شهاب عبدكي
المواجهة التي تمت بين الحكيم ايبور والملك المصري الفرعوني بيبي الثاني كانت من المواجهات التاريخية التي ساهمت في بناء النقد للحكام حيث دخل الحكيم أيبور إلى مجلس فرعون وقال له (( انظر كل شخص يطعن الآخر وهذا يعني انك سعيت إلى ذلك وإنك كنت كاذباً، تتجمع فيك السلطة وشدة الإحساس والعدل ولكن لا تنشر غير الفوضى )) هذا الأسلوب من النقد كان موجوداً في نطاق ضيق في مصر القديمة حيث ساهمت في حث الملوك على عمل الخير و البحث عن الازدهار من خلال جملة من الأعمال يشهد التاريخ على عظمتها، وكان عرف مصر القديمة يحث الفراعنة على ممارسة الحكم ضمن ضوابط محددة يكون مصلحة المواطن المصري هو محورها الأساسي ،
كما أن تاريخ مصر يحدثنا عن معارضة فلاحية قوية لفرعون مصر وقد تجلى ذلك في بردية الفلاح خوناخوب فيقول (( أليس الفرعون أب اليتيم وزوج الأرملة وثوب الذي لا غطاء له …..
أين سيد هذه البلاد هل هو غائب هل هو نائم أم أنه لص يسرق مع باقي اللصوص )) وكان أساس السلطة ثيوقراطياً وشكل اطاراً شرعياً للحكم بين المواطنين، والمعارضة لم تكن لها أسس قانونية ولكن كان يمكن الاشتكاء و التظلم إلى الفرعون من خلال وسائل سلمية ، أما الوسائل الأخرى كانت تنقل السلطة بمجرد انتصار فريق على آخر ، فتاريخ المنطقة يشهد على مدى عظمة حكامها في بناء الدولة ، ورغم غياب مفهوم الدولة آنذاك ولكن يبقى أن للحاكم طقوس وضوابط خاصة يحترمها ولا ينبغي الخروج عليها لذلك كانت القوانين المصرية معروفة في جميع أنحاء العالم فـمدونة بوكخوريس تعتبر من أهم القوانين التي طبقت في عصر الفراعنة حيث أعطت للمرآة الحرية والأهلية في التصرف و حق التملك وبين بعض من الحقوق السياسية والمدنية ومزاولة العمل .
أين سيد هذه البلاد هل هو غائب هل هو نائم أم أنه لص يسرق مع باقي اللصوص )) وكان أساس السلطة ثيوقراطياً وشكل اطاراً شرعياً للحكم بين المواطنين، والمعارضة لم تكن لها أسس قانونية ولكن كان يمكن الاشتكاء و التظلم إلى الفرعون من خلال وسائل سلمية ، أما الوسائل الأخرى كانت تنقل السلطة بمجرد انتصار فريق على آخر ، فتاريخ المنطقة يشهد على مدى عظمة حكامها في بناء الدولة ، ورغم غياب مفهوم الدولة آنذاك ولكن يبقى أن للحاكم طقوس وضوابط خاصة يحترمها ولا ينبغي الخروج عليها لذلك كانت القوانين المصرية معروفة في جميع أنحاء العالم فـمدونة بوكخوريس تعتبر من أهم القوانين التي طبقت في عصر الفراعنة حيث أعطت للمرآة الحرية والأهلية في التصرف و حق التملك وبين بعض من الحقوق السياسية والمدنية ومزاولة العمل .
فالعودة للعصر القديم لها دلالة سياسية منهجية كصيرورة تاريخية نحو التقدم إلى الأمام في تطور مستمر للأفكار والأدوات في قيادة الدولة ، ومن ثم تطور في اسلوب الحكم الذي يتبلور في كل مرحلة ، وتأثرها بالتغيرات العالمية آخذين بعين الاعتبار الفارق الزمني بين الحاضر و التاريخ القديم ، و ترتيب الأوراق بما ينسجم مع الواقع ، و الاهتمام بالشعب وفق القانون الموافق لشرعية الدولية وتوعيته على معرفة حقوقه و المطالبة بها عندما يكون هناك تقصير من أجهزة الدولة .
ورغم التحولات الكبيرة التي حصلت في المنطقة منذ العصر القديم ونقصد الحكم الفرعوني إلى العصر الحديث من حروب وغزوات خارجية وانقلابات داخلية و التأثير المتبادل بين الشرق و الغرب لم تستطع الأنظمة التي تواكبت على الحكم الاستفادة من التراث وإيجاد آلية لتطوير ما ورثه من أجداده وشكك بكل ما يأتي من الغرب لتبرير ممارسته و الادعاء بأنه يحافظ على تقاليد المنطقة وكل ذلك ليكون أسلوب الحكم بعيداً عن الحوار ما بين الشعب والحاكم في عملية سياسية صحيحة يتم من خلاله تداول السلطة .
ما بين دراسة التاريخ القديم وما وصل إليه النظام في سوريا يتـبين أنها جردت الدولة من التواصل التاريخي في برامجها وحولت الدولة إلى أداة في خدمة من يحكمون وليس لخدمة الشعب حيث أن التاريخ نفذ كل مراحله من العبودية للحاكم و التفرد بالسلطة إلى مشاركة جزئية من الشعب في بعض المراحل …الخ حيث شكل في تكوينه التراث الذي يمكن بناء دولة لها أسس حديثة حيث الحياة السياسية ملك للجميع وليس لفئة فضل على فئة أخرى ولايمكن الادعاء بأنها مخولة إلى الأبد في السيطرة على الدولة ، ومن الواضح أن الاستفادة من كل هذا الزخم الذي ورثناه و التحولات التي تجري من حولنا لا تشكل دافعا للتقدم بل تراجعاً نحو الوراء والانطواء على الذات والمراهنة على الإيديولوجيات التي أعطت التفرد بالحكم ، في مشهد شاعري حيث البكاء على الأطلال مع فارق جوهري أن الشعب هو من يدفع الثمن في بكاء النظام.
لقد تبدل المناخ السياسي و الفكري بعد سقوط السوفيت وأحداث الحادي عشر من أيلول ، بحيث سقطت الايدولوجيا التي روجت لبناء أنظمة شمولية تسعد البشرية ، وكُشفت مساوئ تلك المرحلة ومدى استبداد الحكام وكيفية الاستفادة من تلك الفكرة والتي تمسك بها النظام السوري ولا يزال المدافع عنها في صورة قيادة حزب البعث للدولة ولكن أن تستمر في نفس المسار وبنفس العقلية مع تزايد التواصل الدولي على المستوى السياسي والشعبي وانتشار واسع للمعرفة العلمية وتنامي الشعور بأنه لابد من التغير لبناء شخصية معرفية تمتلك حس المبادرة والإبداع ، لأن العقلية السائدة أوصلت البلاد على حافة الهاوية واغتالت كل فكرة إصلاحية لا تزال في الرحم .
وليس هناك أمل أن للنظام برنامج واضح للإصلاح .
و من ثم يحول البلد من النهب الداخلي إلى نهب خارجي لخيرات البلد في مقايضة رخيصة بين مصالح الخارج وتعاون النظام لضمان مصالحها الداخلية بالتالي يوهم نفسه بأنه قد تحرر من أعباء المرحلة التي يتعايش معها والتطلع للمرحلة المقبلة.
وليس هناك أمل أن للنظام برنامج واضح للإصلاح .
و من ثم يحول البلد من النهب الداخلي إلى نهب خارجي لخيرات البلد في مقايضة رخيصة بين مصالح الخارج وتعاون النظام لضمان مصالحها الداخلية بالتالي يوهم نفسه بأنه قد تحرر من أعباء المرحلة التي يتعايش معها والتطلع للمرحلة المقبلة.
فتاريخ المنطقة من أبجدية اوغاريت و قانون حمو رابي و عظمة ما شيده المصرين يدل أن المستقبل كان لابد أن يكون زاهراً وكل فصوله ربيع نتيجة للتطور الطبيعي لجميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية….الخ ولكن الورثة كانوا خائبين ، فمن يسطر على الحكم لا تواصل بينه وبين التاريخ ، حيث الانقطاع مع هذا الإرث،وامتدت القطيعة لتشمل الشعب ، وليس هناك مقومات التواصل لأن النظام عمل على إفراغ البنية الاجتماعية من كل حافز في ظل وجود الحزب الواحد ، إذ لا يأخذ بعين الاعتبار أن السلطة ليست ملكية خاصة إنما هي ملكية عامة يمكن من يحظى بأكبر قدر من احترام الجماهير أن يد ير الدولة وفق برنامج يصوت الشعب عليه وله الحق في المشاركة و صناعة القرار على جميع الأصعدة.
ولبيان الفارق بين إرث المنطقة والحاضر المتمثل في قيادة البعث وتعاملها مع المعارضة ودراسة كل حالة في سياقها التاريخي ، يتبين أن لغة الحوار كانت متوفرة بين الشعب وملوك مصر في نطاق ضيق وأن النقد و المعارضة لتصرفات الحاكم (( الإله )) كانت تأخذ بعين الاعتبار ففي إحدى وصاية الملك ((خيتي الثالث)) يوصي ابنه ( اعمل على إقامة الحق طيلة عمرك وخذ بيد الحزين والبائس ولاتظلم امرأة ) نتيجة لهذه العلاقة وطبيعة الإلهية لفرعون حيث فصل بين السلطات الدينية والسلطتين المدنية والعسكرية ، بالنتيجة كان لفرعون طقوس خاصة يعمل في حدودها دون الخروج عنها .
أما الوقوف في دمشق لمدة ربع ساعة سلمياً للمطالبة بحق من الحقوق أو المطالبة بإلغاء قانون استثنائي هي جريمة يحاسب عليها من يطالب ومن يقرر ذلك ، وخلاصة القول أن النظام السوري حول مؤسسات الدولة لشركات خاصة يستفاد منها بعض المتنفذين ومن يعارض يكون مصيره السجن ، بذلك اخضع المجتمع لأهوائه واستبعد عن لعب أي دور، وانتشر الفساد بشهادة أهله أمام عيون جميع المسؤولين ، ومن يخرج من صف الحكم يكون متهماً وكبشاً للتغطية على سرقات أخرى ، لقد اعتاد النظام على نمط معين من الحكم وأي تغير في بنيته سوف ينهي مصيره في الحكم ، لذلك يعمل وبكل جهد على عدم إتاحة الفرصة أو أي مبادرة في هذا الاتجاه والوقوف في طريق إيجاد آلية للتغير .
يفـصل بين فلاح خوناخوب والمعارضة السورية زمن يمتد إلى آلاف السنين ولكن الفلاح خوناخوب كان أكثر تقديراً في زمنه ، ووقف وعارض أحد الملوك يضرب به المثل ويمثل إلهاً لدى شعبه، لو وقف خوناخوب تلك الوقفة في دمشق لكان مصيره مجهولاً، وكانت بيانات لجان حقوق الإنسان تصدر بحثاً عنه حياً ميتاً .
لا نأسف على التاريخ ولكن نأسف لمن أنكر ونكر التاريخ .