مؤتمر يكيتي

زيور العمر

تسابق حزب يكيتي الكردي في سوريا مع الزمن , حتى ينشر البيان الختامي للمؤتمر السادس في إسرع وقت ممكن , و السبب في ذلك هو التغطية على الفشل الذي إنتهى إليه المؤتمر من جهة , و سد الطريق أمام محاولة إقرار توصيات مهمة و تاريخية طرحت من أغلبية أعضاء المؤتمر من جهة أخرى.

فالمؤتمر الذي لم يدم أكثر من أربع و عشرين ساعة , خلافاً للمؤتمر السابق الذي دام ثلاث أيام , إنتهى من دون إنتخاب لجنة سياسية كما كان مقرراً , أو كما هي العادة في المؤتمرات الإعتيادية للأحزاب السياسية , بسبب عدم ترشح أغلبية أعضاء اللجنة السياسية , إعتراضاً على إقرار تسمية الحزب بالكردستاني, و الحكم الذاتي كحل سياسي للقضية الكردية في سوريا , اللذين حسمتهما أصوات اكثر من ثلثي أعضاء المؤتمر.
 وبعد أن فشلت محاولات تقريب وجهات النظر بين المجموعة التي قادها حسن صالح , المدافعة عن الكردستاني و الحكم الذاتي, و المجموعة التي إعترضت على هذه القرارات و قادها فؤاد عليكو و من خلفه أغلبية أعضاء اللجنة السياسية, انتهى المؤتمر من دون إنهاء جدول أعماله , بعد أن عبر فؤاد و مجموعته عن عدم إمكانية العمل تحت سقف التغيير الذي حصل , و تعهد الطرف الأخر لرفاقه بعدم التراجع عن ما تم أقراره.

و بعد أن تبين أن الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما: المضي في الطرح الجديد حتى لو كلف ذلك الحزب وحدته , و إما وحدة الحزب مقابل التضحية بالقررات الجديدة , عقد إجتماع أخر بحضور أغلب أعضاء اللجنة السياسية , في يوم الثلاثاء, أسفر عن توافق لصالح وحدة الحزب , يقوم على إلغاء القرارات التي أعتمدت في المؤتمر , بعد أن تم الإتفاق على الحكم الذاتي , وعدم  تغيير إسم الحزب من يكيتي الكردي الى يكيتي الكردستاني.
لا شك أن أموراً غريبة حدثت في المؤتمر السادس لحزب يكيتي يستدعي التأمل فيها, و التوقف عند النتائج و التداعيات التي ستسفر عنها , فيما يتعلق بنهج الحزب و مواقف قيادته في المرحلة المقبلة.

ففي الوقت الذي يفترض فيه الإلتزام بقرارات أعلى سلطة حزبية , جرت العادة في حزب يكيتي , كما في باقي الأحزاب الكردية الأخرى , أن تبادر قيادة الحزب في أول ظهور لها الى نقض قرارات مؤتمرها و ضربها عرض الحائط .

فقد تم إقرار الكردستاني في إسم الحزب من قبل 80 عضو في المؤتمر الذي حضره 97 مشاركا ًفقط , و مع ذلك تم إلغاءه , و هو ما يدعونا الى التساؤل عن جدوى عقد المؤتمرات الحزبية, و أهميتها في مراجعة السياسات و المواقف و إتخاذ قرارات و توصيات جديدة على ضوء المتغيرات و المستجدات الحاصلة , فضلاً عن مصداقية و مبدئية أعضاء حزبيين في القيادة و القاعدة , هم اول من يشعلون الحرائق و اول من يطفئونها.
الأمر الثاني الذي يدعونا الى التأمل في ما حصل في المؤتمر و ما بعده , هو التوافق الذي أضحى هدفاً في سلوك قيادة يكيتي , بدلاً ان يكون وسيلة, وأحدى ركائز إستمرار الحزب بوظيفته , وهو عادة ما نشهده في يكيتي عندما يتعرض الحزب الى عملية إبتزاز و تهديد من قبل بعض أعضاءه  بحق أخرين.

لا شك أن التغير الذي حصل في موقف حسن صالح و مجموعة من حوله, لم يأت من فراغ , و إنما سببه وسائل التحذير والترهيب التي واجهه في إجتماع الثلاثاء , من قبيل أن الحزب من شأنه أن يواجه عملية تصفية شاملة على يد الأجهزة الأمنية في حال تم تثبيت القرارات التي أعتمدت في المؤتمر , و عدم إمكانية الحزب على مواجهة هذه الحملة في حال حصولها , و أن أصحابها لا بد  أن يتحملوا مسؤولية عوائل و ذوي من طالبوا بإعتماد هذه القرارات.

 
الأمر الثالث هو غياب المشاريع السياسية عن مجمل موائد الحوار و التقاش , و إعتماد الصخب في مهرجان الشعارات , وهو ما حذرنا في السابق منه , على إعتبار أن الشعارت تعكس مطالب آنية في حين أن المشاريع السياسية تنطوي على آفق سياسي و إستراتيجي طويل الآمد.

و مع أن الشعارات الحالية لا تهدف إلى  المطالب الأنية أيضاً , فهدا يعني , طالما أن أصحابها سرعان ما يتراجعون عنها , أن هؤلاء يرفعون تلك الشعارات من أجل تصفية حسابات مع رفاق أخرين لهم , و ليس من منطلق مبدئي و أخلاقي أو حتى وطني.
كما أن ما جرى من مساومات في يوم الثلاثاء يعني أن الحزب حسم أمره , و أن قيادته قررت الإنخراط , أو بالأحرى الإستسلام للأمر الواقع , القمعي و الإستبدادي من قبل النظام بحق الشعب الكردي , و بالتالي مسايرة المشروع التصفوي الذي يهيمن على المشهد السياسي الكردي , و إلا ما معنى الإلتزام بمساعي إنجاح مشروع المجلس السياسي على سبيل المثال كما جاء في بيان المؤتمر , بالرغم من موته عملياً.
ما حدث في المؤتمر السادس ليكيتي من خلافات و مشاحنات, أدت الى إنهاء المؤتمر من دون إتمام جدول أعماله و إنتخاب قيادة جديدة , وما تبعه من مساومات بين طرفي الصراع في إجتماع الثلاثاء , على حساب ما كانت تطمح إليه قاعدة وجماهير يكيتي , دليل اخر على إستحالة خلق حالة نضالية من رحم التنظيمات الكردية الحالية , بل أن إستمرار المراهنة عليها , من شأنها أن تغرقنا في مزيد من اليأس و فقدان الأمل في المستقبل.


9/12/2009
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…