عبد الرحمن آلوجي
“محاورة الفكر و الرأي الآخر”
“محاورة الفكر و الرأي الآخر”
في مجمل التوجهات والدراسات والأبحاث والنشاطات القومية في سوريا والحراك السياسي , تتركز الأمور حول محورين أساسيين : 1- محور الداخل الكوردي وما يستوجبه من لم الشمل , وجمع الكلمة وتوحيد الخطاب – برفض واقع التشتت وظواهره الخطيرة , وإعادة صياغة وترتيب البيت الكوردي – من خلال تشكيل قوة ضاغطة تضع الحركة والنخبة أمام خيار استراتيجي , لا بد من ترتيب معالمه , والتأسيس لحالة الحد المطلوب والملح في إعادة الثقة إلى الصف الكوردي الشتيت والممزق , والداخل في خانة التمحور حول الذات الحزبية , واجترار الرؤية الذاتية القاصرة , والولوج إلى دوامة صراع لم يعد مجديا ولا مقبولا
مع تفاقم حالة تضخم الذات والانكفاء – في تراجع مبين – حول الهموم والطموحات القيادية الفردية , وانهياراتها , بحكم التقوقع وادعاء العظمة الموهومة , والرؤى المجنحة المتماهية حول ” أنوات فضفاضة ” إن صح التعبير, مما يعجل بضرورة معالجة هذه الظاهرة المتفشية , مع ما يرافقها من حالة التبجح وادعاء اتساع الأفق واتهام الآخرين بالقصور , والفردية الآسرة , والمحكومة بعلات الوسط والجوار الإقليمي , الذي يعزز مفهوم الفردية والقائد المحور , والتبعية , ومفهوم الغوغائية والطوباوية البائسة , وما يتبع ذلك من تستر وراء الألقاب والمحاور واصطناع الأطر غير الفاعلة , سترا للنواقص والعيوب , وإخفاء للحالة الميدانية المزرية والتراجع التنظيمي والعزلة الأشد في حال البقاء في دائرة الوهم , وعدم الخروج إلى فضاء المكاشفة والشفافية والمصارحة , والبدء بعمل ميداني جاد يحقق الحد اللازم للتوافق من أجل معالجة التردي الحاصل والتراجع القائم , وهو ما ركزنا عليه , واهتمت به مختلف الدراسات المنشورة والمنتشرة في الصحافة المقروءة والالكترونية , وما حرضت عليه الأقلام الجادة والملتزمة , وما نريد التأكيد على ضرورة أن يكون ذلك مقدمة للمحور الثاني , والذي يشكل مفصلا أساسيا للنضال .
2- المحور الثاني ( محور الرأي الآخر ): أو الفكر الآخر , والذي يتجلى في مخاطبة عقول وأفهام الآخرين , إذ أننا نعيش في محيط محلي وإقليمي ودولي , واقعا ومواكبة وتطورات لاحقة ومتواصلة , هذا الواقع الذي ينبغي أن نحسن رصده وفهمه , كما ينبغي أن يفهمنا , ويدرك همومنا وطموحاتنا وتطلعاتنا ككتلة بشرية واضحة الحضور , ويتفهم قيمنا ومثلنا العليا , وما نريده منهم , وما نلقاه من عنت ومعاناة , وما ينبغي أن تكون حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ضوء ممارسات تعاندها , وتبعدها عن قيم المواطنة الحقة واستحقاقاتها الدستورية , وأسس وقواعد العدل والمساواة ورفض كل قيم ومعايير التمييز والإذلال والاستعلاء ونبذ الآخرين , مقابل ما هو كائن من سماحة ويسر القوانين والنظم الوضعية والقيم السماوية وشرائعها , وما نطمح إليه من وضع إنساني مشروع لا يمكن أن يتحقق , ما لم يدرك الآخرون نداءاتنا , ويصغوا إلى أصواتنا , ويقفوا على الاغتراب الذي نعيشه مع الدعوة إلى الحوار والتفاهم ومناقشة ما نذهب إليه وما ندعيه , وما نقدمه من أدلة ووقائع حية على مستوى رفيع من الطرح أفرادا : كتابا وباحثين ونشطاء , وهيئات حقوقية ومدنية , وأطرافا سياسية , تتعاور في الدعوة إلى التأكيد على منطق المساواة والعدل والإخاء بين مكونات المنطقة وشعوبها الأساسية كردا وعربا وفرسا وتركا وأفغانا وأمازيغ , مما لا يمكن بحال من الأحوال تجاوز وجودها ودورها التاريخي والكفاحي والحضاري , كما يمكن لقيم الرفض والتجاهل ومحاولات السحق والتذويب والاستعلاء القومي أن تجد سبيلها إلى النجاعة والقبول أولا , ولا إلى منطق الواقع والتاريخ الإنساني ثانيا , ولا إلى إذعان أي شعب – مهما بلغت محنته – لمثل هذا الرفض والإنكار ثالثا , بالإضافة إلى ما بين أيدينا من تجارب مريرة في عهود التتريك التاريخية القريبة في الولايات العثمانية , ومحاولات النظام العراقي في إقليم كردستان , وما كان لسياسة الأرض المحروقة في الجزائر على يد الجنرال الفرنسي ” بوجو ” وفي أقاليم الباسك والبلقان والجبل الأسود ودارفور من مجازر وانتهاكات للقانون الدولي ومحاولات الإبادة الجماعية التي ارتدت على الجلادين , وبقيت الشعوب قائمة تشمخ بحرياتها وكرامتها ووجودها الحي والمتحرك والذي يزداد قوة وحضورا , وتعلو بقاماتها السامقة على كل أسلحة وقوى الفناء والتدمير , مما يقرب إلى الأذهان النيرة والعقول التي تتلقى عبر التاريخ وتؤمن بدروسه , وترقى إلى فهم وقائعه ألا تخرج رؤوسها من التاريخ , وألا تغتر بما تملك من حريات وقوى وإمكانات لتسخرها في غير إرادة الحياة والكرامة للآخرين, وكان إلى عهد قريب ولا يزال من أشد منها قوة وبأسا , وقد غبر مثلها على مدى الدهور من عمر الأرض جناتا , وفجروا عيونا فغبروا ونسيهم التاريخ, كأن لم يغنوا بالأمس , وهو مما يشكل محورا أساسيا لخطاب الخارج , وضرورة التلاقي الإنساني , والتواصل الوجداني مع محنة الآخرين وعذابهم وقهرهم وإذلال كرامتهم وتجويعهم , وممارسة الاستثناء بحقهم , وجعلهم في دائرة الاتهام والتخوين من غير جرائر سوى حس وطني رفيع , وشعور يقظ بكل واجب , واندفاع غير منظور في الملمات والمحن كما هو تاريخ الكورد العريق , هذا الخطاب الواضح من أكبر تطلعاتنا ومهامنا , وأسس فكرنا الاستراتيجي الداعي إلى ضرورة إقناع الآخرين , ومخاطبة عقولهم وضمائرهم بما هو كائن حقا , ونقل تصورنا الحي دون مواربة أو مداورة أو لف وتزويق , أو حذر إلا من مراقبة لضمائرنا ,و واجب إخراج القضية الكوردية من حالة الجدر المغلقة , وفتح منافذ البصر والبصيرة على حقها العادل , وهو محور أساسي من محاورنا النضالية التي نساهم فيها , ونسعى بكل ما أوتينا من قوة الإقناع أن نجعلها نصب أعينا ,حوارا جادا آنيا ومستقبلا , ودون هوادة حتى يتبين الحق , وتتيقظ الضمائر , ويدرك الآخرون أننا نؤمن بالحياة الحرة لأنفسنا وللناس جميعا , لنجعل من الخير خيرا لنا وللآخرين , ونتجنب الوقوع في مثالب الظلم والإثم والخطيئة للآخرين , حينما نكرهها لأنفسنا , فندرك بشاعة الإبادة والتذويب والتهجير والتعذيب إذا كرهناها لأنفسنا , فيما يمكن أن يكون الميزان سليما والموزون في إطار مكيال واحد لا أكثر , ولا أبعد عن القسطاس المستقيم .