وحينما يأمن الناقد السياسي أو الناشط الاجتماعي أو الكاتب الملتزم , والمفكر الناصح عواقب ما يدفعه إلى التقويم و الثورة على الفساد , و بيان الخطل و الانحراف , لا بأس أن ينطق باسمه الصريح , فلا يستعير هذا الاسم أو ذاك ..
وهو من صلب الموضوع الذي أثارته المحاضرة التي ألقاها الأستاذ عبد المجيد درويش في قاعة د.
نور الدين زازا, و شن فيها حملة على الأسماء المستعارة و أهلها , و ما تنشره المواقع الالكترونية من كل هذا , و ما أعقبه من رد كتبه الأستاذ حسين عيسو , و ما دفع الأستاذ وليد حاج حسين (عبد القادر) من الرد على النقد المذكور , فكان لا بد من الوقوف على نقاط هامة :
1- إن مجرد الدخول بأسماء مستعارة لا يمكن – كما قال الأستاذ حسين – أن يكون معرة و خطيئة , بقدر ما يكون النقد الذي يختفي – بكل ملابساته – خلف تلك الأسماء , فإن كان النقد جادا و جريئا و منتجا , و بقدر ما يشكل خطورة على صاحبه , و تأثيرا على عطائه , نجد المبرر الموضوعي لهذا التخفي , و عدم الظهور بالاسم الصريح , و لكن الكلام الملقى على عواهنه – كما يقول الأستاذ الصديق وليد عن نقد الأستاذ حسين , و هو ليس كذلك , مع كامل احترامي له , كما أنه لا علاقة لنقده بتوقيع الكتاب للوثيقة المقدمة منذ فترة وجيزة , للتنصل من المهاترة والتشهير – هذا الكلام غير المسؤول , و النقد المنطلق من تشهير أو إغواء أو إثارة أو تجريح أو إهانة يفقد قيمته , سواء كان موجها إلى أفراد أو أحزاب أو قيادات..
أو كان باسم مستعار أو صريح , بل يصبح الاسم المستعار حينها , أداة سيئة و أمرا منكرا , و قبحا لا يحتمل , و قد رأينا – في البارتي, و في عمق خلافنا – نماذج قميئة من ذلك , لأشخاص اختفوا خلف براقع الأسماء المستعارة , و بأسلوب تشهيري أقل ما يقال عنه أنه مسيء و غير جاد و تشهيري بائس ..
و هو ما يوقع النقد في مزالق الهوى , و انحراف عن التصويب , و الدلالة على العيوب , التي ينبغي توقيها وتجنبها , مما يجعل في هذه الدلالة, إهداء ونصيحة لمن لم يدرك مواطن خطئه , كما يعد ذلك – لو كان موجها لحزب لم يتمكن من أداء دوره فائدة كبيرة يمكن الاعتبار بها , و قديما قيل ” رحم الله من أهدى إلي عيوبي ..” على أن تكون عيوبا حقيقية غير مصنوعة , أو مفبركة , أو هادفة إلى النيل و الإساءة , و بأسلوب حضاري لائق يعتمد المرونة و الهدوء و الحكمة و الجدل الحسن ..
و الموقف المسؤول ..
و قديما استعار كبار المصلحين أسماء و رووا حكايات على ألسنة الحيوانات خشية و تخفيا وتجنبا للبطش والتنكيل, و لا يزال هذا الأمر ساريا في كثير من بلدان العالم ..
2- أما بالنسبة للمواقع الالكترونية , فإنها متنفس حقيقي لنا جميعا – كما يقول الأستاذ حسين – و هي منابر إعلامية لمن (لا منبر له ..) من أمثالنا , و نافذة ينبغي الحرص عليها ودعمها , و عدم إثارة الزوابع في وجهها , و الأغبرة في وجوه الآخرين من خلالها , بالتزام الموقف المسؤول , و القول الفصل , و الرؤية النقدية البناءة و الناضجة ..
كما أن المطلوب من هذه المواقع – لتحترم رسالتها – أن تترفع عن نشر الأباطيل و الاختلافات و الترهات ..
سواء كان ذلك بأسماء صريحة أو مستعارة ..
و أن تتجنب النقد الهابط , و القول البذيء و العبارة الجارحة بحق الأفراد والهيئات والمنظمات , فيما يسبب نفورا وإعراضا و يباعد و يزيد الشقة اتساعا بين المختلفين , و هو ما لا يحقق هدفا مسؤولا , و لا كلمة جامعة سواء كان ذلك على مستوى الأفراد على أهميتهم أم على مستوى الأطراف و القيادات كما أكدنا عليه.
وهي في ذلك تخرج من مسارها الطبيعي فلا تكاد تؤدي دورا في التعبئة و التوجيه , و إعداد الجماهير لتقبل التقويم و حسن الأداء , و الدفع بالموقف الحاسم , إلى أن تراجع الحركة مواقفها , و تبحث عن مخارج جادة لمعالجة أخطائها وعثراتها وجموحها وغرورها أحيانا , من خلال الكلمة المسؤولة , و التي تلعب دور الرقيب الحي , و الموجه و الناصح الأمين , و النقد المبدع ..
3- في رد الأمور إلى مواقعها الصحيحة , تبقى المواقع الالكترونية منبرا حيا و حرا , و إعلاما نشطا كما أشرنا, ومن أجل ذلك ينبغي أن يدرك القائمون عليها – في حدود إمكاناتهم و خبراتهم المتواضعة , و جهدهم الإداري العفوي – أن دور التوجيه و الإعداد و التعبئة لا يمكن الاستهانة به , كما أن التشنيع و تقبيح المواقف , و نشر الأضاليل لا يمكن أن تخدم الهدف المركزي للحركة , و للناقدين , و للكتاب الملتزمين , كفريق عمل متكامل من شأنه أن يحقق طموحات شعبنا , و أن يخفف من آلامه و أعبائه بشكل متآزر ومتعاضد ومتساند , بحيث لا تكاد الفجوة تتسع بمجرد نقد جريء أو موقف مصحح وصارم , وبخاصة في المسائل المبدئية , والقضايا التي لا يمكن المساومة فيها أو غض النظر عن تجاوزها , ومحاولة رفع ثقل الضغط عن كاهل الكوادر النشطة والعاملة بهمة وإخلاص وثبات , مع بروز مختلف السياسات الاستثنائية , بشكل تتعاور الهيئات و الأفراد و المنظمات في بيان خطوطها , و توضيح وجوهها , و إثارة قضايا هي من أكبر اهتمامات الجماهير , ومن مستلزمات حياتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ..
مما هو مجال الكلمة المسؤولة , و الموقف الملتزم و الرؤية الجادة ..
ليأتي الموقف الإعلامي مبرمجا و منهجيا و بلغة نقدية عالية و منصفة , وهو ما نوهنا إليه مرارا , و أكدنا عليه في حلقات متواصلة في ” قواعد النقد و أصوله و مناهجه ..” , حيث لا تبقى إلا الكلمة الجادة , و الرؤية السديدة , و القول المبين و المثمر وهو جدير بالنشر بالاسم المستعار أو الصريح ..