشرق الأوسط التي تعيش أزمات حقيقية من جراء التعثّر في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلها وأوضاعها، وفي مقدمتها إيران التي عجزت حكومتها المتشدّدة عن الاستجابة لدعوات الإصلاح، وإتباع لغة حضارية مع المعارضة الداخلية، التي قامت على خلفية عدم قبول نتائج الانتخابات الرئاسية، وانقسام الملالي والآيات.

وقد أثبتت تلك الاضطرابات واتّساع مساحتها هشاشة الوضع الداخلي الإيراني، وفضحت أسلوب النظام في التهرب من معالجة شؤونه الذاتية عبر افتعال معارك خارجية تزيد عملياً من التذمّر الإقليمي والدولي، وتضعف موقف الدول التي كانت تحميه من العقوبات الدولية على الاستمرار في هذا الاتجاه، وخاصة الصين وروسيا، بسبب الطريقة الاستفزازية التي أدار بها الحوارات حول الملف النووي وإصراره على فرض قاموسه السياسي، مما زاد من عزلته التي قد تتحول مستقبلاً إلى غطاء لضربة عسكرية قد تقدم عليها إسرائيل التي تتهرّب من استحقاقات السلام مع الجانب الفلسطيني، وترفض التخلّي عن الاستيطان، خاصة في القدس الشرقية، وتستعد لتحويل الأنظار نحو مسارات أخرى، ومنها لبنان حيث تقوم ببعض الترتيبات الممهّدة للانسحاب من القسم الشمالي لبلدة الغجر.

وقد يشمل مستقبلاً مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وتسليمها لقوات اليونيفيل.

وتهدف من وراء ذلك إلى إسقاط ذرائع حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، وإحراج حكومة الحريري الناشئة، واستباق أي تحرك إيراني نحو إشعال الوضع في الجنوب في ظل التهديد بعقوبات اقتصادية تستعد الدول الغربية لإقرارها في مرحلة يعيش فيها لبنان هدنة إقليمية وداخلية قد تنتهي، إذا سخنت ساحات المواجهة  في المنطقة .

  كما أن إسرائيل توحي بإمكانية إحياء المفاوضات غير المباشرة على المسار السوري، وتبتزّ في هذا الملف الوسيط التركي، لكن الطرفان يجمعان على تفضيل الجانب الأمريكي، الذي مارس الضغوط على إسرائيل من أجل تجميد الاستيطان، مما جعل منه وسيطاً مقبولاً وفق المنظور السوري لاستعادة الجولان، إضافة إلى أن الجانب السوري يسعى لكسب الود الأمريكي في إطار استكمال فك العزلة، لكن الجهود التركية تتواصل بضوء أخضر من واشنطن، وهو ما تأكد من خلال زيادة آردوغان الأخيرة لدمشق، والتي حظيت بتوقيع حوالي 50 اتفاقية شملت العديد من المجالات الاقتصادية والأمنية، وتناولت المباحثات بعض القضايا الإقليمية، وخاصة العراق، ومنها موضوع معسكرات  PKKومخيم مخمور، مما يعني أن الموضوع الكردي كان حاضراً في لقاء الجانبين في إطار مبادرة آردوغان الانفتاحية التي تعرضت لانتكاسة بعد قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي DTP ، مما اعتبره المراقبون بمثابة انقلاب على عملية الانفتاح، وتعطيل لتلك المبادرة التي كانت من الممكن أن تضع القضية الكردية هناك على سكة الحل السلمي، وقد يكون هذا القرار تمهيداً لإقدام المؤسّسة العسكرية على توغلات جديدة داخل كردستان العراق بهدف ضرب قواعد PKK في جبال قنديل.
  وبهذا القرار، فإن حزب العدالة يقف أمام مفترق خطير قد يكون مطالباً بإتمام مهمة الإصلاحات الديمقراطية، من خلال إقرار قوانين تضع حداً لمسلسل حظر الأحزاب داخل المحكمة الدستورية التي يهيمن عليها القوميون الأتراك وجنرالات الجيش، الذين تورط بعضهم في شبكة أرغنكون، كما أن حزب المجتمع الديمقراطي الذي استبدل بحزب السلم والديمقراطية BDP ، مطالب أيضاً باستغلال فرصة وجوده في البرلمان لاستلام زمام المبادرة، كممثل ومدافع عن قضية الكردية بعيداً عن العنف، وتجنب الأخطاء السياسة…..خاصة بعد أن استجدت مناخات ملائمة لحل هذه القضية التي بدأت تحظى بالتفهّم والتشجيع، ترافقاً مع تحسّن العلاقات بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، الذي يستعد للمشاركة في انتخابات برلمانية مركزية شهدت تجاذبات حادة ساهم التحالف الكردستاني في تذليل بعض العقبات ، وتمرير قانون الانتخابات بغية تجنيب العراق أزمة فراغ دستوري ، وحظي الموقف الكردي هناك بارتياح الجانب الأمريكي، كما دفع هذا الموقف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لتقديم التسهيلات اللازمة لضم قوات البيشمركة الى منظومة الدفاع الوطني العراقية مقابل تلبية مطالب بغداد من أموال الضرائب والجمارك الحدودية، واستثمار ذلك لتقوية نفوذه لضمان ولاية جديدة لرئاسة الوزراء، في حين جاءت فيه الجهود الأمريكية للإسراع في إقرار قانون الانتخابات من أجل ضمان تنفيذ مخطط سحب القوات الأمريكية من العراق للاستفادة منها في دعم قوات حلف الأطلسي في أفغانستان، التي تمر بمرحلة دقيقة بعد أن قويت شوكة حركة طالبان، وباتت تهدّد التجربة الديمقراطية الأفغانية، مستفيدة في ذلك من تردّد الحكومة الباكستانية، وعدم قدرتها على ضبط الحدود مع أفغانستان، ووضع حد للدعم اللوجستي والبشري المتبادل بين حركتي طالبان في البلدين، وكذلك من الاستثمار الإيراني لهذا الملف في مقايضة الأمريكان والروس معا في قضية ملفها النووي .
  وفي الداخل السوري، فإن المواطن مصاب بخيبة أمل مريرة حيال استمرار الاعتقالات والأحكام القاسية التي ميزت عام 2009 ، وتعمّق الأزمة الاقتصادية، وتعقّد الأحوال المعاشية، التي عبرت عنها الطريقة المهينة في توزيع قسائم المازوت، وخطورة المؤشرات الدالة على انسداد آفاق التغيير.

فالبطالة تشمل مئات الآلاف، والأعداد في تزايد مستمر من جراء التكاثر السنوي، من جهة وحالات التسريح من جهة أخرى، كما أن الفساد لا يزال يستنزف طاقات اقتصادية كبيرة تقدر بعشرات المليارات سنويا، في حين باتت خسائر القطاع العام بفعل الهدر والنهب، خارج إمكانات المعالجة .
  ونتيجة للإدارة الاقتصادية السيئة والفساد المستشري، وغياب أية بوادر للإصلاح والتغيير، فإن دائرة الفقر اتسعت، وبات يشكل مصدراً للقلق الشديد، جراء نتائجه وانعكاساته الخطيرة، خاصة في المحافظات الشرقية التي تتصدر قائمة معدلات البطالة، التي وصلت في محافظة الحسكة مثلا إلى أكثر من 24% ..وتؤكد كل تلك النتائج أن هذا الواقع السيئ يتطلب حلولا سريعة ومحاسبة صارمة وشفافية واضحة وإعادة هيبة واستقلالية القضاء، وإبعاده عن التدخلات الأمنية، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني وحرية الإعلام والتعبير، وتفعيل الرقابة على أداء مؤسسات الدولة على طريق العمل من أجل إحداث التغيير الديمقراطي السلمي .
  أما بالنسبة للوضع الكردي، فإن الأزمة العامة تتداخل مع تطبيقات المشاريع الشوفينية والسياسات والمراسيم الاستثنائية، لتكون النتيجة إغلاق فرص التوظيف في المؤسّسات ودوائر الدولة، والتضييق على فرص العمل في القطاع الخاص وأصحاب المهن، وإهمال الزراعة وارتفاع تكاليفها، وتصاعد موجة الهجرة إلى الداخل السوري والخارج الأوربي والجوار الإقليمي ..وتتواصل حملة الاعتقالات الكيفية لتشمل مختلف أصحاب الرأي ونشطاء حقوق الإنسان وكوادر الحركة الكردية، وكان آخرهم ثلاثة من أعضاء قيادة حزب يكيتي الكردي وهم السادة حسن صالح ومحمد مصطفى ومعروف ملا احمد، والناشط أنور ناسو، والأستاذ عبدالرزاق جنكو …ورغم أن مثل تلك الاعتقالات تلقى الإدانة والاستنكار لدى كل المهتمين بحقوق الإنسان، فإنها لا تزال تشكل لغة التعامل الأساسية مع أصحاب الرأي الآخر.
      في 7|1|2010
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…