لا لتبديل وجهة مسار السجال في الحركة الكردية

صلاح بدرالدين

     تحتوي صفحات تاريخ الحركة التحررية الكردية محطات ووقائع مليئة بالعبر والدروس التي لم تتم الاستفادة منها على الوجه الأكمل ومن أهمها اجتياز مراحل المد والجزر والانكفاء والتقدم وتبدل الشعارات والمواقف السياسية حسب موازين القوى السائدة داخليا وفي المحيط وحدوث الكوارث بسبب الخلط بين الاسترتيجية والتكتيك والثوابت والممكنات وخسران الانجازات التي تحققت بفضل التضحيات الغالية نتيجة تبديل الأولويات ووضع المفيد مكان الأهم ولن يغيب من بال الوطنيين الكرد أبدا الحدث التاريخي الأبرز خلال بدايات تبلور الفكر القومي ومرحلة النشوء الجنيني للمنظمات الثقافية والسياسية التي كانت تحمل بذور الثورة والانتفاض ضد ظلم العثمانيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما نشب الخلاف بين تيارين رئيسيين في الحركة القومية الكردستانية حينذاك بزعامة كل من ” البدرخانيين ” و ” النهريين ” عرفا بكل من ” دعاة الاستقلال ” و ” الأوتونوميين ”
وقد اعتبر المؤرخون المتابعون من الكرد والأجانب المستكردين من خلال كتاباتهم أن ذلك الصراع لم يكن يقف على أرضية سليمة وسابق لأوانه ولم يكن يستحق المواجهة لأنه صرف الأنظار عن المهمة الأساسية وهي تعبئة وتنظيم الصف الكردي أولا ومن ثم وضع البرنامج وتحديد شكل الكفاح ووسائله المجدية بل ذهب البعض أكثر بالقول أن أسباب ودوافع الصراع الحقيقية كانت عائلية وذاتية وبحثا عن النفوذ وكانت نتائجه وخيمة على الشعب ومستقبل الحركة .
    مناسبة طرح هذا الموضوع تتصل بما يجري على ساحتنا الآن من محاولات خلط الأوراق والتهرب من الاستحقاقات فقد بات معروفا لدى كل وطني كردي أن المهمة الأساسية الأبرز  للمرحلة التي نعيشها الآن ونحاول اجتيازها هي التصدي بكل ما أوتينا من علم ومعرفة وخبرة وارادة للأزمة المتفاقمة التي يعانيها البناء الفوقي للحركة القومية الديموقراطية الكردية ونعني الحركة السياسية من أحزاب ومجموعات وفئات واعادة التوازن الى معادلة مختلة : وعي ثقافي شعبي سليم وارادة دفاعية سلمية صلبة وبنية تحتية عميقة الجذور وبناء فوقي آيل الى السقوط , لذلك وانطلاقا من هذه الرؤية الموضوعية للمشهد ولأولويات المهام المطلوبة قوميا ووطنيا شهد العام الجاري مراجعات  فكرية وثقافية واسعة ومناقشات حول العديد من المشاريع والمقترحات بعضها في سبيل اعادة الود المفقود والثقة بين الأحزاب والجماعات ووضع آليات تنسيقية بين الأطراف غلب عليه التكتيك وتحيين الفرص لأزاحة البعض للبعض الآخر وخلا من أية مراجعة بالعمق لأسباب الأزمة وطرق حلها وبعضها جاء من خارج الأطر الحزبية مثل مشروعنا ” وحدة الحركة الوطنية الكردية ” الذي تناولته خيرة نخبنا الثقافية والسياسية من النساء والرجال بالدراسة النقدية اتسم بالجدية والتناول الشامل لأسباب الأزمة والمشاركة العامة لكل أطراف ومكونات العمل الوطني الكردي من طبقات وفئات اجتماعية ومستقلين ومثقفين ومرأة وشباب اضافة الى الأحزاب وذلك عبر خطوات متتالية حتى الوصول الى المؤتمر العام بشرعية شعبية واقرار البرنامج القومي الوطني وبناء الأداة التنظيمية وتحديد وسائل النضال .
   لاحاجة الى القول أن أول المتضررين من استمرارية وتعميق النقاش الفكري والثقافي والسياسي في الوسط الكردي وصولا الى اعادة بناء حركة وطنية متسلحة بالبرنامج النضالي والقيادة الكفوءة والموقف السياسي السليم والمحاور الشرعي الواقف على أرضية صلبة هو سلطة الاستبداد والدائرين في فلكها لذلك ندعو الجميع الى الثبات حول المهمة الرئيسية التي أفرزتها المرحلة الراهنة في سياقها التاريخي وعدم الانجرار الى معارك جانبية خاسرة فالصراع الرئيسي في ساحتنا يتحدد الآن وفي المدى المنظور وحتى المتوسط باالحوار والمراجعة باالاختلاف في اطار الاتحاد المصيري ولايجوز تبديل مجرى السجال الصحي الدائر باختلاق خلافات جديدة واثارة مسائل أخرى في غير زمانها وسياقها مناقصات كانت أم مزايدات فحركتنا الآن بدون أداة سياسية مناسبة وقيادة واحدة حكيمة وتفتقر الى برنامج الحد الأدنى لذلك فهي ليست مستعدة ولا مؤهلة لطرح الحلول المصيرية مهما كانت عادلة ومشروعة خاصة وأن كل الجهود الجارية تهدف التوصل الى وحدة الحركة مبتغاها الرئيسي هو ايصال الحركة الى موقع تتمكن فيه قيادتها السياسية لطرح ماتراه مناسبا من حلول وصيغ توافقية كردية عربية بشأن القضية الكردية في سوريا في اطار مبدأ حق تقرير المصيروسوريا ديموقراطية موحدة.

 

   لسنا كشعب وكحركة بحاجة الى اثارة جدال عقيم جانبي حول مصطلحات وشعارات واعطاء الفرصة للسلطة وأعوانها للتشكيك في صدق نوايا شعبنا تجاه وحدة البلاد وسيادة الوطن والعلاقات الأخوية بين الكرد والعرب ولسنا بحاجة لأن يركب أمثال السيد حسن عبد العظيم موجة تخطئة الكرد وممارسة عملية الفرز الفوقي حسب معايير سلطة الاستبداد الشوفيني وتقسيم قيادات الأحزاب الكردية الى – سفساطين – صالح وطالح وتوزيع  صكوك الوطنية والاعتدال يمنة ويسرة هذا – العبد –  المأمور الذي لايسير الا في الخطوط المائلة مشهود له بمواجهة التيار الأكثر جذرية في – اعلان دمشق – بالنيابة والتحريض غير المباشر على اعتقالهم ومحاولاته الدؤوبة في مغازلة الاخوان المسلمين وحثهم على الخروج من المعارضة والتفاهم مع النظام وما رسائله الأخيرة للكرد التي نشكره عليها الا معلما جديدا يؤكد لحركتنا التقييم السابق لبعض متزعمي الأحزاب من حيث الدور والموقع واللون السياسي واشارة جديدة الى نوع الاصطفافات القادمة ولون الخارطة السياسية في الحركة الكردية حسب منظور سلطة الاستبداد الذي لايخلو من التهديد والوعيد على أية حال .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…