عارف جابو
أصدرت المحكمة الدستوية العليا في تركيا قرارها بمنع حزب المجتمع الديمقراطي، وجاء هذا القرار متوافقاً مع توقعات المراقبين الذين يعرفون هذه المحكمة وآليات اتخاذ قرارها وما يدور وراء كواليسها قبل إصدار أي من أحكامها.
الآن وبعد الحزب الكردي العلني الوحيد إلى أين تتجه بوصلة السياسة التركية، وكيف ستتعامل حكومة العدالة والتنمية مع نتائج هذا القرار والمأزق الذي سيواجهه أردوغان لمتابعة سياسته الانفتاحية على الأكرد؟
الآن وبعد الحزب الكردي العلني الوحيد إلى أين تتجه بوصلة السياسة التركية، وكيف ستتعامل حكومة العدالة والتنمية مع نتائج هذا القرار والمأزق الذي سيواجهه أردوغان لمتابعة سياسته الانفتاحية على الأكرد؟
الحظر سيزيد من شعبية الحزب
حزب المجتمع المدني هو الحزب الكردي العلني الخامس الذي تمنعه المحكمة الدستورية منذ عام 1993 بداية عودة الحياة السياسية إلى تركيا مع وصول الرئيس الراحل تورغوت أوزال إلى السلطة، بعد أعوام من الحكم العسكري للبلاد إثر انقلاب عام 1982 بقيادة الجنرال كنعان ايفرين، وإن كانت هناك قبل أوزال حكومات مدنية كواجهة للمؤسسة العسكرية التي كانت الحاكم الفعلي وصاحب القرار في تركيا.
قرار منع حزب المجتمع المدني لن يمر مرور الكرام دون عواقب ومضاعفات وآثار على المجتمع والمشهد السياسي وتوازناته في تركيا.
فهذا الحزب ليس حزباً صغيراً، وإنما حزب جماهيري له قاعدة شعبية عريضة بين الأكراد، وهو يحكم مائة بلدية في المناطق الكردية من بينها بلدية ديار بكر، كما وله كتلة برلمانية تضم واحداً وعشرين نائباً.
وأولى نتائج الحظر على الصعيد الجماهيري خروج الآلاف من أنصار الحزب في المدن الكردية وأنقرة وغيرها من المدن الأخرى ذات التجمعات الكردية إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية اشتبكوا فيها مع الشرطة التي حاولت تفريقهم واعتقلت العشرات منهم.
كما وأعلن رئيس الحزب أحمد ترك أن نواب الحزب سينسحبون من البرلمان ولن يشاركوا بعد اليوم في جلساته، وإذا ما استقال هؤلاء النواب فعلاً فسيؤدي ذلك إما إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة أو إجراء انتخابات جزئية في المناطق التي يمثلها النواب المستقيلون، وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج لصالح الحزب المحظور ومؤيديه، لأن قرار الحظر سيزيد من شعبية الحزب وممثليه الذين يبدو أنهم قد استعدوا لقرار الحظر بالتحضير للاعلان عن حزب جديد يخلف حزب المجتمع المدني باسم “حزب السلام والديمقراطية” ولكن بقيادة جديدة لأن قرار حظر حزب المجتمع المدني يشمل منع سبعة وثلاثين من قادته من ممارسة العمل السياسي لمدة خسمة أعوام، بالاضافة إلى مصادرة ممتلكاته.
كما سيكون لقرار الأمر بحل هذا الحزب تأثير على حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة رجب طيب أردوغان أيضاً، فهذا الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية يقوي المعسكر المناوئ لأردوغان وحزبه الاسلامي، أي معسكر العلمانيين الكماليين ومن وارئهم المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها الأمين والحامي لقيم الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك عام 1923.
فالكماليون مازالو يسيطرون على المؤسسة العسكرية والقضائية وخاصة المحكمة الدستورية التي تعتبر أحد معاقلهم التي مازالوا يحتفظون بها بعد انتزاع أردوغان وحزبه الاسلامي للبرلمان وللحكومة من الكماليين بالاضافة إلى رئاسة الجمهورية.
ضربة لجهود أردوغان وسياسته الانفتاحية
وحظر حزب المجتمع المدني يشكل ضربة لجهود أردوغان ومحاولاته الانفتاحية على الأكراد ومحاولة حل قضيتهم بالطرق السلمية، إذ أن الحزب المحظور كان يمنح أردوغان بعض القوة، فهو حزب جماهيري عريض ويمكن أن يمثل الجانب الكردي ويطبق ما يلتزم به إذا ما تم التوصل إلى اتفاق معه، كما أنه حزب سياسي يدعو أيضاً إلى الحوار والتعايش في تركيا وحل المشكلة الكردية سلمياً.
ولكن الآن وبعد حظر الحزب ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي وانسحاب نوابه من البرلمان بات أردوغان وحيداً بدون شريك في مواجهة المعارضة البرلمانية المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري وهو حزب كمالي بقيادة دانيز بايكال وحزب الحركة القومية اليمني المتطرف بقيادة داود باهجلي، هذا ناهيك عن الجيش الذي لا يرتاح أبداً إلى أردوغان وخططه السياسية ومساعيه المستمرة إلى الحد من سلطة الجيش ونفوذه السياسي، وكذلك المحكمة الدستورية التي استطاع أردوغان بصعوبة العام الماضي انقاذ رأس حزبه من سيفها والنجاة من قرارها بمنع حزبه بعد أن صوتت أغلبية بسيطة من أعضاء المحكمة ضد قرار حظر حزب العدالة والتنمية.
أردوغان كان سيلجأ إلى انتخابات مبكرة لو أنه متأكد من حصول حزبه على المزيد من مقاعد البرلمان أو الحفاظ على ما بحوزته الآن وعودة الأكراد إلى البرلمان على حساب خصومه من الكماليين والقوميين المتشددين، ولكن هذا الاحتمال غير وارد لأن قرار حظر حزب المجتمع المدني من المرجح انه سيزيد من شعبيته بين الأكراد على حساب حزب العدالة والتنمية وبالتالي فان الحزب الذي سيخلفه “حزب السلام والديمقراطية” سيفوز بمقاعد إضافية على حساب حزب أردوغان الذي له نحو سبعين نائب من أصول كردية، ولهذا فإنه أصبح الآن في موقف لا يحسد عليه.
فهو من جهة نال المزيد من سخط الكماليين والقوميين الأتراك المتشددين لسياسته الانفتاحية على الأكراد، ومن جهة أخرى لم ينل رضى الناخبين الأكراد لأن اجراءاته وانفتاحه عليهم وعلى قضيتهم لم تتجاوز الاجراءات التجميلية والكلام والوعود المعسولة دون أن تكون هناك ترجمة فعلية قوية لها على أرض الواقع، كما أنه لم يسحم خياره بكل شجاعة بعد للمضي قدماً وبخطوات ثابتة وكبيرة إلى الأمام في سياسته الانفتاحية على القضية الكردية ومحاولة حلها، رغم المساندة الداخلية الكردية لها والمطالبة بالمزيد من الانفتاح، إلى جانب الدعم والتأييد الخارجي ولا سيما من قبل الاتحاد الأوربي وأمريكا.
كما لا يستبعد أن يؤثر قرار حظر حزب المجتمع المدني على شعبية أرودغان وحزبه بين التجار والمؤسسات المالية التي تعتبر الداعم الفعلي والأقوى له حتى الآن، لأن القرار يمكن أن يؤثر على الاستقرار الأمني والسياسي الذي تحقق في السنوات الأخيرة ما يمكن أن ينعكس على القطاعين المالي والاقتصادي وزيادة أثر الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على البلاد، فلو كان أردوغان أكثر حزماً وشجاعة مع خصومه، وعدل قانون الأحزاب وبعض مواد الدستور إلى جانب زيادة نفوذه في المؤسسة القضائية ربما ما كان لمثل هذا القرار أن يصدر، وأمكن توفير كل عواقبه الاقتصادية والسياسية على البلاد ومستقبلها.
ولكن القرار صدر وانتهى وهو قطعي والآن على أردوغان وحكومته أن تواجه تبعات ونتائج ذلك والتصرف بحكمة للخروج من الأزمة التي سيواجهها لاحقا بأقل الخسائر.
الموقف الأوربي والأمريكي من الحظر
وإذا انتقلنا إلى الطرف الآخر من المشكلة ضحية القرار أي حزب المجتمع الديمقراطي، وتساءلنا عما إذا كان يتحمل ولوجزءاً بسيطاً من المسؤولية عن قرار الحظر وتبريره؛ نرى أن حزب المجتمع الديمقراطي لم يحسم خياراته تماماً والسير مع أردوغان في سياسته الانفتاحية رغم أييده له، فهو لم ينأى بنفسه عن حزب العمال الكردستاني بشكل واضح رغم قوله بأنه لا علاقة له به وأنه ليس ذراعه السياسي كما يتهمه البعض.
على العكس من ذلك نرى أن حزب المجتمع المدني احتفل بمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين نزلوا من الجبل وعادوا إلى تركيا وتنقل بهم بين بعض المدن الكردية واقام لهم حفلات استقبال جماهيرية ضخمة ما أحرج الحكومة التركية أمام المواطنين الأتراك وخصومها من المعارضة والمؤسسة العسكرية، كما أن الحزب كان يطالب باشراك حزب العمال الكردستاني أيضا في الحوار ودعوته إلى طاولة المفاوضات رغم معرفته بعدم إمكانية قبول الحكومة والرأي العام التركي بذلك إن لم يكن مستحيلاً، فهؤلاء ينظرون إلى حزب العمال الكردستاني “كمنظمة ارهابية”.
فكل هذا صب الماء في طاحونة المتربصين به وأعطى المبرر للمحكمة الدستورية وسهل عليها الأخذ بمطالبة النيابة العامة وإثيات ادعاءاتها لحظر الحزب ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي مدة خمس سنوات.
والتهمة التي وجهت لحزب المجتمع المدني هي نفس التهمة التي وجهت للأحزاب الكردية الأربعة التي سبق حظرها قبل الآن وهي تهمة الارتباط بحزب العمال الكردستاني وأنه الذراع السياسي له، وهذه التهمة جاهرة لاتهام أي حزب كردي يتمتع بقاعدة وتأييد جماهيري واسع مستقبلاً.
لذا فإن الحزب الجديد الذي سيخلف حزب المجتمع الديمقراطي سيواجه تحدياً كبيراً يتمثل في النأي بنفسه عن حزب العمال الكردستاني وزعيمه المعتقل عبد الله اوجلان وبالتالي عدم اعطاء المبرر لحظره أيضاً، وفي نفس الوقت عليه الحصول على تأييد مناصري حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الحزب الأكثر نفوذاً وتأييداً بين الأكراد في تركيا، وهو ليس بالتحدي البسيط إذ يحتاج إلى حنكة سياسية كبيرة وذكاء وخبرة لا بد ان تتمع بها القيادة الكردية الجديدة القادمة بعد منع زعيم حزب المجتمع المدني أحمد ترك، صاحب الحنكة والخبرة السياسية الطويلة، ورفاقه من ممارسة العمل السياسي.
بقي أن نشير إلى أن قرار الحظر لم يلقى الترحيب الخارجي حيث انتقده الاتحاد الأوربي ودعا تركيا إلى تعديل قانون الأحزاب بما يتفق مع القوانين والمعايير الأوربية، ولا شك أن هذا القرار سينعكس على علاقة تركيا مع الاتحاد الأوربي ومساعيها للحصول على عضوية النادي الأوربي.
كذلك انتقدت الخارجية الأمريكية القرار وحذرت من عواقبه وتأثيره على الاستقرار السياسي في تركيا.
حزب المجتمع المدني هو الحزب الكردي العلني الخامس الذي تمنعه المحكمة الدستورية منذ عام 1993 بداية عودة الحياة السياسية إلى تركيا مع وصول الرئيس الراحل تورغوت أوزال إلى السلطة، بعد أعوام من الحكم العسكري للبلاد إثر انقلاب عام 1982 بقيادة الجنرال كنعان ايفرين، وإن كانت هناك قبل أوزال حكومات مدنية كواجهة للمؤسسة العسكرية التي كانت الحاكم الفعلي وصاحب القرار في تركيا.
قرار منع حزب المجتمع المدني لن يمر مرور الكرام دون عواقب ومضاعفات وآثار على المجتمع والمشهد السياسي وتوازناته في تركيا.
فهذا الحزب ليس حزباً صغيراً، وإنما حزب جماهيري له قاعدة شعبية عريضة بين الأكراد، وهو يحكم مائة بلدية في المناطق الكردية من بينها بلدية ديار بكر، كما وله كتلة برلمانية تضم واحداً وعشرين نائباً.
وأولى نتائج الحظر على الصعيد الجماهيري خروج الآلاف من أنصار الحزب في المدن الكردية وأنقرة وغيرها من المدن الأخرى ذات التجمعات الكردية إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية اشتبكوا فيها مع الشرطة التي حاولت تفريقهم واعتقلت العشرات منهم.
كما وأعلن رئيس الحزب أحمد ترك أن نواب الحزب سينسحبون من البرلمان ولن يشاركوا بعد اليوم في جلساته، وإذا ما استقال هؤلاء النواب فعلاً فسيؤدي ذلك إما إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة أو إجراء انتخابات جزئية في المناطق التي يمثلها النواب المستقيلون، وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج لصالح الحزب المحظور ومؤيديه، لأن قرار الحظر سيزيد من شعبية الحزب وممثليه الذين يبدو أنهم قد استعدوا لقرار الحظر بالتحضير للاعلان عن حزب جديد يخلف حزب المجتمع المدني باسم “حزب السلام والديمقراطية” ولكن بقيادة جديدة لأن قرار حظر حزب المجتمع المدني يشمل منع سبعة وثلاثين من قادته من ممارسة العمل السياسي لمدة خسمة أعوام، بالاضافة إلى مصادرة ممتلكاته.
كما سيكون لقرار الأمر بحل هذا الحزب تأثير على حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة رجب طيب أردوغان أيضاً، فهذا الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية يقوي المعسكر المناوئ لأردوغان وحزبه الاسلامي، أي معسكر العلمانيين الكماليين ومن وارئهم المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها الأمين والحامي لقيم الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك عام 1923.
فالكماليون مازالو يسيطرون على المؤسسة العسكرية والقضائية وخاصة المحكمة الدستورية التي تعتبر أحد معاقلهم التي مازالوا يحتفظون بها بعد انتزاع أردوغان وحزبه الاسلامي للبرلمان وللحكومة من الكماليين بالاضافة إلى رئاسة الجمهورية.
ضربة لجهود أردوغان وسياسته الانفتاحية
وحظر حزب المجتمع المدني يشكل ضربة لجهود أردوغان ومحاولاته الانفتاحية على الأكراد ومحاولة حل قضيتهم بالطرق السلمية، إذ أن الحزب المحظور كان يمنح أردوغان بعض القوة، فهو حزب جماهيري عريض ويمكن أن يمثل الجانب الكردي ويطبق ما يلتزم به إذا ما تم التوصل إلى اتفاق معه، كما أنه حزب سياسي يدعو أيضاً إلى الحوار والتعايش في تركيا وحل المشكلة الكردية سلمياً.
ولكن الآن وبعد حظر الحزب ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي وانسحاب نوابه من البرلمان بات أردوغان وحيداً بدون شريك في مواجهة المعارضة البرلمانية المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري وهو حزب كمالي بقيادة دانيز بايكال وحزب الحركة القومية اليمني المتطرف بقيادة داود باهجلي، هذا ناهيك عن الجيش الذي لا يرتاح أبداً إلى أردوغان وخططه السياسية ومساعيه المستمرة إلى الحد من سلطة الجيش ونفوذه السياسي، وكذلك المحكمة الدستورية التي استطاع أردوغان بصعوبة العام الماضي انقاذ رأس حزبه من سيفها والنجاة من قرارها بمنع حزبه بعد أن صوتت أغلبية بسيطة من أعضاء المحكمة ضد قرار حظر حزب العدالة والتنمية.
أردوغان كان سيلجأ إلى انتخابات مبكرة لو أنه متأكد من حصول حزبه على المزيد من مقاعد البرلمان أو الحفاظ على ما بحوزته الآن وعودة الأكراد إلى البرلمان على حساب خصومه من الكماليين والقوميين المتشددين، ولكن هذا الاحتمال غير وارد لأن قرار حظر حزب المجتمع المدني من المرجح انه سيزيد من شعبيته بين الأكراد على حساب حزب العدالة والتنمية وبالتالي فان الحزب الذي سيخلفه “حزب السلام والديمقراطية” سيفوز بمقاعد إضافية على حساب حزب أردوغان الذي له نحو سبعين نائب من أصول كردية، ولهذا فإنه أصبح الآن في موقف لا يحسد عليه.
فهو من جهة نال المزيد من سخط الكماليين والقوميين الأتراك المتشددين لسياسته الانفتاحية على الأكراد، ومن جهة أخرى لم ينل رضى الناخبين الأكراد لأن اجراءاته وانفتاحه عليهم وعلى قضيتهم لم تتجاوز الاجراءات التجميلية والكلام والوعود المعسولة دون أن تكون هناك ترجمة فعلية قوية لها على أرض الواقع، كما أنه لم يسحم خياره بكل شجاعة بعد للمضي قدماً وبخطوات ثابتة وكبيرة إلى الأمام في سياسته الانفتاحية على القضية الكردية ومحاولة حلها، رغم المساندة الداخلية الكردية لها والمطالبة بالمزيد من الانفتاح، إلى جانب الدعم والتأييد الخارجي ولا سيما من قبل الاتحاد الأوربي وأمريكا.
كما لا يستبعد أن يؤثر قرار حظر حزب المجتمع المدني على شعبية أرودغان وحزبه بين التجار والمؤسسات المالية التي تعتبر الداعم الفعلي والأقوى له حتى الآن، لأن القرار يمكن أن يؤثر على الاستقرار الأمني والسياسي الذي تحقق في السنوات الأخيرة ما يمكن أن ينعكس على القطاعين المالي والاقتصادي وزيادة أثر الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على البلاد، فلو كان أردوغان أكثر حزماً وشجاعة مع خصومه، وعدل قانون الأحزاب وبعض مواد الدستور إلى جانب زيادة نفوذه في المؤسسة القضائية ربما ما كان لمثل هذا القرار أن يصدر، وأمكن توفير كل عواقبه الاقتصادية والسياسية على البلاد ومستقبلها.
ولكن القرار صدر وانتهى وهو قطعي والآن على أردوغان وحكومته أن تواجه تبعات ونتائج ذلك والتصرف بحكمة للخروج من الأزمة التي سيواجهها لاحقا بأقل الخسائر.
الموقف الأوربي والأمريكي من الحظر
وإذا انتقلنا إلى الطرف الآخر من المشكلة ضحية القرار أي حزب المجتمع الديمقراطي، وتساءلنا عما إذا كان يتحمل ولوجزءاً بسيطاً من المسؤولية عن قرار الحظر وتبريره؛ نرى أن حزب المجتمع الديمقراطي لم يحسم خياراته تماماً والسير مع أردوغان في سياسته الانفتاحية رغم أييده له، فهو لم ينأى بنفسه عن حزب العمال الكردستاني بشكل واضح رغم قوله بأنه لا علاقة له به وأنه ليس ذراعه السياسي كما يتهمه البعض.
على العكس من ذلك نرى أن حزب المجتمع المدني احتفل بمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين نزلوا من الجبل وعادوا إلى تركيا وتنقل بهم بين بعض المدن الكردية واقام لهم حفلات استقبال جماهيرية ضخمة ما أحرج الحكومة التركية أمام المواطنين الأتراك وخصومها من المعارضة والمؤسسة العسكرية، كما أن الحزب كان يطالب باشراك حزب العمال الكردستاني أيضا في الحوار ودعوته إلى طاولة المفاوضات رغم معرفته بعدم إمكانية قبول الحكومة والرأي العام التركي بذلك إن لم يكن مستحيلاً، فهؤلاء ينظرون إلى حزب العمال الكردستاني “كمنظمة ارهابية”.
فكل هذا صب الماء في طاحونة المتربصين به وأعطى المبرر للمحكمة الدستورية وسهل عليها الأخذ بمطالبة النيابة العامة وإثيات ادعاءاتها لحظر الحزب ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي مدة خمس سنوات.
والتهمة التي وجهت لحزب المجتمع المدني هي نفس التهمة التي وجهت للأحزاب الكردية الأربعة التي سبق حظرها قبل الآن وهي تهمة الارتباط بحزب العمال الكردستاني وأنه الذراع السياسي له، وهذه التهمة جاهرة لاتهام أي حزب كردي يتمتع بقاعدة وتأييد جماهيري واسع مستقبلاً.
لذا فإن الحزب الجديد الذي سيخلف حزب المجتمع الديمقراطي سيواجه تحدياً كبيراً يتمثل في النأي بنفسه عن حزب العمال الكردستاني وزعيمه المعتقل عبد الله اوجلان وبالتالي عدم اعطاء المبرر لحظره أيضاً، وفي نفس الوقت عليه الحصول على تأييد مناصري حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الحزب الأكثر نفوذاً وتأييداً بين الأكراد في تركيا، وهو ليس بالتحدي البسيط إذ يحتاج إلى حنكة سياسية كبيرة وذكاء وخبرة لا بد ان تتمع بها القيادة الكردية الجديدة القادمة بعد منع زعيم حزب المجتمع المدني أحمد ترك، صاحب الحنكة والخبرة السياسية الطويلة، ورفاقه من ممارسة العمل السياسي.
بقي أن نشير إلى أن قرار الحظر لم يلقى الترحيب الخارجي حيث انتقده الاتحاد الأوربي ودعا تركيا إلى تعديل قانون الأحزاب بما يتفق مع القوانين والمعايير الأوربية، ولا شك أن هذا القرار سينعكس على علاقة تركيا مع الاتحاد الأوربي ومساعيها للحصول على عضوية النادي الأوربي.
كذلك انتقدت الخارجية الأمريكية القرار وحذرت من عواقبه وتأثيره على الاستقرار السياسي في تركيا.
ولكن كيف وإلى أي مدى سينعكس هذا الحكم الذي يعتبر سياسياً أكثر منه قضائياً على الاستقرار السياسي في تركيا وعلى مستقبل سياسة أردوغان الانفتاحية وخطواته القادمة لحل المشكلة الكردية سلمياً، هذا ما علينا الانتظار لمعرفته.