حزب العمال الكردستاني يخطف مبادرة أردوغان

مرشد اليوسف

السينيالات التي ظهرت هنا وهناك في تركيا طوال الشهور الأخيرة بشأن حل المشكلة الكردية (سواء من الجانب التركي المتمثل في حكومة حزب العدالة والتنمية أو الجانب الكردي المتمثل بحزب العمال الكردستاني ومؤيده حزب المجتمع الديمقراطي) ذرت الرماد في عيون السياسيين والمراقبين والمهتمين بالشأنين الكردي والتركي وحجبت  الرؤية عنهم وحجبت معها مجموعة من الحقائق والثوابت السياسية , وأنا هنا لا ألوم أحدا  لأنها بالفعل أعطت انطباعا أوليا بأن المشكلة الكردية  باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل أو في طريقها إلى الحل على أبعد تقدير, فالسيد أردوغان أذهلني وأذهل الجميع عندما أطلق بجرأة ووضوح صافرة السباق الماراثوني تجاه الحل من ديار بكر و أمام حشد كبير من المواطنين الأكراد وممثليهم السياسيين واعترف بوجود مشكلة كردية واعتبرها مشكلته الشخصية  وتعهد بحلها بأقصى سرعة ممكنة .
أعتقد أن دوافع أردوغان لحل المشكلة الكردية لم تخف على أحد وهي دوافع كثيرة منها ما يتعلق بالانتخابات (فمن يملك الورقة الكردية يملك الحكم في تركيا) , ومنها ما يتعلق بسياسة حزب العدالة والتنمية وسعيه للعب دور إقليمي كبير في المنطقة بعد خروج أمريكا من العراق, ومنها ما يتعلق بطموحاته الشخصية كزعيم لأكبر دولة في الشرق الأوسط ….الخ وهذه الدوافع كلها  مشروعة في السياسة .
 وسواء كان السيد أردوغان جادا في حل المشكلة الكردية  أو أنه كان يراوغ من أجل ضرب إسفين بين حزب العمال الكردستاني من جهة  وحزب المجتمع الديمقراطي والشعب الكردي من جهة أخرى فان حظ أردوغان  في النجاح كان ضئيلا في الحالتين!.


واذا انتقلنا الى التفاصيل فان الجانب التركي المتمثل في الجيش والأحزاب القومية والأحزاب العنصرية يعتبر أي اعتراف بحقوق الشعب الكردي أو حزب العمال الكردستاني كمخاطب أو ممثل للشعب الكردي خط أحمر وهذا ما شاهدناه على أرض الواقع, ورأينا كيف تصدى الجيش والقوميون الأتراك لمبادرة أردوغان .


 كما لم نجد في الأفق ما يشير على أي اختلال في العلاقة بين حزب العمال وحزب المجتمع الديمقراطي بل بالعكس أثبتت الأيام الأخيرة على وحدة الحال بين الحزبين وتطابق الأفكار بينهما.
 وما يؤخذ على حزب العمال باعتقادي هو أنه لم يتريث في موقفه من المبادرة  بل استعجل وكشف أوراقه  في الوقت الغير مناسب وكان عليه أن ينتظر حتى يكشف أردوعان عن كل أوراقه وملامح مبادرته و حتى تصل مبادرته إلى النهاية بل كان على الكردستاني أن يقدم الدعم والتأييد لخطوات أردوغان حتى لا يظهر بمظهر الطرف الذي يضع العصي في طريق الحل لأن أردوغان كان سيصل إلى الطريق المسدود لوحده لا محال لأن الأتراك بشكل عام يعتقدون بأن المشكلة القومية الكردية غير موجودة  أصلا , و إذا وجدت فإنها مشكلة كل الأتراك وليس من حق أي حكومة مهما كان شأنها التعاطي مع المشكلة دون موافقة الجهات الأخرى خاصة  الجيش والقوميين الأتراك …الخ 
وهنا لابد أن أشيد بمبادرة حزب العمال عندما أرسل مجموعة من أعضائه إلى داخل تركيا كتعبير رمزي لمؤازرة مبادرة أردوغان لكنه أفسد هذه الخطوة عندما ترك العنان لحزب المجتمع الديمقراطي والشعب الكردي  لاستقبال هؤلاء الأمر الذي أثار حفيظة القوميين الأتراك , وبدا  العمال الكردستاني كأنه كان بحاجة إلى دعاية إعلامية أكثر من حاجته إلى الحل  واستعجل أيضا  في تقديم خارطة الطريق وكان عليه أن يقدم خارطته للحل في الوقت المناسب وعندما يطلب منه ذلك.
ويؤسفني أن أقول أن حزب العمال الكردستاني خطف مبادرة أردوغان مجانا ودون مقابل وفوت الفرصة على نفسه نتيجة القراءة  السياسية والعسكرية المتسرعة وكان الإغلاق الذي طال حزب المجتمع الديمقراطي سيكون من نصيب حزب أردوغان, وتحمل العمال الكردستاني ونصيره حزب المجتمع الديمقراطي وزر فشل المبادرة بلا مقابل بل اتهما بفشلها.
أعتقد أن حزب العمال لم يكن جاهزا وفوجئ بمبادرة أردوغان وجانب الصواب عندما اعتقد بأن الحل جاء على طبق من ذهب وما عليه إلا أن يغرف منه .
و الحقيقة أن الظروف السياسية والعسكرية التي تحيط بالقضية في تركيا لم تصل بعد إلى درجة النضوج لأن ميزان الرعب بين الجهتين أي بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية لم يصل بعد إلى درجة الحل في الوقت الحاضر .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…