هل مواقف وتوجهات الحكومة التركية الحالية في صالح القضية الكردية . . ؟ !

بابليسوك حسين

يجب أن ندرك كبقية ـ خلق الله ـ أنَّ المصالح هي التي تتحكم بالسياسات الدولية ، وأنَّ التفكير خارج هذا المفهوم هو ضرب من السحر والشعوذة لاأكثر .

فالحقيقة الكردية موجودة ومتجذرة في الشرق الأوسط منذ فجر التاريخ وحتى يوم الخلق هذا ، وأنَّ تجاوز هذه الحقيقة من قبل القوى الدولية المسيطرة والمتحكمة انسياقاً مع موازينها ومعاييرها ،وتجزئة كردستان بين أربع دول ، تندرج ضمن هذا السياق.

وقد قدم الشعب الكردي في مسيرة نضالاته من أجل حقوقه المشروعة الكثير من الدموع والدماء .

ومع ذلك لم يتمكن من تحقيق ماكان يصبو إليه إلاَّ بعد أن قررت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوربيون جعلِ كردستان العراق ملجأً آمناً .
 ونتيجة حدوث تغيرات على الصعيد العالمي ، وفي وسائل المواصلات والإتصالات ، وفي مجال الأفكار والمفاهييم ، أشار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في عام  1999 م  ، إلى أنَّ العقد الأول من الألفية الثالثة ، سيكون عقد الأكراد بامتياز ، وكذلك إلتقاء الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما إبان زيارته الأولى لتركيا في الشهر الرابع من هذا العام مع رئيس حزب المجتمع الديمقراطي الكردي ، وكان لهذين الموقفين دلالاتهما العميقه ، على مجمل الأوضاع في تركيا ، وبعد ذلك كرَّت ” حبات مسبحة ” أردوغان وصنوه عبدالله غُل إزاء القضية الكردية في تركيا حبة بعد حبة .

فقد صرَّح الرئيس التركي أثناء زيارته لدمشق في يوم الإثنين 18 ـ 5 ـ  2009 م ، بأنَّ ” هناك استعدادات شاملة وجارية لحلِّ المسألة الكردية .

.

سموا ماشئتم هذه المسألة ، مسألة جنوب شرق تركيا ، أو المسسألة الكردية ، أو مسألة الإرهاب ، ولكن علينا حل هذه المسألة ، ويجب أن نجد عيوبنا ، ونسعى لإصلاحها .

” .

وبتاريخ 12 ـ 8 ـ 2009 م ، أكد أردوغان على برنامج حكومته بخصوص الإنفتاح الديمقراطي على المسألة الكردية في تركيا قائلاً : ” علينا أن نكوِّن ثقافة عامة مشتركة في تركيا ، تصبح رمزاً لجميع المكوِّنات التي تعيش في تركيا ، بغض النظر عن الانتماء العرقي ، ونحن عازمون على حلِّ المشكلة الكردية ” .
وبعد استلام أحمد داوود أوغلو حقيبة وزارة االخارجية ، طبَّق مقولته الشهيرة ” دعْ كلَّ الزهورِ تتفتح ” ، و ” إنَّ تركيا عليها أنْ تدشِّن سياسة خارجية جديدة تقوم على توفير استقرارٍ ليس فقط لنفسها ، لكن  لجيرانها أيضاً ” .

وبذلك فتح أردوغان أشرعته وفق الرياح الدولية على الصعيد الخارجي والداخلي ، وأعلن من دون مواربة الإعتراف بالهوية الكردية وثقافتها .

وقد ترك هذا التحول العميق على الصعيد التركي الداخلي ارتياحاً واضحاً لدى الإتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الأمريكية .
وقد أظهرحزب المجتمع الديمقراطي الكردي في تركيا إزاء هذه التحولات مواقف مدروسة وواعية، منذ البدايات ، غير أنَّه بدأ يتلكأ ويتعثر ،  ولم يستطع استغلال الفرصة ، ليمتطي الفرس التركي الجامح ، بهدف ترويضه ، وتثبيت وتعزيز توجهات حزب العدالة والتنمية ، واستقطاب االشارع الكردي حول مطاليبه القومية المشروعة ، وتطهير وعيه من لوثة  التبعية ، والغيبية ، والتواكلية .

ولكن بدلاً من ذلك انسابت التصريحات ، وهدرت المواقف بالتعاطف مع زعيم حزب العمالي الكردستاني {يجب ألاَّ يفهم أنَّ زعيم حزب العمال الكردستاني لايستحق الدفاع عنه ، والمطالبة بإخلاء سبيله بل على العكس ، كان من واجب الطرفين معرفة خصوصيات المرحلة ، وعدم الخلط ، ودفع الأمور نحو التأزيم} ، وتبني اقتراحاته وآرائه ، ناسين أو متناسين ، أنَّ مثلَ هذهِ المواقفَ ـ وهم مازالوا في بداية الطريق ـ تستفرغهم من القدرة على القيادة ، وتعدم لديهم مهارات كسب الشريك ، وخاصة ، المنفتحين منهم على القضية الكردية.


وفي تلك المساحة الرمادية التي كانت تتطلب تكثيف النضال السلمي الديمقراطي الواعي والمدروس ، بهدف ايجاد روافع وحوامل لتوسيع دائرة الضوء الكردية ، لتشمل ، وتتغلغل بين ثنايا الوعي التركي بأكمله .
غير أنَّ الرياح التركية جرت بما لم تشتهيها الدبلوماسية الكردية البائسة .

فبدا زعيم حزب العمال الكردستاني من سجنه في جزيرة إيمرالي يحلل الوقائع السياسية ، ويُنظِّر لها ، ويصدر الأوامر ، ويرسم الخطط ، ويوزع الإرشادات .

وترافقاً مع ذلك أثارت قيادة حزب العمال زوبعة حول ماسمي ” بخارطة الطريق ” لزعيم الحزب ، ولم تكتفي بذلك بل أصدرت أوامر بتصفية عدد من جنود الأتراك ، معتقدة أنَّ بضعة بنادق في جبالٍ عاصيةٍ ستصنعُ ثورةً ، وأنَّ إطلاقَ الشعاراتِ المتوهجةِ ستُطعِمُ أيتامَ الشهداءِ ، وأنَّ قتلَ جنديِّ هنا أو هناك سيحررُ كردستان .

حتى بات المراقب والمتتبع لمجرى المشهد الكرديِّ في تركيا مقتنعاً بتبعية حزب المجتمع الديمقراطي تبعية مطلقة ، وصورة منسوخة لحزب العمال الكردستاني ، وبدا وكأنَّه مقودٌ من جبل قنديل ، ومن السجن ، لاقائداً يقود شعباً يتجاوز عدده العشرين مليوناً.
وقد أعطت المواقف المتتابعة الصادرة عن الأطراف الكردية ، إشارات واضحة ، وكأنَّ قيادة حزب المجتمع لاحول لها ولاقوة في المعادلة السياسية ، وهو ماأعطى الأوساط الطورانية الذريعة لحلِّهِ ، وحظرِ نشاطاته .

وتوافقاً مع الموقف الجديد ، راح أردوغان ينحني للعاصفة فأرسل وزير داخليته إلى بغداد لمطالبة حكومتها بالتعاون لإنهاء وجود قوات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل العراقية ، وإغلاق معسكراتها ، وتسليم كوادرها إلى تركيا ، نزولاً عند رغبات العسكر ، والقوميين العنصريين ، بهدف تهدئة جموح ثائرتهم ، وامتصاص نقمتهم وغضبهم ، والإستمرار في الوقت نفسه على نهج حكومته الداعية إلى الإنفتاح على القضية الكردية ،  متجاوباً في ذلك مع المصالح الإستراتيجية التركية العليا .

وهذا مايجب أن يعلمه النخب الكردية المثقفة ، وخاصة أولئك المتأثرين بثقافة النظام في سوريا ، في كيل الإتهامات لأمريكا والصهيونية ، ناسين أننا مازلنا نجسِّدُ ونُمثِّلُ عصرَ ” الطوطمية ” بأجلى صورها.

     26 ـ 12 ـ 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي،…

د. محمود عباس   لا يزال بعض الكتّاب العنصريين، ولا سيما أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة، يتسكّعون في فضاءات بعض المواقع العربية، لا ليُغنوا النقاش ولا ليُثروا الحوار، بل ليُفسدوه بسموم مأجورة، تعيد إنتاج خطابٍ مريض يستهدف الكورد، هويتهم، وقضيتهم، بلهجةٍ مشبعة بروح بعثية أو طورانية حينًا، وبخطابٍ ديني شوفيني متكلّس حينًا آخر. هؤلاء لا يهاجمون فكرًا ولا يناقشون…

علي شمدين مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا. لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه…

.. المحامي عبدالرحمن محمد   إلى السيدة.. إلهام أحمد، مسؤول العلاقات الخارجية.. وإلى كل مسؤول وقيادي حزبي كوردي في المجلس الوطني الكوردي: يرجى عدم طرح وتداول المفاهيم والمصطلحات الخاطئة في الرؤية السياسية الكوردية المرتقبة، كونها لها نتائج سلبية كارثية وخطيرة على حق تقرير المصير للشعب الكوردي في المستقبل، وللأجيال القادمة. من الناحية القانونية والسياسية والحقوقية، حسب القانون الدولي وميثاق الأمم…