لو رجعنا بالذاكرة الى الماضي القريب وتحديداً في 20/04/2006، اليوم الذي تم فيه اعلان الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا (إئتلاف من ثلاثة احزاب)، والتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا (إئتلاف من أربعة أحزاب) رؤية مشتركة للحل الديمقرطي للقضية الكردية، وبهذه الرؤية أصبح ما يجمع الجبهة والتحالف ثالوث مشترك:
2ـ اشتراكهما في الهيئة العليا للجبهه والتحالف- .
ان هذا الثالوث المشترك لم يبقى على حاله، فقد تم نسف الهيئة العليا جراء ازمة التحالف منذ آذار 2008، كما تم نسف الرؤية المشتركة بإلحاح لجنة التنسيق الكردية وجرها للجبهة والتحالف الى رؤية جديدة لحل القضية الكردية لم يتم نشرها،ويظهر جلياً ان المشترك الوحيد بينهما (عضويتهما في اعلان دمشق) يتم محاربته على لسان بعض اطراف الجبهة، وتحديداً البارتي.
لقد كان على الجبهة اتخاذ موقفٍ واحدٍ من ثلاثة:
1_ اتخاذ موقف سكوني وعدم التدخل ـ حفاظاً على الثالوث المشترك ـ لأن الفصائل الحزبية لا تصلح لأن تكون جهة مصالحة بين الفصائل المتخالفة في الوقت الراهن، فهي تحبذ الشرذمة، وخاصةً لغيرها من الفصائل، أكثر من التقارب.
2ـ اتخاذ موقف ايجابي، وذلك بتوسيع الجبهة بحيث كان بوسعها أن يتسع للفصيلين الذين يناضلان الآن تحت اسم الهيئة العامة للتحالف، رغم ان خيار وحدة البارتي كان أكثر جدوى.
3ـ اتخاذ موقف سلبي ـ التدخل الهدام ـ وهو الموقف الذي اتخذته الجبهة، فالجبهة لم تكن طرفاً في الازمة ولكنها تدخلت كطرف ثالث، ونتيجة لعدم قدرتها على حل الازمة اتخذت موقفاً انشقاقياً من الطرف الذي يعمل الآن تحت اسم المجلس العام للتحالف، رغم ان المسافة بين الجبهة والتحالف -قبل الازمة- كان أقرب من تلك التي بين الجبهة ولجنة التنسيق، لذلك لا أرى ان تشكيل المجلس السياسي إلا ضمن مسلسل ردات الفعل، تداخلت المصالح المختلفة للفصائل الحزبية في انشائه، ومن بيان اعلان المجلس يتبين ما يلي:
1 ـ جاء في بيان اعلان المجلس حرفياً ما يلي:“ وسيكون من أولى مهام المجلس الذي ستعقد أطرافه اجتماعات دورية، العمل من أجل تقريب وجهات النظر وايجاد التفاهم والتنسيق بين أطرافها واتخاذ مواقف مشتركة ازاء القضايا الوطنية السورية والقومية الكردية، تمهيدً للانتقال الى مرحلة متقدمة باتجاه تشكيل مرجعية كردية من خلال مؤتمر وطني تشارك فيه كافة فعاليات المجتمع الكردي.“
ان وجهات النظر كان موجوداً ، بل كان موحداً من خلال الرؤية المشتركة بين الجبهة والتحالف، ثم هناك رؤية مشتركة أخرى مع لجنة التنسيق، فما هو المقصود بان أولى مهام المجلس سيكون العمل من أجل تقريب وجهات النظر، في الوقت الذي كان وجهات النظر موحدة، كما ان تقريب وجهات النظر لم يكن يستدعي نسف ما كان قائماً .
وأتذكر عندما خرجت الرؤية المشتركة بين الجبهة والتحالف الى النور، كم كان عدد المصفقين لها، وبعد أن خرجت رؤية الجبهة والتحالف والتنسيق معاً الى النور، صفق لها نفس المصفقين والآن تعيد الكرة نفسها مع المجلس السياسي، فالحالة الحزبية كونها مختلفة عن الحالة السياسية، ترافقها دائماً فريق من المصفقين، حيث بدونهم لا حياة للحركة الحزبية.
2 ـ أيضاً جاء في وثيقة الاعلان :”استجابة لضرورات العمل من اجل تعبئة وتوحيد طاقات شعبنا ولنداء جماهيره المطالبه بالحاح لتوحيد الصف الوطني الكردي في سوريا ، وبناء علاقات داخلية سليمة بين الأحزاب الوطنية الكردية ، للقيام بالدور التاريخي الملقى على عاتقها ، في الدفاع عن مصالح الشعب الكردي وفي العمل مع القوى الوطنية والديمقراطية لمكونات الشعب السوري من اجل احداث التغيير الوطني الديمقراطي السلمي المتدرج في البلاد ، وايجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في سوريا كقضية وطنية والاعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي والغاء كافة السياسات والمشاريع العنصرية المطبقة بحقه من قبل النظام .“
هذه الجمل التي صبت صباً في هذه الفقرة تدل على ان هناك أكثر من طرف يمتلكون وجهات نظر مختلفة، حيث تم ادراج بعض الرؤى المختلفة بالتوافق في الاعلان، وإذا استطاعت اطراف الاعلان ان يستمروا معاً في هكذا تناقض في الرؤى، فانهم لا يستطيعوا الدفاع عنها مع قوى اعلان دمشق، فلا تستطيع الجبهة ان تدرج أو تدافع ما اتفق عليه المجلس السياسي في اعلان دمشق، ويبدو ان ما لم تستطع القوى الكردية ادراجه في وثيقة اعلان دمشق، قد ادرجوه في وثيقة المجلس السياسي، ولا يظهر من هذا الامر إلا أربعاً مع أرجحية البندين الأخيرين:
– إما التنصل رويداً رويداً من اعلان دمشق.
– وإما جر الاطراف الاخرى أيضاً رويداً رويداً الى اعلان دمشق.
– وإما الازدواجية في التعامل.
– وإما التضييق على قوى المجلس العام للتحالف أو الهروب من الهيئة العليا للجبهة والتحالف رغم الانسجام .
3 ـ المجلس السياسي ـ رغم عدم دقة التسمية ـ لا يرتقي الى مصاف التحالفات الموجودة، كونها لجنة لرؤساء بعض الفصائل الحزبية لمهام محددة سرعان ما تنفض عن بعضها بتنفيذها لتلك المهام أو بمجرد عدم القدرة على التوافق، وما يدل على ذلك هو الحفاظ على بقاء الأطر المتحالفة مثل الجبهة والتنسيق والهيئة العامة للتحالف.
4 ـ يرتابني شك في صدقية الحركة الحزبية كلما أتذكر الرؤية المشتركة للحل الديمقراطي للقضية الكردية وسرعة نسفها لصالح رؤية لجنة التنسيق، ألم تتفق الجبهة والتحالف بمجموع فصائلها السبعة بقناعة ؟ وأين هي تلك القناعة التي كان بمقدور لجنة التنسيق بفصائلها الثلاثة جرهم الى رؤية أخرى ؟ أليس هناك سر في ذلك ؟
5 ـ رغم وجود الرؤية المشتركة بين كافة الفصائل، وحسب ما جاء في وثيقة اعلان المجلس السياسي، يكون أولى مهامه العمل على تقريب وجهات النظر، هذا يعني ان وجهات النظر مختلفة ، وان تقريبها يستدعي تنازل بعض الفصائل عن بعض قناعاتهم ورؤاهم،فمن يكون ذلك الفصيل القابل للتنازل عن بعض من رؤاه ؟، وهل سيواصل المصفق من الفصيل المتنازل تصفيقه؟ .
06/01/2010