عام جديد بلا أفق

زيور العمر

ودعنا قبل أيام عام 2009 , من دون أن تحدث أية مفاجأت , بالرغم من إعتقاد البعض أن الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي لثماني أحزاب كردية , كان بمثابة حدثاً ساراً , أسدل الستار على عام , طغى عليه , شعور الجمهور الكردي بعدم الرضى و القبول , بسبب إستمرار الإخفاقات , و إنحدار المشهد السياسي الكردي , على خلفية الإرتباك الذي إنطوى عليها مواقف و سياسات و تحركات معظم الأحزاب الكردية.
لذلك , و من منطلق ترابط الحوادث و الظواهر السياسية , فإن من المتوقع أن تستمر الحالة السياسية الكردية , على ما هي عليها , من دون أن تلوح في الأفق , اي معطيات من الممكن أن تشير الى تغيرات متوقعة , بشأن التحديات التي قد تظهر , بسبب عزم و إصرار النظام القائم , على الإستمرار في نهجه العدائي بحق الشعب الكردي في سوريا , و إمكانية إصدار مراسيم , و إتخاذ خطوات إضافية , في سياق نهج العقاب الجماعي , الذي يسلكه النظام و أجهزته القمعية ضد الكرد , من دون أن تكون هنالك أية إمكانية , لمواجهتها , بالآدوات و الوسائل , الماثلة و القائمة الآن .

لذلك من المتوقع أن يكون المشهد الكردي , في عام 2010 , في الجملة السياسية في البلاد , مفعولا به , عبر تدخل عدة عوامل و أبعاد , في عملية تأزيم المشهد السياسي الكردي , سواءا ً تعلق الأمر بالنظام أو المعارضة أو حتى الأحزاب الكردية نفسها .
فالمجلس السياسي الذي أعلن في نهاية العام الماضي , من المتوقع أن يكون له الدور الأساسي , او لبعض أطرافه , في محاولات جر الشارع الكردي , الى الإنخراط في مناقشة مشروع المؤتمر الوطني أو المرجعية السياسية , و تسويق الأمر على أنه أمر حيوي و مصيري , الأمر الذي قد يثير دائرة التجاذب و التنافر بين الأحزاب الكردية , في إتجاه خلط الأوراق , من جديد , يؤدي في مرحلة معينة , الى تجاوز ما أتفق عليه ,  من أجل ترتيبات جديدة , ظهرت بوادرها في الربع الأخير من العام الماضي , عندما أصدرت أربعة أحزاب كردية , بيانات متتالية (آزادي , تقدمي , البارتي , الوحدة).

كل المعطيات تشير الى عدم إمكانية إستمرار المجلس الحالي , و لا إمكانية تحقيق المرجعية السياسية او المؤتمر الوطني .

و لكن ما هو متوقع أكثر هو أن تساهم هذه المحاولات , في إنشطار بعض الأحزاب , مثل يكيتي و آزادي أو زيادة الخلافات و الخصومات في أوساطهما أكثر , و كل ذلك في سياق الفرز الإفتراضي (الغير حقيقي) بين الأحزاب الكردية .

فمن المنتظر أن يقوم عبد الحميد درويش بدور أساسي في تأزيم الحالة الداخلية في الحزبين المذكورين آنفاً , من خلال عبد الحكيم بشار , سكرتير البارتي , من أجل دفع الأمور , في إتجاه تصفية العناصر و المجموعات (المتطرفة) فيهما .

لذلك لن يكون غريباً , إن جاء العام الحالي خالياً من أية تحركات جماهيرية نشطة , من قبل المجلس السياسي , و لعل إعتقال مجموعة من قيادة يكيتي , كان مؤشراً على الملامح الأساسية للعام الجديد في هذا الإتجاه .
أما فيما يتعلق بالنظام , فإنه مقدم لا محالة , على إتخاذ المزيد , من الخطوات القمعية و العدائية , و سيكون في سلم أولويات أجهزته الأمنية , تصفية العناصر (المشاغبة) في الأحزاب الكردية , و ملاحقة أعضاء و عناصر حزب الإتحاد الديمقراطي , الذي يشكل , اليوم , الخطر الأكبر , بسبب قاعدته الجماهيرية , و إنتظام و نشاط أفراده , لذلك من المتوقع أن تستمر الأحزاب الكردية في مقاطعتها لهذا الحزب , بذريعة أنه من أحد أجنحة حزب العمال الكردستاني .

و في إطار النهج الذي توضح العام الماضي , فإن النظام بصدد ممارسة المزيد من التضييق على المواطنين الكرد , من خلال إغراقه في هموم البحث عن لقمة العيش , و دفعه الى الهجرة الداخلية و الخارجية , و خلق أزمات إجتماعية و أخلاقية خطيرة  في بنية المجتمع الكردي في سوريا , بهدف الإبتعاد عن الشأن العام , و الهم القومي بصفة خاصة .
غياب الأفق في المشهد السياسي العام في البلاد , جراء سياسات الترهيب و التخويف من قبل النظام , و إستسلام القوى السياسية لنتائج و تداعيات ممارسات السلطة على المجتمع , في ظل غياب أي ضغوط دولية و إقليمية , سيكون السمة الأساسية للعام الحالي , في إنتظار مفاجئات , ليست غريبة على منطقتنا , المثخنة بالجراح و الأوجاع .

5/1/2010 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ، يقضي برفع…

عزالدين ملا بعد ما يقارب عقد ونصف من الحرب والتشظي والخذلان، وبعد أن استُنزفت الجغرافيا وتفتتت الروح، سقط بشار الأسد كأنّه خريفٌ تأخر كثيراً عن موعده، تاركاً وراءه بلاداً تبدو كأنها خرجت للتو من كابوس طويل، تحمل آثار القصف على جدرانها، وآثار الصمت على وجوه ناسها. لم يكن هذا الرحيل مجرّد انتقال في السلطة، بل لحظة نادرة في…

إبراهيم اليوسف ليس من اليسير فهم أولئك الذين اتخذوا من الولاء لأية سلطة قائمة مبدأً أسمى، يتبدل مع تبدل الرياح. لا تحكمهم قناعة فكرية، ولا تربطهم علاقة وجدانية بمنظومة قيم، بل يتكئون على سلطة ما، يستمدون منها شعورهم بالتفوق الزائف، ويتوسلون بها لإذلال المختلف، وتحصيل ما يتوهمونه امتيازاً أو مكانة. في لحظة ما، يبدون لك من أكثر الناس…

د. محمود عباس   في زمنٍ تشتد فيه الحاجة إلى الكلمة الحرة، والفكر المُلهم، نواجه ما يشبه الفقد الثقافي العميق، حين يغيب أحد الذين حملوا في يومٍ ما عبء الجمال والشعر، ومشقة النقد النزيه، إنها لحظة صامتة وموجعة، لا لأن أحدًا رحل بالجسد، بل لأن صوتًا كان يمكن له أن يثري حياتنا الفكرية انسحب إلى متاهات لا تشبهه. نخسر أحيانًا…