هل يجسد الأمين العام الواقع الرسمي العربي ؟

صلاح بدر الدين

    لم أصدق نظري مشهد السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية على شاشات التلفزة وحركات يديه العابثتين  بالمايكروفون وهزات رأسه والتفاتات عنقه المتواصلة وتقاسيم وجهه المتبدلة بين لحظة وأخرى وابتساماته الساخرة والكوميدية ومن على مقعده الملاصق لمكان المندوب الاسرائيلي والتي توجت بمغادرة المكان ومن ثم العودة  خلال القاء المندوبين كلمات حكوماتهم لقد كانت تصرفات غريبة حقا لا تتماشى مع التقاليد الدبلوماسية المعمولة بها في أعلى منبر دولي مما أثارت انتباه واستغراب المتابعين خاصة وأنه يحضر جلسة مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة بنيويورك باسم جميع الدول العربية المخصصة لمناقشة الأزمة اللبنانية مما يدفعنا كل ذلك الى طرح العديد من  التساؤلات  .

                قد يجوز أن مجمل تلك التصرفات تنم عن واقع حال رسمي عربي لايشجع كثيرا على التفاؤل بالمستقبل بسبب السياسات الخاطئة والتناقضات في المواقف وخروج البعض على ميثاق الجامعة وتعاون الآخرين مع قوى اقليمية مناهضة للمصالح العربية ومن جانب آخر وباعتبار وجود السيد موسى بمنصبه كأمين عام فهو جزء من الأزمة وشريك في قيامها واستفحالها وستبقى مسؤوليته مستمرة مهما حاول التنصل من المسؤولي ومخاطبة الفئات الشعبية والمثقفة أو التهرب والتلون والتصريح بمواقف راديكالية سرعان ما تتلاشى لدى أول لقاء رسمي  .
           قد يكون خروجه عن طوره في نيويورك ناجم عن اعتباره عضوا – عاديا – في الوفد العربي تحت امرة وزير خارجية تلك الدولة العظمى – قطر – الذي قيل – والعهدة على الراوي – أنه قطع اجازته الصيفية من على شواطىء – تل أبيب – والتحق بزملائه في بيروت ليترأس الوفد نكاية بآخرين .
           قد يعود – زعله – الى صعوبة الوضع وفقدان الموقف الواضح والتورط في اتخاذ سياسات مسبقة الى جانب – حزب الله – والسياسة السورية تفتقر الى الواقعية وتصطدم بمواقف دولية موحدة تجاه مغامرة الحزب ومسؤولية المحور السوري الايراني في نشوب الحرب اللبنانية  من وراء ظهر الحكومة الشرعية والقوى الوطنية اللبنانية .
            قد يكون خروجه على المألوف الدبلوماسي نابع من شعوره بأنه  -أهمل – من جانب أمين عام الأمم المتحدة ورؤساء وفود الدول الأعضاء في مجلس الأمن خاصة وأن الخطابات الراديكالية المزايدة التي ينشدها معاليه بعض الأحيان لاتجد لها سوقا في نيويورك وغيرها من المجتمعات الديموقراطية .
          منذ البداية وعندما تم الاعلان عن النقاط السبع جرت الامور في بيروت بصورة غير مفهومة فالنقاط بحد ذاتها لم تكن تحظى برضى حزب الله وخطابه الحربي ووعود أمين عامه بهزيمة العدو الاسرائيلي لأن تطبيقها بالكامل يعني اخلاء ساحة الجنوب لقوى الشرعية وتجريد الحزب من السلاح وهذا ما لايمكن قبوله بسهوله ثم جرى – تمرير – موافقة الحزب بعد التطورات العسكرية وخصوصا  في الجنوب وكانت وما زالت المشكلة البارزة في التحرك السياسي عجز الحكومة الشرعية وفقدانها للمبادرة تحت ظل ثقل الأحداث ومآسي الحرب وضغط النازحين وانتظار ما يجود به ويتكرم برسمه السيد الأمين العام في اطلالته السادسة ومن ثم السابعة ( وما بعد السابعة ), وهكذا تبقى التحركات السياسية الحكومية مشلولة تنتظر مبادرات الآخرين من حزب الله واسرائيل والمجتمع الدولي وما رشح عنها حتى الآن لايتعدى المجاملات وارضاء المحاربين والتعامل مع الأمر الواقع المتحرك والابقاء على القضايا عالقة بانتظار الفرج وكما يبدو فانه لن يأتي الا بعد الحسم العسكري على الأرض بعد اشتداد المواجهة التي قد تطال ساحات أخرى ومن الواضح أن السيد فؤاد السنيورة رئيس الحكومة وبحنكته ودهائه والمساندة التي يتلقاها من قوى الرابع عشر من آذار وخاصة من السيد سعد الحريري يدير الأزمة بهذه الطريقة الهادئة منذ بداية الأحداث ولاخيارات أخرى أمامه .
             الاجتماع الوزاري العربي في بيروت لم يخرج عن المألوف اللبناني السائد وباعتباره لم يحمل جديدا ولم يقدم مبادرة بديلة  أو برنامجا مستقلا للحل فقد كان أسهل الطرق هو الالتزام بما يريده – الأشقاء – اللبنانيون دون الدخول في تفاصيل ما تم وما سيتم بالمستقبل والكل متسلح بموقفين : واحد علني يجمع الكل عليه وهو مع لبنان الشقيق  وثاني غير معلن تجمع عليه الأغلبية الساحقة وهو تمني حصول الحسم العسكري اليوم قبل الغد ووضع حل نهائي للمشكلة اللبنانية وانهاء الوجود العسكري لحزب الله والحاق الهزيمة بالمحور السوري – الايراني .
           الأداء الدبلوماسي الدولي وخاصة من جانب الدول الأعضاء في مجلس الأمن يكاد يكون صورة عن الأداء العربي وذلك من جهة الازدواجية وانتظار النتائج العسكرية ورغبة الخلاص من المنظمات – الارهابية – حسب منظورها والتصدي لسياسة ومصالح المحور السوري – الايراني في لبنان والشرق الأوسط وكما هو واضح هناك اجماع دولي على تلك المبادىء والأهداف رغم تمايزات شكلية بعض الأحيان – فقدت بريقها الآن – بعد أن تحولت الى روتين ممل منذ الحرب على العراق تحاول فرنسا اظهارها لأسباب مصلحية صرفة .
           وهكذا نرى بوضوح عندما نسمي الأشياء بأسمائها دون مواربة ونشخص الحقائق كما هي أن هناك توافقا غير معلن بين معظم الأطراف : اللبنانية والعربية والدولية الفاعلة على الرؤا والتمنيات التالية :
            دعم انساني واقتصادي للبنان بعد وقف اطلاق النار والأعمال الحربية وتعزيز حكومته الشرعية وابعاده عن صراعات الآخرين وفك ارتباطه عن المسارات والاجندات السورية والايرانية وتطبيق القرار 1559 القاضي بتجريد حزب الله من سلاحه وتنفيذ اتفاقية الطائف وتحقيق السلام العادل بين لبنان وجيرانه بما فيها اسرائيل وترسيم حدوده الدولية وحمايتها عبر القوات الدولية وهذا ما تضمنه قرار مجلس الأمن الأخير 1701 واستئصال جذور الارهاب – الدولتي والمنظماتي والفئوي والأصولي – وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وانسحاب القوات الاسرائيلية الغازية والمحتلة من الاراضي اللبنانية وتحرير الجولان السوري المحتل وتثبيت السلام العربي الاسرائيلي العادل والشامل حسب قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي واستكمال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ومحاسبة الفاعلين وبينهم أعضاء القيادة السورية وتقديمهم للمحاكمة الدولية وكف يد النظام الايراني عن التدخل في شؤون العراق ولبنان وفلسطين ووقف برنامجه النووي العسكري وهذا وكما هو متوقع أن يتضمنه أو يشير اليه القرار اللاحق لمجلس الأمن في المرحلة الثانية والذي قد يكون ضمن اطار الفصل السابع .

ونضيف هنا أن الأغلبية وليس كلها – وكل حسب رؤيته – ترغب في شرق أوسط جديد تتمتع في ظله الشعوب بالحرية والديموقراطية والسلام والعيش الكريم بعد الخلاص من النظم الدكتاتورية والاستبدادية وتحقيق الاصلاحات الشاملة ووقف اسرائيل عند حدها بمواقف وضغوط عربية ودولية مشتركة ومنسقة وقبولها الحقوق الفلسطينية بما فيها حق تقرير المصير .
            فأين يقف معالي الأمين العام للجامعة العربية ازاء هذه المواقف ؟ وكيف سيحدد الموقف الرسمي العربي بكل تمايزاته ؟ وهل بامكانه التعبير عن ما يمثل بمعزل عن الانفعالات الشخصية أمام الكاميرات  ؟ اذا علمنا الأجوبة سنفهم ونتفهم أحاسيسه وسنقرأ العنوان الصحيح من وجهه دون عناء في كل مقام .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…